الحكم بعد المشاهدة ..
"مقتبس من الحياة" جملة توحى بأنك على وشك التألم حيال وقائع حدثت بالفعل؛ إلا أنك ستشاهدها فى سياق فنى. هذا التوقع ستكتشف عدم صحته المطلقة، حين تشاهد إعلاناً تليفزيونياً حديثاً تقدمه إحدى شبكات المحمول .. الإعلان لا يمت بصلة لفكرة التحدث فى التليفون المحمول، أو حتى الأرضى، لكن يبدو أنه يأتى فى سياق حملة تدعو للتفاؤل، ربما تكون أحد أساليب الدعاية الجديدة التى ستنتهجها هذه الشركات، انتقالاً من أسلوب التحريض المباشر على الشراء، إلى خلق حالة من "العشرة" مع المشاهد / العميل. وبغض النظر عن النية وراء الإعلان، إلا أن الفكرة نفسها تستحق التوقف عندها: التحريض على التمسك بالحياة .. ومنح الأمل وربما الفرح.
الإعلان يصور سريعاً، قصة فلاح شاب، انتقل تواً من الريف إلى المدينة، حيث يشعر بالغربة، وتسوقه الأقدار ليساعد سيدة فى رعاية نبتتها، ثم يغادر البناية التى تسكن فيها، بعد أن يكون قد حول كل شرفاتها إلى حدائق صغيرة، حينها .. يكتشف أنه يمكن أن يخلق عالمه الخاص أينما ذهب، لينطلق فى المدينة الكبيرة متوائماً معها. السيناريو انتقل بخفة ما بين الحقل الذى يعمل فيه الفلاح، إلى المدينة، حيث استطاع أن يحقق ذاته أيضاً، ولا يشعر المشاهد بتنافر بين النقيضين: الريف والمدينة .. فكلاهما مصرى جداً.
المهم .. أنك فى النهاية ستحصل على جرعة تفاؤل، وابتسامة لا تتوقعها من إعلان تجارى. حينها أيضاً ستكتشف أنه ليس حقاً "أقسى همومنا تفجر السخرية.. وأحلى ضحكة تتوه فى بحر الدموع"، هذا التعبير الجميل ضمن تيترات رائعة "ليالى الحلمية"، والتى انتهت "روتانا زمان" مؤخراً من عرض أجزائها متتالية.. فأحياناً قد تخرج من تلك الهموم طاقة للفرح، تماماً كما صورها الإعلان الذى اهتم بخوف الفلاح المنتقل حديثاً إلى المدينة من الضياع فى شوارعها، لكن بإرادته استطاع التواؤم مع العالم الجديد.
"أسامة أنور عكاشة" نفسه.. مؤلف "ليالى الحلمية"، لم يكن بتلك القسوة ـ المألوفة عنه مؤخراً ـ حين الحديث عن واقع الحياة فى مصر، بل إنه فى لقائه مع "معتز الدمرداش" فى برنامج "90دقيقة"، كان أقل حدة عما عرف عنه فى حواراته فى الفترة الأخيرة، ربما لأن "الدمرداش" تعمد ألا يكون مستفزاً، وكان سعيداً بفرصة إجراء الحوار مع الضيف المتميز، وربما لأن واقعنا قد بدأ بالفعل طريقاً نحو الأفضل..
هذا الجو العام .. طال أيضاً حوار المطرب "محمد منير"، مع الإعلامى "محمود سعد" فى "البيت بيتك"، فى الأسبوع نفسه، حين أعلنها ـ الأول ـ صراحةً، أنه يرى "تامر حسنى" شاباً صادقاً، لأنه يعبر عن قناعات جيله، حتى لو كان ذلك بالتهرب من الجيش. جرأة "منير" تعكس أكثر من رأيه الشخصى: أن هناك من يرى تغييراً ما فى الواقع ـ أياً كان نوعه ـ ولديه القدرة على استيعاب ذلك، ومن ثم التعامل معه، والأكثر: أن هناك شاشة لديها الرحابة لاستيعاب ذلك. مقتبس من الحياة.. وأكثر، ما صرنا نشاهده على شاشة التليفزيون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة