"سقط المهر من الإعياء".. فى تلك اللحظة التى ينخلع فيها قلبك من مكانه، وتهاجر فيها روحك من وجدانك، ويحصلك كل الكلام الكبير ده وتضع يدك فوق جبهتك واليد الثانية على جنبك بنفس مشهد المرأة الحامل فى شهورها الأخيرة وتصرخ بداخلك وتهمس للناس بصوت مبحوح غير قادر على المقاومة زى العرب كده وتقول.. آه أنا تعبااااااااااااااااااان" وتمد فى حروفها وكأنها آخر كلمة تنطقها وفى مشهد تراجيدى كوميدى يتهاوى جسدك بالتصوير البطىء والحركات السينمائية القرعة التى لا يجيد مخرجو الأفلام صناعتها فى مصر تسقط على سريرك أو على تلك الكنبة المهملة والمسنودة على الحيطة المجاورة لها دون أن تعلم أنه حيطة مايلة!
فى تلك اللحظة وقبل أن تستسلم جفونك لنوم التعب تتذكر عمنا أمل دنقل وتتساءل أى مهر كان يقصد وأى عربة يجر ومن هذا الشقى عديم المفهومية والإنسانية الذى قام بحل سيور العربة وتظل تردد وكأنك مجنون بتلك الأحبال الصوتية الهفتانة من التعب وكأنك تخطب فى مؤتمر الحزب الوطنى "أيها السادة لم يبق اختيار .. سقط المهر من الإعياء... وانحلت سيور العربة... ..ضاقت الدائرة السوداء حول الرقبة.. صدرنا يلمسه السيف.. وفى الظهر ..الجدار".
تنتهى الخطبة وترفع رأسك قليلا من على المخدة التى بللها العرق وتشهق الشهقة الأخيرة ولا تجد ما تقوله فى الوصية لأنك بالطبع لا تملك شيئا سوى الكلام، فتجيبها من آخرها وتكتفى بالشهيق دون الزفير وتذهب لمقابلة رب كريم وتنظر حولك لتجد ذلك البنى آدم العصبى الجالس على كرسى مكتوب على ظهره "المخرج" يقف مخترعا حركات غريبة بيده لزوم أكل العيش ويصرخ وكأنه فى ميدان طيبة أثناء معركة الهكسوس "سكوووووت .. أكشن" أو ما يعادلها بالهيروغليفية وطبعا مش هقدر أكتبها ولا أترجمها!
المشهد الأول::
أنت أمام الكاميرا بجلابية صغيرة والطاقية الشبيكة، إيدك فى إيد جدك ورايح الجامع بتبص للإمام بكل رعب وهو يصرخ فى خطبة الجمعة وبيقول كلام كبير "الطاعة لولى الأمر، النساء لا تخرج من بيوتها، الويل كل الويل لبنى آدم، جهنم وبئس المصير، الالتزام وإلا ..... " cut.
المشهد الثانى::
أول يوم فى المدرسة، أنت بلبس جديد وكرافتة أم أستيك لا يتعدى طولها خمسة سنتيمتر تنظر برعب للعصاية اللى فى إيد سيادة الناظر وتحاول أن تحمى ودانك من صراخ المدرس الأول فى الميكرفون قائلا: "اللى مش هيسمع الكلام هيتعبط، اللى مش هيجيب كراسته هيتضرب، مفيش حمام، مفيش لعب، مش عاوز أسمع كلمة أنا عاوز.. وكل اللى بيحصل هنا وبيمشى بأمر من سيادة الناظر" ثم تدخل الفصل تجلس وأنت مرعوب من عين تلك المدرسة اللى بيطلع منها شرار نار، ومن عين صاحب الصورة الموجودة أعلى كل سبورة وأعلى مكتب الناظر وأعلى من علم مصر، تحاول أن تطلب من "الأبلة" أن تذهب للحمام، تصرخ فيك وتأمرك بأن تقف وتضع وشك فى الحيط وإيدك فوق وتضربك على مؤخرتك.. فتعملها على نفسك وتضحك المدرسة وتطلب من التلاميذ أن يزفوك.. وتحصل على أول انكسار نفسى وقهر اجتماعى فى حياتك مصحوب بأول دمعة ذل فى تاريخك البشرى"... cut .
المشهد الثالث:
أول يوم فى الجامعة متشيك على الآخر وداخل وأنت فخور بمجموعك ورافع راسك لفوق وفجأة: "فين الكارنيه بتاعك ياض" تنظر برعب ليد سيادة الضابط فى حرس الجامعة وتضطر أن تظهر الكارنيه مع انحناءة بسيطة وكلمة ياباشا، تتجاوز الصدمة وتدخل للمدرج تجد نفس الصورة فوق السبورة تنظر لك باستهزاء ويظهر من تحتها الدكتور بكل أناقة يحمل الميكرفون ويصرخ" مفيش حاجة اسمها سياسة، اللى مش هيشترى الكتاب هيسقط، الكلية صعبة واللى مش هيذاكر كويس هيسقط، اللى بيهرش هيسقط، اللى هيدخل بعدى هيسقط، اللى هيمشى فى مظاهرات هيسقط.. مفهوم".
يصرخ المخرج " cut " وينزل بتترات النهاية ويبتسم ملك الموت ويسألك السؤال الأخير.. عرفت يا سيدى من قطع سيور العربة؟ فترد بنظرة رعب.. أيوه صاحب الصورة!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة