سعيد شعيب

صناعة الطغاة

الخميس، 25 سبتمبر 2008 10:43 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وقيل إنه كان طاغية لأنه كان يتحكم فى مصير الوزارات، والحقيقة أنه لم يكن يتحكم فى الوزارات لأنه طاغية، بل لأن الوزارات والأحزاب والبرلمانات كانت تقبل هذا التحكم، وتذعن له، وتسكت عليه.

وقيل إنه كان طاغية لأنه يفرض مشيئته على الحكومة فى شئون كثيرة، والحقيقة أنه لم يكن يفرض مشيئته لأنه طاغية، بل لأنه كان لمس منها استعدادا للخضوع والخنوع، ولأن التجارب علمته وأثبتت له أنه يستطيع أن يفرض عليها مشيئته.

وقيل إنه كان طاغية لأنه ضم فى الخاصة الملكية "تفاتيش" كانت تتبع وزارة الأوقاف، والحقيقة أن تلك "التفاتيش" لم تضم إلى الخاصة الملكية أو إلى الأوقاف الملكية لأنه كان طاغية، بل ضمت إليها لأنه قيل له: اطلب ذلك يكن لك ما تريد.. فلما جرب وطلب كان له ما أراد، فاستمر الحال وطلب مرة أخرى.

وقيل إنه كان طاغية لأنه كان "يطرد" الوزارات ويقيلها حسب هواه. والحقيقة أنه لم يكن يطرد الوزارات ولم يكن يقيلها لأنه كان طاغية، بل لأنها كانت تقبل الطرد والإقالة، ولأن الوزارة الجديدة كانت تقف بالباب والوزارة المطرودة لم تخرج منه بعد، ولأنه لم يقم فى البلاد حزب واحد يقول له: أريد أن أعرف لماذا طردت الوزارة السابقة قبل أن أتولى الحكم؟

لم يكن فاروق طاغية.. ولكن إزاء هذا الضعف والتهافت على كراسى الحكم من جانب الأحزاب، استشعر فاروق القوة والجبروت.. وظهر بمظهر الطاغية. وكانت الوزارات التى تتولى الحكم تستخذى، وتنفخ فى ضعفه بتهالكها، فإذا ضعفه ينقلب قوة.. وشموخا.. وتدخلا فى كل كبيرة وصغيرة.. ومن هنا كان الطغيان.

وأستطيع أن أؤكد وأنا مستريح الضمير، أنه لو أظهرت أى حكومة شيئا من القوة والصمود فى وجهه لكان تراجعه محققا.. فقد كان الخوف والوجل جزءا من طبيعته.. ولكنه لم يجد الحكومة التى تعانده وتقاومه، وتصمد له وتعامله هذه المعاملة.

(من مذكرات كريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق – الناشر دار الشروق). هكذا نصنع الطغاة فى كل سنتيمتر فى بلدنا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة