استكمالاً لما كتبته أمس حول تطرف واستبداد الأغلبية، أعتقد أن الذين يعتقدون أن الأغلبية من حقها صياغة الدولة على هواها، لأنها أكثرية عددية فى البلد، يستندون إلى منطق الغابة، أو منطق العصابات، وليس إلى منطق إنسانى.. وسأقول لكم كيف؟
لأن الشرعية هنا لا تستند إلى أن البشر متساوون بشكل مطلق فى الحقوق وفى الواجبات، أياً كانت الأعراق والثقافات والأديان والمعتقدات السياسية، أى حقوق المواطنة بالمعنى الذى توصلت إليه البشرية بعد عذابات لا أول لها ولا آخر.. ولكنهم يستندون إلى أن الأكثر عددا هم الأكثر قوة، ومن حقهم فرض أى شىء، والأقلية هى الأضعف لأنها الأقل عددا وعليها أن ترضى بأى شىء. والخطوة الثانية أن تبنى الأغلبية الدولة على مقاسها، حتى لو انتهكت حقوق مواطنين كان حظهم العاثر أنهم من الأقلية.
ومن هنا الكلام الباطل حول أنه طالما أن أغلبية البلد من المسلمين، فمن الطبيعى أن تكون للدولة ديانة هى الإسلام، وإذا مددنا الخط على استقامته، فلا يجوز أن يكون رئيس الجمهورية من أية ديانة أخرى.. وبالطبع هذا يتضمن انتهاكا لحقوق المواطنين غير المسلمين، والتعامل معهم باعتبارهم ضيوف فى البلد وليسوا أصحابها مثل المسلمين، وكل ذنبهم أنهم بالصدفة البحتة أقلية عددية.
ولا يجيب نظرية الأغلبية العددية على سؤال: ماذا سيفعلون لو كانت الأكثرية العددية من البهائيين مثلاً.. هل سيقبلون أن ينتقص البهائيين حقوقهم؟
لا أظن، والدليل أنهم ينتفضوا عندما تحدث شبهة انتهاك للأقلية المسلمة فى أى مكان. ولعلنا نتذكر الضجة التى أثارها أنصار الدولة الدينية ضد الحكومة الفرنسية عندما منعت ارتداء الرموز الدينية فى المدارس والهيئات الحكومية، ورغم أن القرار كان موجها ضد المسيحيين واليهود والمسلمين، فقد صوروا الأمر أنه حرب ضد الإسلام.
المهم أننى أقصد أنهم هنا انتصروا لأقلية تريد أغلبية أن تنتهك حقوقها .. وهنا فى بلدنا يفعلون العكس، يساندون مبدأ "الأغلبية من حقها أن تنتقص من حقوق الأقلية".
الخلاصة التى أريد الوصول إليها هى أن للأغلبية حقوق تنتهى عندما تبدأ حقوق الأقليات، أو حقوق ولو مواطن واحد فى بلدنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة