إبراهيم ربيع

14 نوفمبر .. شدى حيلك يا بلد

الجمعة، 13 نوفمبر 2009 12:18 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحيانًا، ما تتحول مباراة فى كرة القدم إلى كشف غطاء الماضى بين دولتين اشتبكا فى معارك عسكرية أو عقائد أيديولوجية.. فعندما يلتقى مثلاً المنتخبان الإنجليزى والألمانى، يظهر فى الخلفية تشرشل وهتلر والحرب العالمية الثانية وصراع السيطرة على العالم.. لاتخرج المباريات الرياضية بين المنتخبات عن نص التاريخ والسياسة وسباق التميز والهيمنة.. وغالبًا ما تكون هذه الحساسية الخاصة هى مصدر الإمتاع لدى المشجعين لأن إثبات الذات له روافد كثيرة ووسائل عديدة للتعبير عنها.. ورغم أن أوروبا تجمعها حضارة مشتركة وأسلوب حياة واحدة وجغرافيا واحدة ومذهب اقتصادى وسياسى ودين واحد، فإن الماضى يطل برأسه دائمًا ليفرض على أى حدث رياضى مهم طابعًا سياسيًا.

وعندما التقى المنتخبان الإيرانى والأمريكى فى كأس العالم. لم تكن المباراة بين فريقى كرة بل بين دولتين، ووقف العالم كله مشدودًا للفرجة على علاقة السياسة بالرياضة، واستدعاء ذكرى احتلال السفارة الأمريكية فى طهران وتوابع الثورة الخومينية.. وعندما التقت إنجلترا مع الأرجنتين فى كأس العالم أيضًا كانت اللوحة الأساسية الظاهرة فى الخلفية هى حرب فوكلاند، وإذا تخيلنا مثلاً أن لقاءً كروياً سوف يجمع بين أمريكا وفنزويلا، فإن طابع التحدى السياسى هو الذى سيفرض نفسه.

لكن كل هذه الأمثلة، لا تنطبق على المباراة المرتقبة بين مصر والجزائر يوم السبت القادم، حتى نجعل من يوم 14 نوفمبر تاريخًا فى علاقة بلدين تجمعهما كل عناصر التوحد فى الماضى والحاضر والمستقبل، علاوة على اللغة والدين والكفاح المشترك، ورغم ذلك فإن خلفية المباراة لم تخلُ من بحث دائم عن مصدر «شِقاق»، ولم يجد الباحثون إلا صورة اختلقوها عن «الكراهية».. ثم يسأل هؤلاء الباحثون عن الشقاق أنفسهم عن سبب الكراهية فلا يجدون سوى أحداث رياضية سيطر عليها جنون المنافسة.. أى أن الوضع عكسى لما أوردناه من أمثلة أخرى حول العالم.. السياسة هى التى تستدعى الرياضة هذه المرة وليس العكس.. وهو نوع من الفراغ السياسى والاجتماعى تملؤه الرياضة، المجال الوحيد الذى يُعبر عن منافسة كان يجب أن تشمل أيضًا الاقتصاد والتنمية البشرية وحقوق الإنسان والديموقراطية.

وفى كل الأحوال يستحيل أن نُغير نمط الحياة فى يوم وليلة، ونحن مضطرون إلى التعامل مع مباراة مصر والجزائر فى أى صورة لها لأننا نريد أن نكسب ونتأهل لكأس العالم ونعيش إجبارًا واضطرارًا مع صدام المشاعر وأرضية الكراهية التى لا معنى ولا مصدر لها.. ومصر التى أجلت حياتها منذ شهر تقريبًا إلى أن تنجز مهمة فائقة التأثير على وجدانها.. مطلوب منها أن تحشد طاقتها وكأنها ستغير تاريخها.. ويرفع شعبها شعار «شدى حيلك يا بلد».. سوف يلعب «80» مليونًا المباراة.. لن تكون مقصورة على 11 لاعبًا.. الشعب سوف ينزل الملعب حتى لو بالدعاء والابتهالات.. كل الناس فى مصر بتقول يارب.. وهى صادقة فى الابتهال وأتصور أن صلاة الجمعة قبل يوم واحد من المباراة سوف ينضم الدعاء للمنتخب إلى باقة الدعوات المعروفة لخطباء المساجد، لأن المباراة لم تستقر فقط فى وجدان الكرويين، بل اخترقت المنازل وسيطرت على عقول وقلوب شعب كامل، حتى الذين لم يجلسوا يومًا فى حياتهم أمام التليفزيون لمشاهدة مباراة أو الذين اعتادوا الاستخفاف بانشغال الناس بمباريات الكرة ويعتبرون ذلك تضييعًا للوقت وفراغًا يملؤه العاطلون عن العمل.. هذا هو مصدر الرعب الذى يعيشه الناس الخائفون أن يناموا حزانى ومقهورين ومصدومين فى مشاعرهم.. ونحن خائفون معهم وعليهم  وبنقول معاهم يارب.. يارب..









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة