أعلم أن أغلبية شعب مصر يعشقون النادى الأهلى ويجدون فى انتصاراته متنفساً لهم، فى ظل ظروف مصرية صعبة لا يوجد فيها إلا ما يغم النفس، ولأننى أعلم ذلك لا أحب تناول النادى الأهلى بالنقد، حتى لا استفز أو أجرح مشاعر جماهير مصر الأهلاوية، ولهذا أود أن أسجل اعترافى أولاً، بأننى من المؤمنين بأن المرحوم صالح سليم من أعظم الرجال الذين أنجبتهم مصر، من ناحية الشخصية ومن ناحية الفكر الإدارى الفذ الذى تفتقر مصر إليه، اعترف أيضاً بأننى من عشاق الكابتن محمود الخطيب لدرجة أننى أحفظ تفاصيل معظم أهدافه الجميلة، سواء التى سجلها وهو يرتدى شعار الأهلى أو وهو يرتدى شعار المنتخب.
أما الكابتن طاهر أبوزيد فهو الصديق الجميل الذى أفخر بمعرفتى به كلاعب فذ، ترك بصمة فى الأهلى والمنتخب أو بإنسان تقى صالح صادق لا يخشى فى الحق لومة لائم. هذا هو الأهلى الذى أحترمه، رغم أننى مشجع عاشق للإسماعيلى منذ تفتحت عيناى على الدنيا، فهل يجب أن أكره الأهلى أو الزمالك لمجرد أننى أحب الإسماعيلى؟ مستحيل لأى عاشق حقيقى للرياضة أن يكره المنافسين، لأن اللعبة أساساً لن تتم إلا بالمنافسة.
أسوق هذه المقدمة الطويلة نسبياً حتى تستقبل كلماتى، كما أريد لها وليس كما يفسرها غلاة المتعصبين الذين سيرون منى طالما لا أشجع الأهلى فأنا أكرهه.. وكان يمكن تجاهل هؤلاء لولا أن عددهم أكبر من أن يتم تجاهلهم، ولولا أنهم لسوء الحظ يديرون النادى الأهلى الآن. وكان أجمل ما فى النادى الأهلى زمان مجلس إدارته، كما نراقب عن كثب ما يصدر عن ذلك المجلس، وكيف يتم توزيع الأدوار على أعضائه كل حسب تخصصه؟ وكيف يحافظ هؤلاء الأعضاء على سرية ما دار فى غرفة الاجتماعات الفعلية؟ فنتمنى أن تسير أندية مصر جميعها على النهج، ولكن هيهات كلنا نترقب تلك الاجتماعات التى تتم فى مواعيد محددة، حتى وإن كان رئيس المجلس خارج البلاد، فالأهلى لم يكن فرداً بل "System" وجدول أعمال وأجندة مستقبلية. وكنا نتابع التريث فى اتخاذ القرارات ومحاسبة المدربين فى نهاية الموسم، ونقارن هذا المسلسل بما تفعله الأندية الأخرى التى نشجعها، والتى لا تتورع مجالس إدارتها عن تغيير الأجهزة الفنية عدة مرات أثناء الموسم.
وطالما قلت لنفسى لم يعد ثابتاً قوياً فى مصر سوى ثلاثة كيانات لا أكثر: القوات المسلحة والقضاء والنادى الأهلى، بل أننى قلت فى أحد البرامج الرياضية التليفزيونية إن مصر ستحمل مشاكلها لو اتبعت نهج النادى الأهلى فى الإدارة. لكنها نظرية الأوانى المستطرقة اللعينة، التى صبغت المجتمع المصرى كله بالتقزم والضآلة تطال النادى الأهلى الكيان الرياضى الاجتماعى الأعظم، الذى كان يقدم لمصر أبطالاً فى كافة الألعاب، بدأوا ناشئين بين ملاعب النادى حتى أصبحوا نجوماً يشار إليهم بالبنان. وكان الأهلى زمان يمتلك إدارة للكشافين يتزعمها خالد الذكر عبده البقال.. يجوبون قرى ونجوع مصر بحثاً عن الأطفال الموهوبين، ليخضعوا لإعادة تربية وتأهيل ورعاية صحية قبل أن يصبحوا نجوماً لمنتخب مصر الآن.
الأهلى لديه إدارة تسمى التسويق يتزعمها المهندس عادل القيعى كل وظيفتها إغراء نجوم الأندية الأخرى بأموال، لا يستطيع هؤلاء اللاعبون كتابتها أو عدها، استغللت إدارة التسويق أننا نعيش عصر الانتماء، عصر المادة، عصر الاحتراف المزعوم، فأغرت كل نجوم الأندية الأخرى النابغين ولعبت فى رؤوسهم ورفعت بالتالى أسعارهم بصورة لا يقبلها منطق، حيث لا يوجد لاعب مصرى واحد يستحق مليون جنيه فى الموسم، ولا تتوافق مع واقع اقتصادى لبلد يعيش أكثر من 80% من سكانه تحت خط الفقر، وحين تسأل عدلى القيعى عن ذلك يقول لك ببساطة وبراءة إنه عصر الاحتراف، ومن حق النادى الذى يمتلك المال أن يشترى اللاعبين الذين يحافظون له على البطولة، فهل تستطيع بعد ذلك أن تسأله: وما معنى البطولة وأنت تلعب أمام أندية تم تفريغها من أفضل لاعبيها؟ ما معنى أن أكون "الألفة" على فصل يضم 15تلميذاً بليداً محدود الإمكانيات؟ طبعاً لن تسأله ذلك لأن المنطق الذى اتبعه فى إجابته على السؤال الأول لا يمت إلى المنطق بصلة، فنحن فى مصر لا نعرف ولم نجرب حتى الآن ما يسمى بالاحتراف، ولن أخوض فيما خاض فيه الكثيرون بتفسير حقيقة ما يحدث فى مصر تحت اسم الاحتراف، فقط سأذكر أن شرعية إدارة النادى الأهلى بأن تشترى "ولن أقول تخطف" أفضل اللاعبين فى مصر بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، حتى يحتكر النادى بطولة الدورى والكأس وبطولة أفريقيا، ولتذهب بقية الأندية الأخرى التى لا يشجعها رجال أعمال أثرياء إلى الجحيم، ومن فضلك يا من تشجع أحد تلك الأندية المسكينة ألا تتحدث عن علاقة هذا السلوك الاحتكارى بأهل القيم والمبادئ والأخلاق، لأن الاحتراف بمفهوم هذا الزمن لا يعرف قيماً ولا أخلاقا، ولأنهم سيردون عليك بأن كل لاعبى مصر هم الذين يحلمون باللعب طالبين الوصال.
وعلى الرغم من أن إدارة النادى الأهلى شربت من نفس الكأس، حين هرب الحضرى إلى سويسرا إلا أن ذلك جعلهم أكثر إصراراً على الاحتكار وعلى الفوز بحسنى عبدربه، رغم أنه كتب لهم بخط يده اعترافاً صريحاً بأنه لا يريد اللعب للأهلى، وعلى الفوز بهانى سعيد رغم أنه وقع عقداً لنادى الزمالك، وعلى الفوز بحسين على بعد أن كان يقف أمام بوابة الزمالك، وعلى عمر جمال وشريف عبدالفضيل و.... و... وكل ذلك من أجل بطولة دورى كانت ضعيفة وستصبح فى المواسم المقبلة أضعف وأضعف وأضعف، وسوف يفوز بها كالعادة نادى القرن، وليس لأن الأهلى حديد ولكن لأن الكابتن صالح سليم مات .. أرجوكم.. سمعونا الفاتحة على روحه.
آخر كلام
إذا كان من حق أحمد عز احتكار سوق الحديد، فمن حق النادى الأهلى احتكار كل لاعبى وجمهور وبطولات مصر .. جمعاء.. جمعاء. جمعاء.. مع الاعتذار للفنان محيى إسماعيل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة