التطرف فى معاداة الجزائر كدولة وشعب لا يقل خطورة عن التطرف فى الاتجاه المعاكس، أى غفران كل ما حدث ضد المصريين تحت ضغط شعارات القومية العربية.. فكلا الموقفين يجافيان المنطق، ويخاصمان مصلحة الدولة المصرية.
فالذين يطالبون بمعاداة دولة الجزائر وشعبها ينطلقون من أن ما حدث هو دفن للقومية العربية، فلا يمكن الكلام حول هوية مشتركة وأخوة.. إلخ .. فقد لعن الكثير من الجزائريين ووسائل إعلامهم كل المصريين بحاضرهم وماضيهم ومستقبلهم.. فكيف يمكن الحديث، فى رأيهم، عن ما يسمونه الوحدة العربية والمصير الواحد والأمة الواحدة، وحان الوقت لأن تفكر مصر فى مصلحتها وحدها دون غيرها بعد أن دفعت الكثير من أجل أشقاء لا يستحقون.
أما الذين يطالبون بالعكس، وهو تخفيف المعاداة، فيتمنون تجاهل المصائب التى وقعت، وينطلقون من أرضية أيديولوجية مناقضة للطرف الآخر، وهى أن القومية العربية حقيقة تاريخية، ناهيك عن المشتركات الكبيرة مثل اللغة والدين والثقافة السائدة.. ومنهم صديقى الكاتب اللامع حمدى عبد الرحيم الذى كتب فى الشروق يوم الجمعة الماضى، مؤكدا أنه لا يجوز للعبة مثل كرة القدم أن تنتهك الدستور الذى ينص فى مادته الأولى على أن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة. والمادة الثانية تنص على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
الحقيقة أن كلا الموقفين ينبع إما من عاطفة جياشة، وإما من إيديولوجيا، وكلاهما يخاصم المصالح المباشرة للشعوب، فدول أوروبا، على سبيل المثال، خاضت ضد بعضها البعض العديد من الحروب، منها حربين عالميتين، ومع ذلك بذلوا جهودا مضنية للوصول الى الاتحاد الأوروبى. ولكن هذا الاتحاد ليس مبنيا على أسس دينية، رغم أنها شعوب أغلبيتها مسيحية ولا شريعتها، ولم تتحد أوروبا بناء على اللغة، رغم أن لغاتهم منبعها اللاتينية.. ولكن على المصالح المشتركة، وبإرادتهم الحرة، أى لم تفرض دولة قوية رأيها على غيرها، ولأنها مصالح ولأنها مبنية بناءً حرا أصبحت راسخة لا تخضع للشعارات ولا للعواطف ولا لمباريات كرة القدم.
فلماذا لا نفعل مثلهم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة