فى مفترق الطرق يتحول الإنسان المصرى من قط نائم كسول محبط مكسور.. إلى معجزة كبيرة قوية قادرة على تحقيق المستحيل!
هذا ماحدث السبت، ليلة السبت، أقل من مائة ألف مصرى فى مكان واحد صنعوا صورة مؤثرة للإنسان المصرى فى أوقاته الحرجة الصعبة، منتهى التحضر من جمهور خليط من كل طبقات الشعب بكل أمزجته وكل ثقافاته وكل معتقداته وكل اتجاهاته وكل أفكاره وكل أعماره وكل... كل كل شىء!
من هم هؤلاء الذين ذهبوا إلى ستاد القاهرة يوم السبت فى مشهد حضارى رفيع المستوى.. يحملون أعلاما صغيرة عليها وصف مصر، قلوبهم صافية صادقة تحمل كل الحب والأمنيات، يهتفون بالدعاء إلى الله، يارب.. فلا تعرف من بجوارك يدعو الله: مسلم أم مسيحى!.
يوم السبت، كانت مصر كلها حاضرة، مستيقظة، متوحدة، صالحة، فى ملامحها حيوية نضرة تنبئ بكل الاحتمالات الجميلة، صورة ستاد القاهرة تبدو كما المدينة الفاضلة التى نبحث عنها، ماذا تريد أكثر من كل هذا الحب.. من كل هذا الأمان.. من كل هذه الأمنيات.. من كل هذه الطاقة المذهلة على التغيير!
فى البيوت، استيقظت الأمهات تدعو الله بالفوز، وصاح أطفال فى الثالثة من عمرهم باسم مصر!
هذه المشاعر الفياضة النبيلة التى تشبه البركان.. تؤكد أننا شعب كبير عظيم فى حاجة إلى مناسبات عظيمة من أجل أن يتوحد وأن ينجز وأن يعبر عن قوته وقدرته!
تؤكد.. أن هذا الشعب فى حاجة إدارة ذكية مخلصة ومتحضرة تخرجه من العزلة البعيدة التى ذهب لها.
يوم السبت يؤكد أن هناك أملا أكبر بكثير من مباراة كرة قدم!
يوم السبت بروفة حقيقية لشعب ينتظر فارسا يقوده إلى الأحلام التى تليق به.
يوم السبت يعنى أننا شعب يخفى الكثير من قدراته المدهشة خلف قناع من اللامبالاة.
يوم السبت، يوم من عمر وطن يبحث عن الرخاء والتقدم والحرية.. وهذا الشعب الذى صنع يوم السبت قادرا على أن يصنع أياما أجمل وأزمنة أروع!
85 ألف مواطن فى ستاد القاهرة يمثلون 85 مليون مواطن مصرى، ثروتنا الحقيقية هم البشر وليست الأرقام، البشر الذين يملأون الشوارع فنشكو من الزحام.. ونشكو من البطالة.. ونشكو من الجوع.. ونشكو من الأمراض.. ونشكو من الصمت.. ونشكو من الجهل.. ونشكو من الفقر.. ونشكو من أقنعة التبلد.. ونشكو من الجريمة.. ونشكو من الأيام السوداء التى نعيشها والأكثر قسوة التى لم تأت بعد!
هؤلاء، يملكون الكثير..
هؤلاء قادرون فى أقل من خمس سنوات أن يجعلوا مصر أقرب إلى القرن الواحد والعشرين.. منها إلى القرن التاسع عشر، قادرون على أن يختصروا مسافة السنوات البعيدة التى تفصلنا عن الدول المتقدمة، قادرون على أن يجعلوا شوارعنا نظيفة ومنظمة.. وأن نأكل قمح من أرضنا.. وأن نصنع قميصنا وقلمنا بأيدينا!
هؤلاء، هم الأمل..
هؤلاء هم الأصابع التى يجب أن نجعلها تكتب المستقبل وترسمه.. وليسوا الأصابع التى نقطعها كل يوم خوفا من أن تكبر وتنهشنا.
85 مليون مصرى يمكنهم أن ينظفوا مصر فى يوم، ويزرعون 50 مليون فدان فى أسبوع، وينتجون طعام يكفينا سنة فى شهر.
85 مليون مصرى يمكنهم أن تسطع الشمس من وجوههم إذا ضحكوا!
نحن شعب مظلوم.. متهم.. منسى.. مضحوك عليه.. مسجون فى زنزانة من الإحباط والمهانة والضعف والخوف، هذا شعب منهوب: قلبه وثروته ودعواته وأحلامه ودماغه!
نحن شعب كبير، ينقصه أفكار كبيرة يلتفت لتحقيقها.. وإدارة قوية يلتف حولها!
لقد اختصرنا إنجازاتنا الآن فى لعبة كرة القدم، لا بأس، الحمد لله أنها مازالت على قيد الحياة، الحمد لله أن لدينا دليلا واحدا على أننا شعب عظيم، الحمد لله أننا مازلنا نرى أنفسنا فى مناسبات كروية كبارا وقادرين على أن نفعل أشياء تكشف ما نخفيه ببراعة من نظام وأمان وانصهار فى كيان واحد!
مباريات كرة القدم الصغيرة.. هى المعادلة التى يمكن أن نجعل منها مباريات كثيرة فى حياتنا، فى التعليم وفى الصحة وفى الزراعة وفى الصناعة.. وفى الحب!
شعب عملاق يملك تاريخا يجب أن يفتخر به وحضارة يمكنه من استعادتها، تاريخ وحضارة يحاول البعضـ غيرة وحقداـ أن يتهمنا بها بدلا من أن يحسدنا عليها، هذه الحضارة الكبيرة لا يملكها أحد فى العالم.. نحن نعيش على أرض عاش عليها الفراعنة بكل سحرهم وسرهم وعلمهم.. كما مر بها الأنبياء.. وشربت كل الديانات السماوية على مر العصور!
من فى العالم لديه أرض مثل هذه الأرض؟
من فى العالم لديه تاريخ مثل هذا التاريخ؟
ولأننا نملك ما لا يملكه الآخرون.. من حقنا أن نصنع حاضر ومستقبل يليق بنا.
الإنسان المصرى يملك صفة نادرة مدهشة لا يملكها أحد سواه.. إنه قوى وطيب فى روح واحدة، يموت من القهر لكنه يصحو فى اللحظة ذاتها يطلب الحياة ويطلب حقه فى الحياة.
مصر بخير طالما شعبها بخير.
مصر بخير طالما أطفالها يحبون شمسها كل نهار، وشبابها يحبونها من قلوبهم فى الأوقات الصعبة.
مصر بخير طالما الأمهات الطيبات يدعون الله كل صباح بالخير لأولادهم، وشيوخها يذهبون إلى المساجد والكنائس يطلبون رحمة الله وقوته.
فقط فى انتظار يوم سبت جديد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة