الحقيقة أن الحكم الذى صدر بسجن الدكتور سعد الدين إبراهيم عامين، ودفعه غرامة 10 آلاف جنيه، يمكن القول بضمير مطمئن أنه حكم سياسى وليس قضائى، والأمر هنا قد لا يتعلق بالقاضى الذى أصدر الحكم، ولكن بالقانون الذى استند إليه وهو المادة 80 من قانون العقوبات، فالقاضى فى النهاية يطبق قانون أقرته المؤسسة التشريعية، التى يسيطر عليها الحزب الحاكم.
فالمادة التى حوكم بها الرجل تنص على أن "يعاقب كل مصرى يذيع عمدا بالخارج، أخبارا أو بيانات أو شائعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية فى البلاد، إذا كان من شأن ذلك إضعاف الثقة بمصالح الدولة وهيبتها أو أى نشاط يترتب عليه الإضرار بمصالح الدولة". والمشكلة كما هو واضح أن التعبيرات المستخدمة فى هذه المادة المعيبة مطاطة، وقابلة لكل التفسيرات، فليس هناك تحديد واضح ومحدد لجملة "إضعاف الثقة"، ولا تحديد واضح لمعنى محدد لجملة "مصالح الدولة".
ناهيك عن أن المحكمة التى حكمت بسجن دكتور سعد استندت فى حيثياتها إلى تقرير لوزارة الخارجية، فالتقرير كما قالت المحكمة أكد أن المتهم أضعف "هيبة الدولة وأضر بالمصالح القومية" للبلاد. فى حين أن التقرير الذى نشرت نصه جريدة المصرى اليوم، يؤكد بشكل حاسم "أنه من الصعب توصيف أو تحديد الحجم الحقيقى لتأثير مقالات الدكتور سعد الدين إبراهيم، التى نشرها فى الخارج على الدولة المصرية.
ثم أن الحكم يتضمن خلطا غير مقبول بين الحكومة، أو السلطة الحاكمة والدولة، فالدكتور سعد ينتقد سلطة حاكمة مستبدة. أما الدولة فهى كل المؤسسات فى البلد، مؤسسات تشريعية وتنفيذية وأحزاب ونقابات وغيرها وغيرها، أى الأرض والمواطنين والتنظيمات. ثم من قال إن انتقاد الدولة حتى بهذا المعنى جريمة؟
ثم أن قضية دكتور سعد مؤشر خطير على استخدام الحزب الحاكم لسلاح الحسبة السياسية، لتصفية خصومه عبر القضاء، فى آراء موضوعها النقاش العام وليس ساحات المحاكم، وهو ما فعلوه فى القضايا المرفوعة على الزملاء، عادل حمودة وإبراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل ووائل الإبراشى. ثم إذا كان دكتور سعد قد طالب بربط المعونة بالإصلاح السياسى فى مصر، فهناك من يعتبر أن المعونة فى حد ذاتها انتقاص من الاستقلال الوطنى، فهل سيعدم الحزب الوطنى هؤلاء؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة