قال مجدى علام.. هل سمعت مجدى علام.. هل رأيت مجدى علام.. طبعاً تعرف مجدى علام. هكذا كان يقول لى أصدقائى الإيطاليون فى كل مكان أذهب إليه، كان ذلك العام قبل الماضى، وكنت أسألهم بدورى: من هو مجدى علام؟ فيردون بعصبية: "أووه، هل فعلاً لا تعرفه؟ إنه ليس أشهر صحفى مصرى فى إيطاليا فقط، ولكن يمكن القول إنه أشهر صحفى على الإطلاق فى إيطاليا، يتولى موقع نائب رئيس تحرير أهم صحيفة إيطالية هى "كولير دوليسيرا" ليس هذا فقط، بل إنه شخصية فى غاية الأهمية يستشيره وزراء، ورؤساء حكومات، وسياسيون كبار، بل قال لى صديق إيطالى آخر: إن مقابلته أصعب بكثير من مقابلة وزير وحتى رئيس وزراء. فى العشرة أيام التى قضيتها هناك، اكتشفت ما هو أكثر، فالمواطن الإيطالى العادى يعرفه جيداً، ويناقش ما يقوله على طاولة العشاء، ليس فقط على صفحات الصحف والمحطات التليفزيونية، ومجالس المقاهى. فى مهرجان "الميتنج" الذى كنت ذاهباً إلى حضوره حتى ألقى محاضرة مشتركة مع صديقى وائل فاروق، رأيت عدداً كبيراً من الحراس يلتفون حوله بعد تهديدات بمحاولة اغتياله، كما قال لى فيما بعد، وسمعت بأذنى مواطنين عاديين يقولون "مجدى وصل.. مجدى وصل"، ويحاولون التقرب منه والسلام عليه. بالطبع كنت أشعر بالفخر لأن هناك مصرياً يحتل كل هذه المكانة فى بلد أوروبى عريق مثل إيطاليا، وهى فى الحقيقة مكانة تقترب أو تشابه مكانة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى مصر.. ولكن كيف لا نعرف عنه شيئاً، هنا؟ هل تريد مقابلة مجدى علام، سألنى صديقى استيفانو البرتو رئيس مهرجان الميتنج، أو كما يطلقون عليه Dom.peno، رددت مرحباً جاء مجدى علام، رجل نحيف، ويبدو عليه إجهاد عميق، تحيطه بالفعل هالة من الاحترام والتوقير، سلم على أنا وصديقى وائل بحرارة، وقال: قد صنعتما معجزة. كان يعلق على المحاضرة التى ألقيناها توا فى المهرجان والتى لاقت حفاوة كبيرة وحضرها حوالى 3 آلاف، وأضاف: قال لى بعض من حضروا إنكم أعطيتموهم الأمل. كان رأيى الذى قلته له إننا لم نقل جديداً، أنا شخصياً قلت الكلام الذى نردده على المقاهى فى مصر، ويؤمن به قطاع كبير من المصريين. نظر إلى مندهشا، فأكدت له أن هذا ليس من باب التواضع الكاذب، ولكن المشكلة هى أنهم هنا فى إيطاليا لا يعرفون سوى المتطرفين والحكام المستبدين، ولم يسمعوا صوتاً ثالثاً ليس من بين هؤلاء أو هؤلاء، إنهم القطاع الأكبر من المصريين. انزلق الكلام إلى رأيه الحاد والحاسم فى أن الصراع فى العالم الآن بين قوى التقدم، وقوى التخلف وفى رأيه أن قوى التخلف هى الإرهاب "الإسلامى" ومعه أنظمة ديكتاتورية حان الوقت كما قال أن تتوقف أوروبا والغرب عن دعمها. على هذه الأرضية فهو ضد حماس مثلاً، ويراها منظمة إرهابية، ويرى إسرائيل دولة ديمقراطية متقدمة، بل ويجب أن تتحالف معها قوى التقدم فى العالم العربى، ومن هنا كان طبيعيا أن يؤلف كتاب"تعيش إسرائيل" ويحصل على جوائز من هناك. شعرت أنه لا يعرف مصر، وسألته، لماذا لا تكتب فى صحيفة مصرية؟ لم أحصل على إجابة محددة، رغم أننى عرضت عليه إمكانية أن أفعل ذلك رغم اختلافى معه، وكنت ومازلت أراه صوتاً مختلفاً ومهما، ناهيك عن أن لديه خبرات وموقعاً مؤثراً فى أوروبا والغرب، فلماذا لا يكون هناك تواصل وتفاعل فى فترة لاحقة أثناء تصريحات بابا الفاتيكان التى أثارت كثيراً من الغضب، هاتفته لمعرفة رأيه، كان متعاطفا جداً مع البابا، ويرى أن ما كتب عنه فى مصر ليس نقاشا، ولكن عنصرية، فكيف يتم رسم البابا على غلاف بعض المجلات بهذه الطريقة الهمجية، كررت عليه عرض الكتابة فى مصر، لكنه رفض بحسم، مؤكداً أنه لا يليق به أن يكتب فى صحافة معظمها، إن لم تكن كلها، عنصرية.
مجدى صعد نجمه حسبما قال لى أصدقاء إيطاليون بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد كان هناك ومازال هلع ورعب، وعدم فهم، واكتشف الغربيون أنهم لا يعرفون شيئاً عن هذه المنطقة من العالم، المنطقة التى تصدر لهم إرهاباً ولا يفهمون لماذا؟ كان مجدى أحد أهم الذين قدموا إجابات، ليست إجابات سطحية لكنها عميقة، لكن مشكلتها أنها تنطلق من أرضيتهم هناك، أرضية من لا يعرفون شيئاً عنا، ومن هنا سطع نجمه حتى وصل إلى مكانة رفيعة، وتدريجياً أصبح هو متطرفاً فى آرائه وأفكاره، وهذا أزعج بعض الإيطاليين، ومنهم من قال لى إنه لا ينطلق من أرضية التعايش مع المسلمين، ولا يريد أن يعرفهم ويفهمهم.
وحسبما قال لى دون امبروجو مسئول العلاقات الدولية فى حركة مشاركة وتحرر، أكبر حركة كاثوليكية ثقافية فى الغرب، أنه يؤمن بأن العداء بين الإسلام والمسيحية خرافة صنعها أصحاب مصالح سياسية، فلا يوجد عداء بين الأديان، فكلها فى النهاية توصل لهدف واحد هو الله.
ورأى دون أمبروجو لم يكن استثناء، فقد سمعت ذات الرأى من أساتذة جامعات ورهبان، ومهندسين ومواطنين عاديين، وعالج مجدى التطرف بتطرف نقيض، وتناسى حقائق أساسية منها، أن التطرف موجود فى كل الأديان والعقائد، بل فى كل الايديولوجيات، كما تناسى أن مصر ليست فقط الإخوان والنظام الحاكم. والآن أسأل نفسى.. هل تحوله الدراماتيكى إلى المسيحية بكل هذا الصخب هو مزيد من التطرف؟ لا أعرف، فمن حق أى مواطن فى أى مكان فى العالم أن يغير دينه، أما النوايا فلا يعلمها إلا الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة