كان من الطبيعى ألا نشاهد برنامج "من غير مقص"، سوى على شاشة التليفزيون المصرى المحلى، فهى المكان الذى قد يستوعب مثل هذا النوع من النقد، الذى يقدمه البرنامج، والذى لن تسعه شاشة تحيا بتمويل خليجى.
برنامج "من غير مقص" هو فى الحقيقة "اسكيتشات" تمثيلية من تأليف وإخراج خالد جلال المخرج المسرحى صاحب ورشة الإبداع فى دار الأوبرا، والتى يقوم طلابها بتقديم العروض التمثيلية فى البرنامج.
ولأن هناك مخرجاً مسرحياً متمرساً، وممثلين هواة يطمحون نحو الاحتراف، ويتدربون بجدية، ولأن هناك مساحةً للمشاهدة، كان طبيعياً أن يقدم كلٌ أفضل ما عنده؛ لاغتنام الفرصة التى يمنحها توقيت العرض بعد الإفطار على شاشة الأولى الأرضية، لكن ما صنع فارقاً هنا هو الأفكار.
سنوات طويلة مرت، عانى فيها مبدعون من تقييدهم بظل الممول التليفزيونى الخليجى، ما يعنى التحرك فى حدود مرسومة مسبقاً، ولأن الحدود دائماً ما توجد، فالتحايل عليها وارد دوماً أيضاً، لكن هناك نوعية من الممنوعات يكون سبيل التحايل عليها قتل للإبداع، ووأد للفكرة قبل حتى أن تولد، وتصبح المساحات التى يمكن التحرك فيها خانقة، أو فى أحسن الأحوال يصبح خلق العمل التليفزيونى تشويهاً للواقع أو انحرافاً للإبداع "من غير مقص" فى سياقه الناقد لسلبيات كثيرة فى الحياة، يشبه هو نفسه الحلقة التى كان موضوعها "الدوبلاج"، حيث ظهر المنتج "التاجر" المصرى فى سبيله لعقد صفقة مع "الشارى" الخليجى، ولأجل ذلك يقوم بدبلجة حوارات أشهر الأعمال السينمائية المصرية، بلغة ومنطق خليجى، كى يفهمها الشارى وجمهوره، ولأجل أن تناسب منطقهم فى الفهم، ما يؤدى إلى تشويهها لحد الاغتيال.
مثلت الحلقة شديدة التميز، نقداً لاذعاً هو الأول من نوعه، للعيوب التى يلقى بظلالها المنتج الخليجى على الإبداع المصرى: حاضره وتاريخه، هذا النقد يبدو بوضوح أنه لا يصدر سوى من مبدع مصرى، وهو توصيف كدنا أن ننساه فى ضوء سنوات الفضاء الخليجى القصيرة فى عمرها، والممتدة فى تأثيرها.
المنطق نفسه لكن بصيغة أكثر نقداً، يتجلى فى الحلقة التى يتم فيها تناول شخصية الداعية الإسلامى عمرو خالد، والتى جاء منها البرومو (التنويه) الذى اختاره التليفزيون للتنويه عن البرنامج(؟).
فالتقليد لشخصية الداعية والتى تحمل سخريةً واضحة من خطابه هى التى يتم بها التعريف بالبرنامج، ولو أنها جرأة تستحق الإشادة، لكنها تدفع أكثر إلى استحضار علامات استفهام بلا نهاية!! هو بالتأكيد نقد لا يتولد سوى عن عقلية غير نمطية ولا تتبع المجموع ـ هنا أيضاً يظهر اختلاف صانع العمل ـ لكن الملفت للغاية، هو أن يعرضه التليفزيون المصرى، معرضاً مشاهديه التقليديين إلى صدمة، فكثير منهم ـ إن لم يكن أغلبهم ـ من معجبى الداعية الشهير.
ما كان ينقص "من غير مقص"، هو أن يقدم برؤيته اللاذعة ـ خفيفة الظل، تصوراً لظهور الممثلة المعتزلة سابقاً، والعائدة منذ العام الماضى صابرين، بباروكة على رأسها فى مسلسل "الفنار"، فالفنانة أقدمت على خطوة قد تكون رائدة، فلم يسبقها إليها أحد، حيث قررت التحايل على حجابها، بباروكة فالمهم هو تغطية الشعر فحسب!!! بررت ذلك لنفسها، غير مكترثة بالانتقادات التى وجهت إليها وقت تصوير المسلسل، حين تم تناقل الأخبار عن خطوتها تلك، ثم تم التكتم على سير التصوير، حتى فاجأت المشاهدين بمظهرها المثير للجدل، بالطبع لم يكن "من غير مقص" ليلحق بانتقاد الفكرة، لأن تصويره تم قبل إذاعة المسلسل، لكن ربما يقدمها فى موسم مقبل، وأتصور المشهد كالتالى: فتيات مصر ـ أكثرهن محجبات ـ يسرن فى الشوارع مرتديات باروكات فوق حجابهن، مقلدين الفنانة القدوة، وتجار الباروكات يدعون لها بطول العمر وسعة الرزق!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة