هانى صلاح الدين

الطلاق ظاهرة أم سلوك عربى؟!

الأحد، 10 أغسطس 2008 01:16 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تتوالى الإحصائيات والدراسات الأسرية فى الدول العربية، لتؤكد على أن الطلاق أصبح ظاهرة اجتاحت المجتمعات العربية، فهاهى دراسة مصرية من مركز المعلومات بمجلس الوزراء المصرى تؤكد أن 40% من حالات الزواج انتهت بالطلاق خلال السنة الأولى من الزواج، وأن 70%من هذه الحالات من نوعيه الزواج الأول، وأن معظم الشريحة العمرية لهذه الحالات لم تتجاوز الثلاثين عاما.

وها هى إحصائيات أخرى تخرج علينا من منطقة الخليج العربى، لتؤكد أن حالات الطلاق فى هذه المنطقة وصلت إلى 47% من حالات الزواج الحديث، وأيضا معظمها من شريحة الأعمار الشبابية، كما أظهرت دراسة نشرت على موقع "نساء عربيات" أن أعلى معدلات طلاق كانت فى الكويت حيث بلغت 67%، بينما هذه النسبة فى المملكة العربية السعودية بلغت 35% خلال العام الحالى، فى حين لم تتجاوز هذه النسبة خلال عام 1422 هجرية حسب إحصائيات وزارة العدل السعودية 19% حيث كان إجمالى حالات الزواج 90982، وبلغ عدد حالات الطلاق 18765 فى هذا العام، بينما بلغت نسبة الطلاق فى الإمارات 26%.

وكانت أعلى معدلات الطلاق فى الشريحة العمرية من 20 إلى 30 عاما، حيث وصلت نسبة المطلقين فى هذه السن إلى 42% من إجمالى عدد المطلقين، وتنخفض حالات الطلاق بالنسبة للإناث بعد 39 سنة بينما تصل عند الرجال إلى معدلات مقاربة بعد سن الـ 50. ومعظم حالات الطلاق تمت فى السنوات الست الأولى من عمر الزواج، و15% من حالات الطلاق تمت فى أول سنة من عمر الزواج و37% تمت وعمر الزواج ما بين 1 إلى 6 سنوات، و21% تمت وعمر الزواج بين 6 إلى 10 سنوات و 26% تمت وعمر الزواج 10 سنوات.

وقد أكدت هذه الأرقام دراسة "الطلاق فى الإمارات" التى أعدتها وزارة العمل والشئون الاجتماعية. وتضمنت الدراسة أيضا أنه من بين 4305 حالات زواج حدثت بين المواطنين عام 96 وقعت 1326 حالة طلاق على مستوى الدولة، وسجلت أبو ظبى أعلى نسبة طلاق، إذ من بين 1291 حالة زواج حدثت 573 واقعة طلاق، كما أن منطقة المغرب العربى لم تكن بمنأى عن هذه الظاهرة، حيث وصلت حالات الطلاق فيها إلى 25% من حالات الزواج الحديثة (خلال عامين من الزواج).

إننى عايشت بنفسى قصة صديق لى فى الثلاثينيات من عمره أقبل على تجربه الزواج الثانى من إحدى قريباته، وذلك بالرغم من ثنائه المستمر على زوجته الأولى واستقرار حياته معها، ولكن فاجأنى بعد شهر فقط من زواجه بفشل هذه الزيجة الثانية، نادما على ما أقدم عليه، معتبرا أنه أساء الاختيار وأخطأ فى حق زوجته الأولى، وبالرغم من أنه أطلعنى على أسباب طلاقه التى تعلقت بسوء تعامل الزوجة الجديدة معه لدرجة أنها حولت حياته إلى جحيم، إلا أننى تأكدت أن هناك خللا خطيرا إندس فى حياتنا الأسرية ودفعها إلى الانهيار، وقد فرضت على هذه القصة والأرقام المفزعة تناول هذه القضية، التى تحولت من كونها ظاهرة إلى سلوك عربى أصبح يهدد مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التى من المفترض لو التزمت بقواعد دينها الإسلامى الحنيف المنظمة للحياة الزوجية، لعاشت فى ظل سعادة واستقرار أسرى يحسدها عليها العالم.

لكن الواقع العربى فى هذه الظاهرة يدفعنا لنؤكد أن هناك خللا فى التركيبة الاجتماعية، بسبب البعد عن جوهر ديننا الحنيف الإسلام. ولكن من خلال ما اطلعت عليه من دراسات وأبحاث فى هذا الشأن، خلصت إلى أن ظاهرة الطلاق وانتشارها بهذه الصورة وقف وراءها أسباب عدة على رأسها أن معظم شبابنا لم ينزلوا العلاقة الزوجية مكانتها فى شريعتنا، ويكفينا أن الله عز وجل وصف هذه العلاقة بالميثاق الغليظ، فقد قال ربنا فى كتابه العزيز "وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا"، بل وصل الاستهتار بقضية الزواج فى تصور شبابنا العربى إلى درجة أنهم اعتبروه مجرد استمتاع جنسى حتى يقضى من زوجته وطرا ثم يلقى بها إلى سلة المهملات، ولا نعيب فقط على الشباب بل وصل الأمر ببعض الفتيات بعد الزواج بأنهن يطلبن الطلاق لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها ما أثبتته الدراسات الأسرية فى مصر، حيث إن هناك أكثر من 10% من حالات الطلاق كانت سببها عدم اقتناع البنات بشخصية أزواجهن، ومنهن من طلبن الطلاق بسبب "شخير" الزوج أثناء النوم، ومنهن من طلقت بسبب شكوتها من رائحة قدم زوجها وعرقه، وعلى هذا الغرار نجد أن أسباب الكثير من حالات الطلاق كانت من "الهيافة" بمكانة كبيرة، وتناسى هؤلاء المتورطون فى ظاهرة الطلاق أنهم يدمرون اللبنة الأولى فى بناء المجتمع، وبالطبع لابد أن نعترف جميعا أن الآباء والأمهات تناسوا دورهم فى تعميق قيمة الأسرة فى نفوس أولادهم، ولعل ما نشهده من انتشار الطلاق ما هو إلا ثمرة لتناسى الآباء والأمهات لدورهم هذا.

ومن أخطر ما استخلصته من خلال قراءاتى فى الدراسات التى تناولت قضية الطلاق، أن 50% من الشباب العربى طلق بسبب أنه كان متخيلا أن زوجته سيكون أداؤها فى فراش الزوجية على نمط "استايل" فنانات الفيديو الكليب، وأنا لا أنكر على أى زوج أن يسعى لأن تكون زوجته فى الصورة التى يودها من أجل أن تعفه عن المحرمات، بل أطالب كل زوجة مهما كان عمرها بأن تتميز فى علاقتها الزوجية بما فيها العلاقات الجنسية، ولكن على شبابنا أن يعلم أن هناك فرقا كبيرا بين الزوجة العفيفة وبين من تفننت فى إباحة جسدها لكل من يريد أن ينهشه، وقبل أن نغلق هذا الأمر لابد أن نعلم جميعا أن وسائل الإعلام الناقلة لمثل هذا الفن الرخيص كانت من معاول الهدم لقيمة الأسرة فى نفوس أجيالنا، وعلى أصحاب هذه الفضائيات أن يفيقوا من غيهم ويعودوا لرشدهم فكفاهم هدما لشبابنا.

كما أننا نجد أن تقصير أحد الزوجين فى فراش الزوجية وعدم إشباع هذه الرغبة بصورة مرضية كان مسببا لأكثر من 45% من حالات الطلاق، وأن المسئولية عن ذلك كانت متساوية بين الزوجين، وهذا يدفعنا لأن نقول إن الأسر العربية مازالت غير حريصة على تحصيل الثقافة الجنسية لمن هم مقبلون (فقط) على تأسيس عش الزوجية، وعلى الجمعيات المهتمة بشئون الأسرة تقديم التثقيف الجنسى بضوابطه الشرعية لمن هم على أبواب الزواج، عن طريق دورات يقوم بتدريسها المتخصصون فى هذه المجالات حتى نتفادى هذا التقصير.

كما كان من الأسباب الدافعة بقوة إلى خروج ظاهرة الطلاق على سطح حياتنا الاجتماعية، سوء اختيار أحد الزوجين لبعضهما، حيث أظهرت كثير من الدراسات أن هذا العامل تسبب فى الطلاق بنسبة 10% فى الوطن العربى، لأن معظم هذه الحالات تظاهروا بمظاهر بعيدة كل البعد عن حقيقة شخصيته، ولذلك على كل من أقدم على الزواج أن يظهر خفاياه قبل أن تظهر بصورة صدامية بعد الزواج تؤدى إلى الانفصال فى نهاية الأمر.

كما أن الاختلال فى التكافؤ بين الزوجين فى مختلف مجالات الحياة كان سببا للانفصال فى حالات قاربت نسبتها 3% فى منطقة الخليج، وذلك بخلاف ما يترتب عليه من خلافات بين العائلات، ولعل ما حدث بالمملكة العربية السعودية مؤخرا من إقدام إحدى العائلات على قتل زوج ابنتهم بسبب عدم التكافؤ بينه وبين زوجته، خير دليل على وجود هذه الظاهرة خاصة فى حالة تصميم الشباب أو الفتيات على زواج شخص بعينه، وهنا لابد أن يكون لنا وقفة جادة، فعلينا أن نراعى بوضوح ما وجهنا له الإسلام فى هذا الشأن، فلا نستطيع أن ننكر أهمية التكافؤ بين الطرفين كما يحكمنا أيضا فى ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه". (الترمذى وابن ماجة).

وقد يفرض علينا ذلك مراعاة التكافؤ بين الزوجين، وبين قبول أصحاب الدين والخلق القويم، وعمل معادلة التزاوج بينهما، حتى نقضى على هذا السبب الفعال فى ظاهرة الزواج.
كما كان نصيب الزواج الثانى من حالات الطلاق مفزعا فى بعض الدول كمصر، حيث وصلت نسبة الطلاق فيه إلى أكثر من 60%، ووصفه كثير من الدراسات بالغريب على طبيعة المجتمع وعدم قبوله فى المجتمعات النسائية (للأسف) بالرغم من إقرار الشرع للتعدد بصورة تحل كثير من المشاكل الاجتماعية التى تعانى منها المجتمعات العربية وعلى رأسها مصر، التى بها ملايين العوانس، لكنه كان أكثر استقرارا فى منطقة الخليج، حيث لم تتعد نسبة الطلاق فيه 29% وهى أيضا إحصائية من الخطورة بمكانة، فبالرغم من أن ثقافة التعدد مستقرة ومقبولة بين النساء فى هذه المنطقة، إلا أن ظاهرة الطلاق طالت هذه المجتمعات، وذلك يجعلنا نؤكد على أن التعدد بالشروط التى أقرتها شريعتنا الإسلامية الغراء ضمن لنا استقرار هذه الزيجات، ولكن كان كثير من حالات الطلاق لأثرياء تزوجوا من أجل قضاء الوطر بصورة حلال كما صوروا لأنفسهم، ولكن عليهم أن يعلموا أن الزواج بهذه الصورة ما هو إلا درب من دروب زواج المتعة المحرم بالكتاب والسنة. كما كان من أسباب ارتفاع نسبة الطلاق فى المنطقة العربية أيضا تطبيق قانون الخلع فى بعض الدول كمصر، والتى وصل بها عدد المطلقات بالخلع خلال 3 سنوات 5 آلاف حالة، وذلك حسب إحصائيات وزارة العدل المصرية، وأن المزعج فيها أن نصفها لزيجات حديثة.

وبالطبع لابد أن نعترف جميعا أن الطلاق فى بعض الأحيان يكون حلا مناسبا لبعض المشاكل التى نصفها بالمزمنة فى علاقات الأزواج، وهنا تكمن حكمة تشريع هذا الحل الذى وصفه نبينا صلى الله علية وسلم بأنه أبغض الحلال عند الله، ولكن لابد أن يكون آخر الحلول، فهو كالكى المؤلم الذى لا نلجأ له إلا بعد نفاذ كل وسائل الإنقاذ للحياة الزوجية. وفى النهاية، لابد أن تتكاتف جهود مؤسسات المجتمع المدنى والعلماء والباحثين فى دراسات الأسرة، حتى نتخلص من هذه القضية التى أطاحت باستقرار الأسرة العربية، وتحولت من كونها ظاهرة إلى سلوك عربى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة