ياسر أيوب

الصورة ليست حلوة على الإطلاق

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009 07:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ بدأت ممارسة الصحافة.. وأنا أسمع وأردد وأحفظ وأفهم وأقبل وأقتنع بأن الصورة أفضل وأهم من ألف كلمة.. وكان من الممكن أن أبقى كذلك حتى النهاية لولا صورة واحدة نشرتها الصحف القومية يوم الأربعاء الماضى.. إذ أننى حين رأيت هذه الصورة.. أدركت أن الصورة.. أبدا لن تغنى عن الكلمة.. وأن الكلمة هى الأبقى والأهم وليست الصورة هى الأعمق والأكثر قدرة على التوضيح والكشف عن كل صور العالم..

ففى تلك الصورة كان الرئيس الفلسطينى محمود عباس جالسا على مقعده وبجواره وأمامه جلس رؤساء تحرير الصحف القومية.. الأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف.. وتم التقاط هذه الصورة التذكارية.. الفاضحة والكاشفة.. وقد كان الرئيس الفلسطينى يواصل كلامه بينما رؤساء التحرير الكبار قد تحولوا جميعهم دون استثناء إلى مجرد تلاميذ فى حصة إملاء..

فهذه الصورة نشرتها صحف الأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف يوم الأربعاء الماضى وهو ما يعنى أن رؤساء تحرير هذه الصحف موافقون على معنى هذه الصورة دون أن يبدى أى منهم أى اعتراض ودون أن يدرك أى منهم معنى ودلالة هذه الصورة، بل أغلب الظن أن جميعهم كانوا سعداء بصورة جماعية لهم مع رئيس دولة أخرى حتى لو كان أبومازن.. وهى صورة فى إطار الحرب الدائرة الآن بين صحافة قومية وأخرى مستقلة كانت الصحافة المستقلة هى الأولى بنشرها للسخرية من الصحافة القومية التى طالها العجز والترهل.. إذ أنه بكل المقاييس السياسية والإعلامية لا يوجد هناك من يستحق أن يجتمع رؤساء تحرير الصحافة القومية المصرية ويجلسون أمامه كالتلاميذ الصغار فى حصة إملاء..

فلو كان لدى الرئيس الفلسطينى شىء مهم بالفعل يقوله للناس، لكان من الممكن عمل بيان يجرى توزيعه على هذه الصحف القومية لتنشره فى اليوم التالى، ولو كان الشكل يقتضى وقتها حوارا مع أبو مازن لكان من الممكن أن يقوم به رئيس تحرير أية صحيفة قومية مصرية بدلا من جرجرة رؤساء تحرير كبار.. وحشرهم كلهم فى صالون واحد وكأنهم قد جاءوا بتعليمات ليكتبوا تعليمات أخرى سيقولها رئيس لفلسطين بات مثارا لكثير من الشكوك والجدل، ويبدو أن أحدا لم ينتبه، سواء من الذين قاموا بالاستدعاء، أو الذين تم استدعاؤهم بأن المشهد كله يسىء إلى الصحافة القومية المصرية، ويلصق بها، وبشكل مؤكد وقاطع، أنها صحافة تعليمات وتوجيهات لا صحافة ابتكار وسبق ورؤية خاصة بكل صحيفة لا يحددها إلا رئيس تحريرها.

أما أهم ما نخرج به من تلك الصورة الشهيرة، فهو أن كل السادة رؤساء التحرير الكبار جدا، لا يزالون يستخدمون الورقة والقلم وكأنهم لا يزالون مخلصين تماما لعصر مضى وانتهى، .. لم يبد أن هؤلاء السادة أدركوا بعد عصرا تم فيه اختراع أجهزة تسجيل.. فى البداية كانت أشرطة كاسيت تقليدية، ثم أشرطة كاسيت صغيرة، ثم باتت هناك أجهزة تسجيل رقمية صغيرة جدا، وأنيقة جدا، بإمكانها أن تقوم بتسجيل كل ما يجرى ولفترات طويلة جدا بدون أى حاجة لورقة وقلم..

ثم كان هناك بالتأكيد اختراع قلب الدنيا وغيرها اسمه التليفون المحمول الذى بات يقوم بثلاث وظائف فى وقت واحد.. كلام وتسجيل وتصوير.. المشكلة الحقيقية تبقى أنهم كلهم غير مسايرين لتطورات هائلة لحقت بالمهنة وبالصناعة التى تخوض الآن حربا من أجل البقاء رغم سطوة التليفزيون ببريقه وأضوائه وشاشاته ورغم قدرة شبكة الإنترنت وسطوتها ومستخدميها، وهو ما يسمح لنا بتخيل كيف تدار تلك الصحف القومية حتى الآن، وبالتالى بات من الضرورى جدا الآن أن أتوقف أمام حوار صفوت الشريف، أمين عام الحزب الوطنى ورئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الأعلى للصحافة.. مع زوار الموقع الإلكترونى للحزب الوطنى.. وحوار آخر لجمال مبارك رئيس لجنة السياسات عبر الإنترنت مع شباب مصر وفتياتها.. أتوقف أمام كل ذلك وأنا عاجز عن فهم وقبول هذا التناقض بين دولة قررت أن تعتمد على التكنولوجيا فى إدارة أمورها وشئونها الحكومية.. بينما الصحافة الرسمية لتلك الدولة لا تزال صحافة ورقة وقلم.. يديرها من لا يعرفون.. غير الورقة والقلم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة