قال بحدة: كيف يعمل صلاح عيسى رئيساً لتحرير جريدة القاهرة التى يصدرها فاروق حسنى وزير الثقافة؟.
عندما قلت له ولكنك تعمل فى مؤسسة الأهرام التى تهيمن عليها الحكومة كلها.. رد بسرعة: هناك فرق.. ثم غمغم وغمغم ولم يقل شيئاً واضحاً.. ومر حتى الآن حوالى 6 سنوات منذ تأسيس جريدة القاهرة.. ولم يقل صديقى ما هو الفرق؟.
كان ذلك جزءا من حملة شعواء ضد الصحفى الكبير، لم تكن تستند فى معظمها إلى مواقف حقيقية، ولا أى شىء سوى ما يمكن أن نسميه الكيد السياسى الذى ضيع على بلدنا سنوات وسنوات فى معارك مجانية، لن تجد لها حصاداً سوى تضييع الوقت والجهد فى الشتائم والشتائم المضادة، والتى لم يتورط فيها من هم بقامة صلاح عيسى.
كان المناخ السائد وقتها، ولا يزال إلى حد كبير، أن عليك أن تختار، إما أن تكون من قبيلة المعارضين أو من قبيلة المؤيدين، وعليك أن تدافع بكل قوتك وبالحق وبالباطل عن قبيلتك، وعليك أن تخوض صراعاً حتى الموت لهزيمة القبيلة المعادية، حتى تستسلم وتأخذ نساءها وأطفالها سبايا، وكل ما تملكه غنائم.
فليس هناك صراع سياسى مبنى على مواقف نقدية، ولكنها تحولت إلى مهنة، سواء كنت معارضا أو مؤيدا، تتكسب منها، وتحميك قبيلتك، رغم أنك لا تفعل شيئا سوى أن تقول ذات الأفكار صباح كل يوم.. أى تتحول إلى جهاز دعاية وإعلان، بدلاً من أن تكون كاتباً مهمته الأساسية هى التفاعل النقدى مع كل ما يدور حوله، فى قبيلته وفى القبائل الأخرى.
كانت بداية تعرفى على الكاتب الكبير كقارئ مدمن لصحيفة الأهالى، عندما كنت فى الجامعة، كنت أركب الأوتوبيس فى المحطة قبل الأخيرة حتى أجد مقعداً، يمكننى من الاستمتاع بالقراءة، فليس لدى صبر للانتظار حتى أعود إلى البيت.. ووقتها قرأت له بعضاً من أهم كتبه منها «البرجوازية المصرية وأسلوب المفاوضة»، وحفظت عن ظهر قلب تعبيراته اللاذعة التى كان يكتبها فى بابه الإهبارية، فما زلت أذكر «موسى شرف المهنة» سخرية من الصحفى الكبير موسى صبرى، وهو ذاته الذى رأيته يضحك فى إحدى الصور مع عيسى، فليس هناك عداء ولكنه صراع سياسى لا أكثر ولا أقل.
فالرجل فضل ألا يكون عبداً للأيديولوجيا، يقدسها ويحلبها حتى لو كانت ضد الناس، فالأيديولوجيا أوجدها الإنسان لإصلاح حياته، وإذا فشلت فعلينا إصلاحها أو التخلى عنها.. فالهدف الأول والأخير هو مصلحة الناس، وليس منطقياً أن نتخلى عنهم لصالح صنم الأيديولوجى.
ولأنه هكذا كان طبيعياً أن يشن البعض ضده الحروب تلو الحروب.. وكان طبيعيا أن يرد بما يليق به، ولكنه دفع الثمن.. الثمن الذى جعل من هم مثلى يتشجعون ويحطمون الأصنام، وأن يدفعوا عما يؤمنون به دون خوف.
أستاذ صلاح كل سنة وأنت طيب يا جميل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة