مع كل عشقى لمتابعة مباريات الملاكمة والمصارعة لم أتورط يوما ما فى خناقة أستخدم فيها الأيدى والأرجل.
ومع كل تقديرى وحسن متابعتى لبرنامج الاتجاه المعاكس فى قناة الجزيرة، لم أتخيل نفسى أحد ضيوفه فى إحدى الحلقات لأن علاقتى بالملاكمة والمصارعة تقتصر على المشاهدة.
لكن صديقى محمد حبوشة اعتقد أننى أمتلك قدرات كامنة فى الرياضات العنيفة، فقرر أن يفجرها، وهكذا رشحنى للصديق السورى معن الشريطى لكى أحل ضيفا على حلبة الاتجاه المعاكس. قلت لحبوشة: ولكننى ماليش فى الضرب ولا الشتيمة فطمأننى بأنه سيجهزنى بكل ما يِؤهلنى للقضاء على غريمى بالضربة القاضية قبل الفاصل.
كان موضوع الحلقة هو الدراما المصرية التى راحت عليها وخرجت من المنافسة تماماً، وكان غريمى هو المخرج السورى يوسف رزق. وهكذا كان المعد سوريا وحكم المباراة الدكتور فيصل القاسم سوريا والملاكم المنافس سوريا وأنا المصرى الوحيد فى الليلة المباركة، الذى قدر عليه أن يتولى الدفاع ليس عن الدراما المصرية، ولكن عن مصر بذات نفسها.
أود أن أعترف فى البداية أننى لست معجبا بالدراما المصرية إلى الدرجة التى تجعلنى أستميت فى الدفاع عنها فى قناة الجزيرة وفى برنامج يعتمد على الصوت العالى والقبضة الحديدية والشلوت المعتبر، وعندما اتفق معى المعد الأستاذ معن الشريطى على محاور البرنامج قلت له: يجب أن أكون منطقيا فى طرحى فلا أدافع عن شىء ردىء لمجرد أنه صناعة مصريين، وقد أستطيع الحديث عن الدراما المصرية عموما من بداية نشأة التليفزيون، ولكن اعفينى من الدفاع عن دراما هذا العام. ثم سألنى معن الشريطى: هل معنى كلامك أن الدراما المصرية سقطت هذا العام بالضربة القاضية الفنية أمام الدراما السورية؟ فقلت له: اسمع يا أخ معن المقارنة بين الفن المصرى عموما والفن فى أى دولة شقيقة غير مطروح أصلاً إلا إذا صحت المقارنة بين الأستاذ والتلميذ أو بين الأب وابنه، كيف تقارننى بالذين رأوا الدنيا وعرفوا العالم من خلالى؟ لا يمكن أن تستغل هذا العام الذى تصادف أن تثاءبت فيه الدراما المصرية فتزعم أن الدراما السورية أو القطرية أو أى دراما أخرى هزمتها بالضربة القاضية.
أعددت نفسى جيداً للحلقة خاصة حين علمت أن غريمى هو المخرج السورى يوسف رزق، قلت لنفسى أن الحوار سيكون فنيا صرف وأنا الذى تركت الفن منذ وقت ليس قصيراً، وبالتالى يجب أن أذاكر جيداً خاصة وأن البرنامج يتمتع بنسبة مشاهدة عالية جدا والناس فى بلادى يحزنون حين يكون الضيف المصرى ضعيف ونتهم دائما فيصل القاسم بأنه ينتقى أسوأ ناس فى مصر حتى يقول للناس: انظروا هذا هو حجم مصر. أنا شخصيا كنت أظن فيه ذلك حتى دق الحكم جرس الحلبة لتبدأ المباراة. كان السؤال الأول موجها لغريمى عن سبب تراجع الدراما المصرية فإذا به يأتى بكل القاذورات ويهيلها على الدراما المصرية ليس هذا العام فقط، ولكن كل الأعوام التى سبقته، ثم ختم إجابته بأن الدراما المصرية خرجت تماماً من المنافسة ولم يعد أحد يهتم بها، ولذلك لجأت مصر إلى الممثلين والمخرجين السوريين.
أدركت أن الرجل لن يتكلم بصورة موضوعية وبالتالى لن يجدى معه كل ما ذكرته استعداداً له وتأكد لى ذلك عندما كان يصر على مقاطعتى والشوشرة على كلامى قبل أن أنهى جملتين كاملتين. ورغم أنه كان يضرب تحت الحزام إلا أن الحكم ـ فيصل القاسم ـ لم ينذره ولم يحمنى وكأن الخطة هى حجزى فى الركن بصورة لا أستطيع معها توجيه أى لكمة خطافية للمخرج السورى.
قلت لنفسى لن أعود لمصر وأنا مهزوم بالضربة القاضية، سأبذل كل ما فى وسعى ليس للرد على المخرج السورى فقط بل على كل الحاقدين الكارهين الجاحدين الذين يمثلهم، فكيف ألاكم ملايين يكرهون مصر أو بالأحرى يعانون من عقدة مصر؟ قلت له إن أقصى طموح لأغلب الدول العربية أن تتفوق على مصر فى أى مضمار. قلت له إن مصر لا يضايقها تفوق أى شقيقة عربية لسبب منطقى وهو أن هذا التفوق ثمرة تعليمنا لكم والأب لا يحزن حين يتفوق ابنه، لذلك إذا كان الكلام عن الدراما أقول لك إن مصر هى أسعد الناس بتفوق الدراما التاريخية السورية واستعنا بالنجوم السوريين ليس لأننا أفلسنا كما تدعى، ولكن لأننا ننظر إلى كل الموهوبين العرب على أن لمصر نصيب فيهم كما لهم نصيب فى مصر.
قلت له إننا لسنا شوفونيين كما تزعمون بدليل أن منهاجنا الدراسية التى يحفظها كل طلاب العلم فى مصر تسجيل واعتراف بأن أول من أدخل المسرح إلى مصر يعقوب صنوع السورى أو الشامى، وأن أول صفحة فى الأهرام المصرية مكتوب على رأسها، أسسها سليم وبشارة تقلا، مثلما مكتوب على مطبوعات دار الهلال أسسها جورجى وإميل زيدان وكل هؤلاء يا سادة شوام نحبهم ونحترمهم ونجلهم لأن هذه هى مصر الكبيرة الواثقة من نفسها.. مصر التى اجترأتم عليها وقارنتم الطوبات الثلاث التى وضعتوها فوق بعضها بأهرامها.
لكن طوفان السفالة وقلة الأدب لم يتوقف، فغريمى مصر على أن الدراما المصرية سقطت ولن تقوم لها قائمة إلا بعد أربعين أو خمسين سنة وأن الدراما السورية لن تجد من ينافسها طوال هذه الفترة، ولذلك لجأ المصريون إلى إغراء النجوم السوريين بالفلوس للعمل فى المسلسلات المصرية حتى لا تجد المسلسلات السورية ممثلين، وهذه مؤامرة مصرية لضربنا ومحاولة لإنقاذ الدراما المصرية الميتة.
قلت له إن الدراما السورية تشبه أرانب سباق المسافات الطويلة الذين يشتركون لتسخين اللفات الثلاث الأولى من السباق ثم يخرجون تماما بعد هذه اللفات لإفساح المجال للبطل الذى سيفوز بقصب السبق. مشكلتكم أنكم تودون الصعود إلى منصات التتويج قبل أن ينتهى السباق، لا يغرنكم نوبة التثاؤب التى يمر بها العداء المصرى لأنه سيفيق قبيل الوصول إلى خط النهاية ليقول لكم إن الكبير كبير والأيام بيننا.
على كثرة ما ظهرت فى برامج تليفزيونية لم أسعد بالظهور فى قناة الجزيرة لأن المصريين يعتبرونها من الأشياء التى تقتات على مصائب وكوارث مصر، ولا يستطيعون توجيه سهام النقد لأى دولة أخرى غير مصر، لم أسعد لأننى أحسست بأننى لم أشف غليل المصريين الذين شاهدوا الحلقة وسيعتبروننى قصرت فى الدفاع عن مصر.
وحدث ما تخوفت منه فقد اتهمنى البعض بأننى لم أستعد للحلقة جيداً، وقالت لى زميلة بالأهرام لم أكن أعرفها من قبل إننى تعرضت لوابل من السباب من زوجها لأننى لم أضرب المخرج السورى، وقالت لى السيدة آمال فهمى على الناصية: لماذا اختاروك أنت، ألم تكن المخرجة أنعام محمد على أفضل؟. نعم جاملنى الكثيرون وأكدوا أننى كنت واجهة مشرفة لمصر لأننى لم أجاره فى قلة الأدب، لكن ظل الغضب المصرى أعلى لدرجة أن الزميل جمال العاصى رئيس تحرير جريدة الطريق يريد عمل عدد خاص للدفاع عما فشلت أنا فى الدفاع عنه، أو كما قال جمال ما حال فيصل القاسم بينى وبينه.
والآن أشعر أن ملف مشاركتى فى الجزيرة سينضم إلى ملفات إخفاق مصر فى الألعاب الأولمبية المعروض أمام لجنة الدكتور مفيد شهاب. أعلم أن اللجنة ستديننى وتتهمنى بالتقصير مع أن ماحدش نظم لى معسكر تدريب على قلة الأدب ورفضت الانضمام إليه. تفتكروا ممكن يحاكمونى لأننى ـ كما قالت لى السيدة آمال فهمى ـ لأننى كنت مؤدب زيادة عن اللزوم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة