تجنبت قراءة رواية "عزازيل"، رغم محبتى الاستثنائية للأدب، كما منعت نفسى من قراءة الكثير والكثير من الهجوم والهجوم المضاد من مختلف الأطراف، حتى لا يتشكل دون إرادتى انطباعا سلبا أو إيجابا.
لكنى قرأتها أخيرا، وفى الحقيقة هى رواية بديعة بالمعنى الفنى، شخصيات من لحم ودم مرسومة ببراعة وإتقان شديد، ليس فيها أى نمطية، فليس هناك شر مطلق أو خير مطلق، ولكنها مثلنا جميعا، مزيج معقد وساحر من الجانبين.. ناهيك عن هذه القدرة الاستثنائية على رسم أدق التفاصيل، ليس فقط الإنسانية، ولكن المتعلقة أيضا بالأمكنة، رغم أنها فى التاريخ القديم، فلا مكان حقيقى بلا إنسان، والإنسان لا يوجد فى الفراغ.
توقعت أن اللغة التى يكتب بها الدكتور يوسف زيدان ستكون عبئا سأضطر إلى تحمله، فهى مطعمة بالكثير والكثير من الألفاظ القديمة، ناهيك عن تراكيب فيها قدر من الغرائبية، ولكنى وجدت العكس تماما، لغة حيوية لا يمكنك فصلها عن الشخصيات والأماكن، وليست مجرد وسيط ينقل لنا ما يقوله المؤلف، ولكنها جزء عضوى من الحالة الفنية والإنسانية لهذه الرواية الاستثنائية.
كما كان واضحا أن الدكتور زيدان لم يقرأ الكثير والكثير فقط عن هذه الفترة، ولكنه عاش فيها، أصبحت جزءا من تكوينه الوجدانى والمعرفى.. ولذلك لن تجد أى افتعال فى استخدام المعلومات التاريخية، ولن تجد أى إقحام لأى حدث استثنائى فى هذه الفترة الهامة.. ولكن الشخصيات والأماكن امتزجت عضويا بالتاريخ.. ومن الصعب أن تفصل أى شىء عن أى شىء.
يبقى الخلاف المشتعل حول الرواية، وهو طبيعى لأن الدكتور زيدان يطرح وجهة نظر متناقضة تماما مع خطاب الكنيسة الأرثوذكسية المصرية.. وأعجبنى أن بعض رجال الكنيسة ردوا على الرأى بالرأى، ويصبح متاحا أمام الناس كل الآراء يختارون يشاءون، ولكن المزعج هو التلميح بالتكفير أحيانا.. وإن كان متوقعا، فهو جزء لا يتجزأ من تكوين معظم رجال الدين، أيا كان الدين، فهم يعتبرون أنفسهم المتحدثين باسم الرب، وأن ما يقولونه من آراء وأفكار هى ذاتها أفكار وآراء الدين.. وهذا هو الدرس الأهم فى "عزازيل"، فرسالتها الأولى أنها تحذر من هذا النوع الذى يجلب الخراب على الناس وعلى الأديان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة