لماذا لم يشن معارضو السلام حربا سياسية وإعلامية ضد النظام السوري، الذى يدير مفاوضات الآن مع إسرائيل؟، فى حين أنهم ذبحوا الرئيس السادات من أول مفاوضات الكيلو101، مرورا بكامب ديفيد وحتى وفاة الرجل، فقد كان "الخائن الأعظم"، حسبما وصفته صحيفة العربى فى مانشيتها الرئيسى منذ عدة سنوات، فلماذا لا يعتبرون بشار الأسد خائنا مثله لأنه يفاوض وحده العدو؟
وكيف يمكننا أن نصدقهم بعد ذلك، فقد كانوا يصرخون فى وجوهنا بأن النظام السورى (حافظ ومن بعده بشار) المدافع الأخير عن القومية العربية، فى مواجهة العدو الإسرائيلى ومن بعده الأمريكي. وأن أى انتقادات لاستبداده وقمعه للشعب السورى هو خيانة، لأنه يصب فى صالح الأعداء، أى أن هذا النظام ومعه مؤيدوه بنوا شرعيتهم على مواجهة إسرائيل .
كل هذا قد يكون عادياً، فى إطار حرية الرأى وحق كل القوى السياسية فى التعبير عن نفسها، وهو ما يمكن أن ينسحب أيضا على مساندة معظم، إن لم يكن كل، المعارضة المصرية للأنظمة، صدام والقذافى وحافظ ومن بعده بشار ، التى قادت حربا ضارية ضد الرئيس السادات، باعتبارها، أى هذه الأنظمة، تقود حربا مقدسة ضد العدو، وأن التخلى عنها سيؤدى إلى انتصار العدو الإسرائيلى ومن بعده الإمبريالية بقيادة الإدارة الأمريكية.
لكن المفارقة أن الذين ساندوا النظام السورى (حافظ الأسد ومن بعده بشار) لم يبرروا لنا كيف لم يطلق طلقة واحدة ضد "العدو"، بل كان حريصا على ألا يحدث ذلك، وحتى عندما تعتدى إسرائيل على أراضيه يلتزم الصمت تماما.
الأغرب أنهم ساندوا ويساندون حتى الآن النظام السورى فى تدخلاته، أو احتلاله غير المباشر للبنان، بل والدفاع عنه، والسبب أنه يقف ضد العدو الإسرائيلي، فى حين أنه لم يمنع احتلال لبنان أو احتلال الجنوب اللبناني، أو حتى يواجهه. حتى أن كثيرا من اللبنانيين يقولون نكتة هى "أن النظام السورى سيظل يحارب إسرائيل حتى أخر جندى .. لبناني".
والمسألة هنا ليست فى أن تكون ضد السلام مع إسرائيل أو مسانداً له، فكلا الحالتين تخضعان للنقاش ووجهات النظر. ولكن المؤسف فى ازدواجية المعايير، وتغييرها طبقا لمصالح سياسية وغير سياسية، أى أنها وبعبارة أكثر دقة انتهازية فجة، فكيف يمكننا أن نصدق الذين صرخوا فينا بأن النظام السورى وطنى قومى مناضل، وأن الصراع مع إسرائيل"صراع وجود لا حدود"، ورمزهم نظام الأسد يجلس الآن فى العلن، بعد أن جلس فى السر، مع العدو للتفاوض حول الحدود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة