من فضلك تخيل معى المشهد التالى:
بعض الناس اغتصبوا أرضاً تملكها، وأنت صامت تماما وكأن شيئاً لا يحدث. أليس هذا غريباً وعجيبا؟!
فجأة اشتعلت الحرب بين هؤلاء اللصوص عليها.. فماذا عليك أن تفعل وأنت المالك الحقيقى للأرض؟
البديهى أن تحاول استعادة أرضك.. ولكنك بدلاً من أن تفعل ذلك تستخدم نفوذك حتى تدفعهم إلى "اتفاق عرفى" فيما بينهم على اقتسام الأرض.
هل هذا غريب؟
بالطبع، بل يبدو جنونا.. ولكن السلطة الحاكمة فعلتها فى أحداث دير أبو فانا.. فالأرض التى يتنازع عليها رهبان الدير ومن أطلقت عليهم بعض وسائل الإعلام "العربان"، وكأنهم ليسوا مصريين، هى ملك للدولة، والمفترض أن تنزع الحكومة التى يمثلها محافظ المنيا هذه الأرض من مغتصبيها، فهى أرض دولة، أى يملكها عموم المصريين.
لكن الحكومة لم تفعل، إنه الجنون الذى يشعل مزيداً من الحرائق.. فذات الأداء الحكومى الردىء الذى يعتمد على توازن القوى، وليس توازن الحقوق، أى الاحتماء بالقانون، وهو ما أدى إلى انتشار ما يسمونه بالمجالس العرفية. وهى فى حقيقتها سلطة موازية لا تحترم سلطة القانون، وكأنها دول داخل الدولة، وكأنها مناطق حكم ذاتى لا سلطان لأحد عليها.
الحلال بين والحرام بين فى أحداث دير أبو فانا، فالرهبان مصريون ومثلهم من يسمون أنفسهم العربان، كلهم يخضعون دون حتى إرادتهم لسلطة القانون. فالشق الجنائى المتعلق بإطلاق النار والخطف وغيره تحقق فيه النيابة وصولاً إلى القضاء الذى يحاسب المجرم أيا كانت ديانته. والأرض تنزعها الحكومة من الطرفين المغتصبين، ثم تقرر ما تفعله بها، لكن دون الرضوخ لأى قوة، سوى قوة القانون والصالح العام.
والغريب أن هذا ما طالب به قداسة البابا شنودة، فقد رفض الحلول "العرفية" وطالب بتطبيق القانون.. والحقيقة أننى انتقدته من قبل لأنه أحياناً يعلى سلطة الكنيسة الروحية فوق سلطة الدولة، لكنه هذه المرة تصرف بحكمة وطالب بتطبيق القانون لا أكثر ولا أقل. لكن هناك تراخيا حكوميا لا أجد له مبررا وإصرارا على "اللجنة العرفية". أى الإصرار على هدم الدولة التى نحتمى بها جميعاً.
فمن صاحب المصلحة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة