الحكم بعد المشاهدة ..
هو سبق صحفى بلا جدال ؛ ذلك الذى حققه برنامج "الحياة اليوم " مساء الثلاثاء الماضى ، حين أذاع تسجيلا بالصوت والصورة ، للحادث البشع الذى وقع فى "مستشفى المطرية التعليمى" ،وأدى إلى وفاة أطفال رضع ، كانوا موجودين فى الحضانات ، ماتوا بسبب انقطاع التيار الكهربائى عن المستشفى ، التصوير تم بكاميرا الموبايل ، وأذاع البرنامج فى بداية حلقته أجزاءً منه ، وحسب كلام مقدم البرنامج ، فإن القناة رأت عدم إذاعة التسجيل كاملاً ؛ حيث يتضمن مشاهد قد تؤذى شعور المشاهدين ، والغريب أن يقول مقدما البرنامج إن القناة قررت عرض مقتطفات من التسجيل ؛ لقطع الطريق على أى قناة أخرى قد تقرر إذاعته كاملاً !
.. مبرر غريب ، وغير مقنع ، جاء فى غير موضعه ، فلو أن التسجيل وقع فى يد برنامج آخر لقدمه هو الآخر ، ولربما استطاع تقديم التبرير لإذاعته كاملاً لو أنه أراد ، ليكون ذلك تميزاً له ، فساعتها قد يقال إن المبرر هو بيان مدى وحشية الجريمة فى حق الأطفال أو مدى قسوة الحادث ... إلخ ؛ المؤكد أن "الحياة اليوم" أراد تحقيق السبق ، ولا يمكن توجيه اللوم له إذا أراد ذلك ، لكن الأمر لم يكن ليحتاج إلى تبرير ؛ طالما أن القرار اتخذ بالإذاعة .. وقضى الأمر.
والحقيقة أن التسجيل تضمن فى حد ذاته ، وقائع تدلل على ما حدث وقت انقطاع الكهرباء ، وكأنه تحقيق يذاع بالصوت والصورة ، وقد استطاع خطف أنظار المشاهدين ، حين بدء فترة المنافسة المسائية اليومية ، ليفوز بالضربة القاضية ، وربما أن ما اقترب منه على المستوى نفسه من المنافسة ، التقرير الذى أذاعته حلقة الليلة نفسها من برنامج " 90دقيقة " ، حول حادث تبادل إطلاق النار ، بين رجال الشرطة وتجار مخدرات ، ففى حين أذاعت البرامج الأخرى الخبر وحسب ، انفرد "90 دقيقة " بتقديم تغطية مصورة للمطاردة ، أى أنه وثق الحادث بالصوت والصورة أيضاً . انفرادان هائلان فى الليلة نفسها ، على برنامجين وشاشتين مصريتين مختلفتين ، إن عكس شيئا ؛ فهو التقدم على المستوى المهنى ، ومنح هذه البرامج سمة الخبرية كما يجب عليها أن تكون .
أما عن الحيرة ، ما بين تحقيق السبق ، ومدى أخلاقية إذاعة مشاهد قد تسبب إزعاجاً للمشاهدين ، فهى مسألة جدلية ، تستوعب الكثير من النقاش ، وهى حمالة أوجه ،وإن كان الأمر سينتهى فى أغلب الأحوال ـ إن لم يكن كلها ـ إلى الانحياز للسبق المهنى ، فيما يمكن أن نطلق عليه "الصراع التليفزيونى" اليومى .
المؤسف .. أن ضحية "الصراع " هذه المرة ، لم يكونوا هم المشاهدين الذين تألموا لرؤية محاولات الإنقاذ الفاشلة للأطفال ، وإنما أسرهم التى رأت بعينيها اللحظات الأخيرة الموجعة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة