محمد منير

البلد "مستنية "

السبت، 05 أبريل 2008 03:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اعتدت صباح كل يوم أن أتصل بأختى تليفونياً كتعويض تكنولوجى عن انقطاع صلة الرحم بسبب المشاغل اليومية للحياة ... وهى مكالمات غالباً ماتكون بمثابة "تصبيرة هوا" عن هموم كثيرة لا يمكن أن يتصارح بها إلا الأشقاء.
اليوم قالت لى أختى "بكرة العصيان العام للشعب المصرى فى مواجهة الغلاء وسألتنى تفتكر حيحصل إيه ؟.. فأجابتها إجابتى المزمنة "معرفش" وكان ردها "أدينى مستنية لما نشوف حيحصل إيه"، وهنا تذكرت أن مش أختى بس اللى "مستنية" ... البلد كلها "مستنية" ... هذا حال كل من قابلتهم خلال الأيام الأخيرة.
سألنى ضميرى اللعين "إذا كانت البلد كلها مستنية اللى حيحصل ... طيب مين اللى حيعمل اللى مستنياه البلد ؟".
حاولت أن أهرب منه ومن سؤاله، فما من مرة تحاورت مع ضميرى الخبيث إلا وأصابنى ضرر بالغ، ولكنى كالعادة فشلت وارتميت فى أحضان قدرى وتحاورت معه:
البلد طول عمرها "مستنية" الولد، والولد والحمد لله غالباً ما يظهر عندما تتحرج الأمور، والولد كما هو معــروف "بيقش".
عندما كنت أسمع عن الثورة الفرنسية ودروسها وأتعايش مع قصصها الدرامية الرائعة لم أقابل أبداً أى ولد، فقد كانت القصص كلها منصبة حول ثورة وبطولة شعب، أما فى دروس التاريخ المصرى لم أقابل نهائياً الشعب ..فقــــط ما درسته حركة عرابى وثورة سعد زغلول وجهاد مصطفى كامل وأخيراً الثورة الناصرية المباركة.
وطوال حياتى المملة كان الأبطال الأشخاص هم الهدف للبلد حتى أننى حاولت فى فترة مراهقتى "الممتدة حتى الآن" أن أقوم بدور الولد البطل، وبصرف النظر عن نتائج محاولاتى هذه إلا أن من حاولت أن أكون " ولدهم " الأسطورى ما زالوا فى انتظار الولد.
قاد "آدهم الشرقاوى" جيشاً من المتمردين فى حركة عفوية ضد الإقطاع والإنجليز فى مصر .. ولأن الحركة هى ملك ضمير الولد فقط نسى التاريخ كل أفرادها الذين قدموا حياتهم ومصائرهم فداءً لها وتذكروا "الآدهم" وبالغ التاريخ فى تجميل صورته حتى تحول إلى أسطورة شعبية تغنت بها البلد عشرات السنين.
الحقيقة الثابتة أن كل ثورات الولد وتمرداته لم تخلص الشعب المصرى من احتياجه الدائم وانتظاره له فالظلم والقهر والفقر والفساد صفات كانت دائما فى حصن منيع من حركات وتمردات كل الأولاد المصريين، بل إن الاتجاه الجديد وخبرة الألعاب السياسية خلقت نوعاً من التحالف بين هذه الصفات والولد فى صيغة أسماء كثيرة مثل "الحوار المتدمن و نبذ العنف والسلام الاجتماعى"، وهو ما جعلنا نسمع عن زعيم معارض يتفاخر بأن ممثلى الحكومة ألقوا عليه بال "بونبونى" بعد أن طالبهم فى مجلس الشورى بالاستقالة، وهو أيضاً ما حكم علينا أن نعيش لترى حكومة تؤسس الأحزاب المعارضة لها وتتدخل فى اختيار قيادتها وتعينهم فى مجالسها التشريعية، وأيضاً هو ما جعلنا نرى رموز الأولاد من أصحاب الاتجاهات "الثيوقراطية" السماوية يتحالفون مع جلادين الشعب للحصول على بضعة كراسى وثيرة فى التشكيلات الوهمية للنظام وهم فى سبيل ذلك يقدمون كل أنواع الاستعاذة من الشيطان الرجيم ليقيهم الله شر حقد وثورة الجياع.
أشياء كثيرة حدثت، وأشياء كثيرة ستحدث طالما البلد "مستنية" الولد، وطالما الولد مازال "بيقش" وعرف مصلحته فين! الخوف أن يأتى الولد الجديد من خارج البلد، وفى هذه اللحظة لن يكون هناك لا ولد ولا بلد.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة