لم يصبنى خبر الحكم بالسجن على الزميل إبراهيم عيسى، فى قضية مرض الرئيس مبارك بالدهشة، لأنه كان أمرا متوقعا من نظام أدمن الاستبداد والفساد، فكل صاحب قلم حر فى مصرنا "المخروسة" من الممكن أن يلاقى مصير زميلنا إبراهيم، بل أصبح ذلك بمثابة فاتورة يدفعها أصحاب المواقف والمبادئ، من شرفاء هذا الوطن، فى ظل نظام رفع شعار السجن لمن عصى والموت لمن خالف هوى أصحاب السلطة والمال، والإغلاق لكل جريدة تسير فى ركب الرافضين وما إغلاق جريدة الشعب وآفاق عربية، وإلقاء رجال الأمن الميامين للمواطنين من الأدوار العليا, ما هى إلا أدلة واضحة على تحقيق هذه الشعارات على أرض الواقع.
ولكن الخطير فى الأمر، هو حالة الإرهاب السياسى الذى يحاول النظام فرضه بكل ما أوتى من قوة على شعبنا المقهور، حتى يتسنى له أن يفرض على الجميع إرادته الفاسدة، فتارة يحيل المدنيين إلى محاكم عسكرية، ويصادر أموالهم بالرغم من رفض كل مؤسسات المجتمع المدنى، وحقوق الإنسان لذلك وتارة أخرى يستخدم العصا الغليظة، والتعذيب فى "مسالخ" الداخلية ولعل ما حدث مع ولى أمر أحد طلاب مدرسة الجزيرة بالإسكندرية وإصابته بكسر بالعمود الفقرى تحت التعذيب خير دليل على ذلك، حتى تسود روح الفزع والرعب بين البسطاء.
إنه مخطط خبيث يستهدف تمهيد الوطن لاستقبال سيناريو شيطانى لتداول السلطة على الطريقة التوريثية يضمنوا من خلاله أن يرفع الجميع راية التسليم والانصياع لما يريدون، ناسين أن هذا الشعب ومثقفيه كانوا دائماً وأبداً صخرة كؤود فى طريق كل الطغاة على مدار تاريخ مصرنا الحبيبة.
والمتابع للأحداث السياسية فى مصر يخلص إلى أن الآونة الأخيرة شهدت اعتداءات مستمرة من قبل النظام على كل رموز العمل السياسى من مختلف التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وأنه فرض حصاراً حديديا على كل من استطاع أن يمتلك أرضية شعبية فى الشارع المصرى، سواء أفرادا أو جماعات وعلى رأسهم أيمن نور والإخوان المسلمين والناصريين واليسار بصورة عامة.
ولعل التعجيل بمحاسبة الزميل إبراهيم عيسى، بهذه المحاكمة الهزلية، ما هو إلا جزاء له على مواقفه الجريئة، من قضية التوريث وخوضه فى كثير من الخطوط الحمراء التى أثارت فزع النظام، وأيضا فتح جريدته أمام التيارات الإسلامية.
وأرى أن من أسوأ فصول هذه المسرحية الهزلية، الدور الهش الذى يعلبه مجلس نقابة الصحفيين، فبالرغم من الوعود التى قطعها مكرم محمد أحمد على نفسه، أمام الجميع بأنه سيتصدى بكل قوة لحبس الصحفيين، نجد أن الواقع جاء، ليظهر أن ولاء الرجل للنظام أكبر بكثير من ولائه لأبناء مهنته.
ولذا لابد على كل الصحفيين أن ينتفضوا، كما انتفضوا من قبل فى عام 1996 ضد القانون المشبوه، فلابد أن نٌعول على إرادتنا وليس إرادة النقيب الغارق فى حب النظام، كما لابد علينا أن نتصدى بكل ألوان الرفض السلمى لأحكام الحبس فى قضايا النشر، خاصة بعد أن تبخر وعد الرئيس برفع القوانين المقيدة للحريات فى قضايا النشر، وذلك قبل أن يسكن معظمنا فى زنازين ليمان طره أو المزرعة.
وإن كان الجميع يرى أن ما نشهده الآن من استبداد سلطوى وفساد سياسى واقتصادى واجتماعى ما هو إلا صورة مظلمة لواقع أليم، إلا أننى أرى أنه بداية النهاية لنظام فقد بكل مقاييس التاريخ كل أهليته للاستمرار فى الحكم، وأنه يسطر بحروف الظلم والقهر نهاية حقبة ستلعنها الأجيال الحالية والقادمة، إنها ظلمة الفجر التى من بعدها ينطلق النهار.
وبالطبع لن يكون موقف الشرفاء من أبناء وطننا مهما اشتدت عليهم الضغوط إلا كموقف يوسف عليه السلام عندما أعلن للجميع موقفه بكل قوة وسجله القرآن بحروف من نور (ربى السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه).
وموقف رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم عندما ساومه صناديد قريش على ترك الحق (والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الدين ما تركته إلا أن يظهره الله أو أهلك دونه).
ونحن كصحفيين نعلنها للجميع، لو وضعوا الشمس فى يميننا والقمر فى يسارنا، على أن نترك أقلامنا، أو نتراجع عن محاربة الفساد، أو الدفاع عن حقوق الوطن والبسطاء من أبنائه، ما تركنا ذلك إلا أن تعود لمصرنا المحبوبة الديمقراطية، وإطلاق الحريات، والعدالة الاجتماعية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة