لم أستوعب عندما أعطاها لى فى يدى، ولم أجد ما أقوله له، ارتبكت، فقد فوجئت بضياع المحفظة دفعة واحدة، وفوجئت أننى وجدتها.. ولم أجد ما أقوله للرجل الطيب سوى "مش عارف أقولك إيه.. مش عارف أقولك إيه.. ألف شكر .. ألف شكر".
كان الرجل وهو متوسط العمر يلاحقنى بسيارته، يطلق التنبيهات مرات ومرات، إلا أننى لم أسمع.. فقد كنت متأخرا عن مواعيد العمل، وعندما التفت بالصدفة وجدته يرفع محفظتى عالىَّ، فأوقفت سيارتى وأعطاها لى ببساطة، ثم غادر.
كانت المحفظة متضخمة بسبب عادتى السيئة بأن أضع فيها كل أوراقى الثبوتية، الرقم القومى، ورخصة القيادة وكارت البنك وأوراقا كثيرة مهمة، ناهيك عن مبلغ بسيط من المال كنت سأشترى به شيئا فى نهاية اليوم.. كان ضياع كل ذلك يعنى مشكلة كبيرة، وضياع وقت كبير وضياع جهد أكبر، استخراج كل هذه الأوراق من مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية.
لكن ما الذى جعلنى مبهورا بما فعله الرجل الكريم؟
ربما لأن هذه أفعال أصبحت نادرة فى حياتنا، فمن الصعب أن تجد أناسا بهذه الأمانة، فالمحفظة كانت متضخمة بالأوراق، "يعنى شكلها مغرى" ومع ذلك قرر الرجل بإصرار أن يجرى وراءى كل هذه المسافة ليعطيها لى. بالطبع كنت فرحا جدا، ليس فقط بالحصول على محفظتى، ولكن بسبب شعور بالأمان الذى غمر قلبى، وجعلنى أردد كثيرا "الحمد لله الدنيا بخير".
نعود إلى السؤال: هل هذه الأفعال أصبحت نادرة فى حياتنا؟
بصراحة أنا أكره الإحالة إلى الماضى الذى كان جميلا ورائعا، لأن هذا غير صحيح بالطريقة التى يروجها البعض، وأكره أيضا الحديث عن زمننا الذى فسد وانهار وضاعت فيه الأخلاق، لأن هذا أيضا يتضمن خطر التعميم المحبط الذى يحطم الهمم وينشر اليأس. ناهيك عن أننى غير مستريح لتوصيفى أن هذه الأمانة أصبحت نادرة.. فهذا أيضا حكم فيه تعميم خطر جدا ومحبط جدا.
لا يبقى أمامى سوى أن أشكر هذا الرجل النبيل.. وأدعوك وأدعو نفسى إلى التفكير الجاد والعميق للوصول إلى الكيفية التى يمكن بها أن تكون الأعمال الخيرة جزءا من قلب وعقل بلدنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة