أثارت تصريحات ديفيد أوين وزير خارجية بريطانيا الأسبق، حول حرب أكتوبر، غضبى وغضب كل المصريين، فقد تعمد الرجل تشويه الحقائق التاريخية، وقلب موازين النتائج العسكرية المعترف بها دولياً، حيث حاول من خلال كلماته الجارحة لمشاعر كل المصريين أن يهيل التراب على انتصار أكتوبر العظيم، وأن يغتال جهد الأبطال الذين سطروا بدمائهم حروفاً من نور فى صفحات تاريخنا العسكرى، فقد أكد الرجل أن مصر لم تنتصر فى معركتها مع اليهود، بل شدد على أن حرب أكتوبر 1973 كانت هزيمة لمصر!
لم يكتفِ أوين بذلك بل اتهم الصحف العربية بعدم التوازن فى تناول القضية الفلسطينية، ودعا الصحفيين العرب، حسب قوله، لعدم المطالبة بأشياء غير واقعية مثل المطالبة بحق العودة الشامل للفلسطينيين، موضحاً أن ذلك الأمر غير قابل للتطبيق بسبب الزيادة السكانية فى إسرائيل وفلسطين، وأن مثل تلك المطالبات تضر بموقف الفلسطينيين فى التفاوض؟!
بل وجدنا أوين يدافع عن وعد بلفور من طرف خفى وبرر صدوره بأنه جاء فى ظروف صعبة لبريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، وكانت تجرى الأمور فى غير صالحها وأن بريطانيا احتاجت لمثل هذا القرار.
وإذا قمنا بتحليل تصريحات الرجل سنجد أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق ظهرت بوضوح، ومنها:
ـ لقد حاول أوين تشويه حقيقة نصر أكتوبر فى ذكرى احتفالنا به، متناسياً الدرس العسكرى الذى لقنه المصريون للصهاينة فى هذه المعركة، بل كانت تصريحاته مخالفة لما اعترفت به قيادات جيش العدو، فلم نسمع يوماً أن موشى دايان قال، إننا هزمنا المصريين فى 73، ولم نجد قيادات العدو الإسرائيلى المتطرفين أمثال نتانياهو وشارون احتفلوا بنصرهم فى حرب أكتوبر، إنها الغيبوبة التاريخية الصهيونية التى اجتاحت ذاكرة أوين، بل إنه الحقد الدفين الذى يحاول سلبنا نصراً راح ضحيته آلاف الشهداء الذين استرخصوا دماءهم، فى سبيل تحرير أوطانهم وإرضاء ربهم.
ـ حاول الرجل خلال تصريحاته المستفزة سلبنا أيضاً حق العودة للاجئين الفلسطينيين، مطالبًا أصحاب الأقلام العربية ارضاخ هؤلاء اللاجئين لمخططات بنى صهيون، وإقناعهم بالتخلى عن حلم العودة لأوطانهم، وبالطبع الهدف واضح وضوح الشمس، فالرجل يدافع عن حق اليهود فى التمتع بغنيمة فلسطين بكامل الأرض، وليذهب أصحاب الأرض للجحيم!
ـ الرجل دافع عن وعد بلفور وساق المبررات لصدوره، وليس لديه غضاضة فى استمرار دولة إسرائيل، وحاول أن يؤكد أنها واقع لابد من التعامل معه، معتمداً اعتماداً كلياً على مبدأ المفاوضات، رافضاً مبدأ المقاومة، وحضنا أوين على أن نلزم أنفسنا بتوجهاته ونسير إلى مزيد من اتفاقيات الاستسلام، التى لم تزيد القضية الفلسطينية إلا تعقيداً ضياعاً، وغرقاً فى بحر لجى ظلماته بعضها فوق بعض.
ما صدر عن أوين ليس غريباً، فالرجل ينتمى للغرب، حتى لو ترنم بنغمات حقوق الإنسان، لكن الغريب أنه ضيف رجل شهد له الجميع بالوطنية المطلقة، ورفضه الكلى للتطبيع، وانحيازه الكامل للحقوق الفلسطينية، لكن ما أحزننى صمت أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل، تجاه هذه التصريحات المستفزة، وكيف يخاطر هيكل بتاريخه ويتعاون مع مثل هذه النوعيات الحاقدة على أمتنا وتاريخها.
لا يكفى أبداً أن يخرج هانى شكر الله ليبرر موقف مؤسسة هيكل وتبرئتها من تصريحات الرجل، فالأمر وصل بأوين أنه مس الأمن القومى المصرى، وحاول قتل نصر أكتوبر فى قلوب الأجيال الحالية، فليس أقل من أن يخرج هيكل ليثأر لنا من هذا الـ"أوين"، ويعيد الأمور لنصابها، فالأمر هنا لا يرتبط بوجهات نظر، كما قال شكر الله، بل الأمر يرتبط بتشويه تاريخنا وزرع الهزيمة فى نفوس صغارنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة