ياسر أيوب

فى وطنى.. التفكير لا يزال فريضة غائبة

الخميس، 18 ديسمبر 2008 06:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
1- القاهره تحولت من عاصمة إلى لغز يبحث عن حل
لست سعيدا على الإطلاق بالمخطط الإستراتيجى الذى وضعته الهيئة العامة للتخطيط العمرانى فى وزارة الإسكان بشأن القاهرة فى عام 2050.. ولم أقتنع أبدا بهذه الثقة التى تحدث بها كل من المهندس أحمد المغربى وزير الإسكان واللواء عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية عن شكل القاهرة وفقا لهذا المخطط.. ولا استطعت مطلقا مسايرة الدكتور مصطفى المدبولى فى رؤيته وتفاؤله وهو يحاول إقناع الجميع بأن القاهرة.. وفقا لهذا التخطيط.. ستصبح عاصمة عالمية للتجارة والمال وستملك ناطحات سحاب مشابهة للموجودة فى الولايات المتحدة ودبى وستضم خمسة عشر خطا لمترو الأنفاق وطرقا جديدة وكبارى متعددة الطوابق وأوتوبيسات متعددة العربات ستجعل القاهرة قطعة من أوروبا.

وبصرف النظر عن هذه السذاجة فى التصور والطرح والفكر.. وتوهم أن ناطحات السحاب والعمارات العالية هى الفارق بين مصر وأمريكا.. أو تخيل أن الأوتوبيسات متعددة العربات هى ما ينقص القاهرة لتصبح جزءا من أوروبا.. وحساب السنين التى احتجنا إليها لننشئ خطين لمترو الأنفاق فنعرف أننا لن نملك فى 2050 خمسة عشر خطا جديدا وهو ما يعنى إما كذب من يتكلم أو غفلة من يسمع.. ومع احترامى الحقيقى لنوايا الذين طالبوا بوضع هذا التخطيط والذين أشرفوا عليه ووضعوا فيه الكتابات بجوار الرسومات وخلطوا بالعمد أو الغفلة بين الأحلام والأوهام.. إلا أننى شعرت أن مجرد الإعلان عن هذا التخطيط والاستعداد للاحتفال به فى شهر مارس المقبل.. لابد وأن يكون نهاية كل هذا العبث..

وكل هذا السخف بشأن الحديث عن القاهرة سواء من ناحية تطويرها وتغييرها وترميمها أو من ناحية استبدالها بعاصمة جديدة.. وهو سخف لم تصنعه الحكومة وحدها.. وإنما تقاسم شرف صناعته وصياغته الكثيرون سواء كانوا فى اللجنة التى بلا سياسات أو من هواة السياسة دون لجان.. حتى بلغ الأمر ببعضنا أن رأينا الذى تتعطل سيارته فى زحام المحور أو الدائرى يبدأ التفكير الجدى فى حاجة مصر إلى عاصمة جديدة ويكتب ويدعو لذلك.. أو نجد وزراء وخبراء يجتمعون وينفقون المال والوقت والورق والكهرباء لوضع تصور للقاهرة بعد أربعين عاما وقد فاتهم أنه يصعب جدا توقع أى شىء فى بلادنا لمدة أربعة أشهر.

وليست هذه هى القضية.. فأنا لا أريد مسايرة أولئك الذين يكذبون ويصبحون هم أنفسهم أول من يقتنع بأكاذيبهم وأول من يصبحون ضحاياها أيضا.. لن أكون مثل هؤلاء وأعترف بالمحافظات القديمة والجديدة وستبقى القاهرة على الورق أمامى.. وفى الواقع أيضا.. هى القاهرة.. مدينة واحدة وعاصمة واحدة لمصر.. من 6 أكتوبر حتى التجمع الخامس ومن التبين حتى شبرا الخيمة ومن القناطر حتى الرحاب والشروق.. وأظن أن أى حديث عن القاهرة وحاضرها ومستقبلها لابد أن يبدأ بهذه النقطة وبهذا الاعتراف.. أظن أيضا أننا لابد أن ننتبه أخيرا لما نستخدمه من مفردات فى لغة الحوار سواء كنا نكذب أو نحلم أو حتى نفكر.. فالناس العاديون نادرا ما تأتى القاهرة على لسانهم فى حديثهم اليومى المعتاد.. وإنما هى مصر.. رايح مصر.. راجع مصر.. عايش فى مصر.. طريق مصر إسكندرية.. وهو أمر بالتأكيد لم يأت اعتباطا أو مصادفة.. وإنما هو دليل على أنه لا حياة فى مصر إلا فى القاهرة.. ولا بشر فى مصر إلا أهل القاهرة.. ولا سياسة أو اقتصاد أو صناعة أو ترفيه أو إعلام أو سينما أو ثقافة أو تعليم أو رياضة إلا فى القاهرة.

وحين تزدحم القاهرة بما فيها ومن فيها.. لا تجد أحدا أبدا يفكر فى مدينة جديدة.. وإنما كل الناس يفكرون فى عاصمة جديدة.. أى أنه من المستحيل أن نتصور مدينة كبيرة ومهمة ولا تصبح فى نفس الوقت هى العاصمة.

فقد كان المنطق يقتضى أن تكون هناك فى مصر اليوم أكثر من مدينة كبرى.. خاصة أن مصر لم تكن مثل كثير من الدول الأخرى التى اختارت منذ البداية إحدى المدن عاصمة لها.. وإنما كانت مصر طول الوقت حائرة لا تستقر على مدينة واحدة تتخذ منها عاصمة لها وتغلق مثل هذا الملف نهائيا وإلى الأبد.. فعلى مدى خمسة آلاف عام من عمر مصر.. وكما أشار الدكتور فتحى محمد مصيلحى فى دراسته الرائعة عن تطور العاصمة المصرية.. تغيرت العاصمة المصرية خمساً وعشرين مرة.. أى أن المصريين كانوا يختارون عاصمة جديدة لبلادهم بمعدل عاصمة كل مائتى وأربعين عاما.

وبالتالى.. فنحن لسنا مطالبين الآن بالبحث عن عاصمة جديدة.. ولسنا مطالبين بوضع تخطيط للقاهرة سنة 2050.. لأن أى حلول ستبقى حبرا على ورق أو سخفا نحشو به ملفات رسمية إن لم تتغير أفكارنا أولا وقناعاتنا بأننا لابد أن نخلق حياة حقيقية فى أكثر من مدينة مصرية.. وبدلا من أن ننقل العاصمة.. ننقل الحياة.. فما المانع أن نختار مدينة على شاطئ البحر الأحمر، ونجعلها عاصمة للسينما المصرية.. وما المانع أن نجعل من مطروح مثلا عاصمة لصناعة البرمجيات.. وما المانع من أن نجعل من شرم الشيخ هى المدينة الحرة المنافسة لدبى التى توشك على الانهيار.

أم أننا سنبقى على نفس قناعتنا القديمة بأن لا حياة ولا وطن ولا مستقبل.. إلا فى القاهرة حتى لو تطلب الأمر أن تموت مصر كلها.. لتبقى القاهرة.

2- سيناء.. فقر وأكاذيب وأشياء أخرى مزعجة
لن أحيلك إلى مدرس ابتدائى مضطر لتصحيح موضوع إنشاء سأكتبه الآن كتلميذ كسول أؤكد فيه أن سيناء جزء من مصر، وأنها بوابة مصر الشرقية.. لن أقول لك إن سيناء هى التى انكسرنا فوقها فى 1967 وهى التى دفعنا الدم فى 1973 لاستردادها.. لن أغنى لها كما غنى عبد الحليم حافظ صارخا صباح الخير يا سينا، ولن أتمايل مثل شادية وأهتف سينا رجعت كاملة لينا.. فقد اكتشفت أن كل ذلك ليس مهما ولا ضروريا.. بعدما فوجئت بأن سيناء كلها مشغولة ومهمومة بالقضاء على عمرو أديب.. أفتح الصحف كل صباح فأجد تأكيدات جديدة بإقامة دعاوى قضائية جديدة على عمرو أديب لأنه أهان أهل سيناء فى برنامجه اليومى على قناة الأوربت.. نواب فى مجلس الشعب يجتمعون.. ومسئولون فى المجالس المحلية ينتفضون غضبا.. وصحافة تتابع هذا السيرك سواء من باب الترفيه عن القراء أو لتصفية حسابات أخرى.. وسرعان ما ستمضى الأيام..

وسنجد عضوا بمجلس الشعب على شاشة أوربت.. ومصالحة تاريخية بين عمرو أديب وبين أهل سيناء.. ونغلق هذا الملف ونروح نبحث عن ملفات أخرى.. ولكننى هذه المرة لن أنفض يدى من كل ذلك.. لن أخشى التهديدات بالملاحقة القضائية ولا الحروب الإعلامية.. وسأقف هنا والآن.. أهاجم وأغضب وأسخر وألعن وأقذف بطوب الكلمات وحجارتها كل عضو بمجلس الشعب أو الشورى عن سيناء.. كل عضو بالمجالس المحلية هناك.. كل مسئول تنفيذى أو شعبى فى سيناء.. أولئك المتحذلقون الكاذبون والمزيفون.. الذين أغضبهم إلى هذا الحد كلمات قالها عمرو أديب على شاشة إحدى الفضائيات.. ولم تغضبهم ولو مرة واحدة مظاهر الفقر وقسوة الحرمان التى يعيشها الناس فى سيناء ومدنها كل نهار وكل ليلة طويلة ومؤلمة.. ولا أريد أن أتوقف أمام كل الخدمات الرئيسية والحياتية الغائبة..

مياه وكهرباء ومواصلات وتعليم وعلاج.. ولن أتوقف أيضا أمام تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة الذى أكد أن منطقة وسط سيناء هى البقعة الأفقر فى العالم.. تخيلوا.. ورغم ذلك لم ينزعج أى من هؤلاء النواب أو السادة المسئولين. وقد كان من الممكن أن أصدق كل هؤلاء لو أن واحدا منهم وقف فى الماضى يتحدث أمام الرئيس مبارك أو تحت قبة البرلمان ويعارض كل التصريحات والإعلانات التى تشير إلى الفقر فى الصعيد لأن سيناء أشد فقرا وتخلفا وحرمانا من الصعيد.. ورغم ذلك فالكل يتظاهر حتى ولو كذبا بالحديث عن الصعيد والالتفات له والاهتمام به.. بينما لا أحد يتكلم عن سيناء.. وصحافة مصر التى تنشر التقارير الإخبارية المترجمة عن الفقر فى غابات أفريقيا أو حقول آسيا.. فات عليها أن تنتبه إلى أنها صحافة بلد تضم بين جوانجها المنطقة الأفقر فى العالم..

والمشكلة ليست فى الفقر.. وإنما هى فى كل هذه البلادة التى نتعامل بها نحن فى القاهرة مع كل هذا الفقر هناك.. حكومة أعلنت فى عام 2004 عن مشروع تنمية سيناء والذى سينتهى فى 2017.. على طريقة تنمية القاهرة فى 2050.. وها نحن الآن فى نهاية 2008 ولم يحدث أى شىء على أرض الواقع بعد.. لم يمتد خط المياه ولم تتأسس الجامعة الحكومية ولم تصل الكهرباء ولا ترعة السلام ولم تبن مصانع الزجاج والرخام والأسمنت.. بل ولم يذهب أى وزير إلى هناك من كل هؤلاء الوزراء الذين يحرصون على السفر كل عيد إلى شرم الشيخ فى سيناء أيضا لأداء صلاة العيد مع الرئيس.

3- الحكومة تطرد سكان العشوائيات.. والموظفون الفاسدون يحصلون على شققهم البديلة
الحياة تتغير.. ومع توالى أيامها تتغير التفاصيل والملامح وحتى مفردات اللغة وما تشير إليه من معانٍ واحتياجات ومشاعر.. وقديما كان الجوع هو قمة قسوة الحياة فى مصر.. ولهذا كنا نطمئن بعضنا البعض مؤكدين أنه مهما جرى فى مصر.. ما حدش بينام من غير عشا.. أما الآن فلم تعد هذه العبارة تعنى شيئا.. فقد تم استبدالها بعبارة أخرى.. ما حدش بيعيش من غير بيت.. فالذين لايجدون طعاما للعشاء فى مصر اليوم.. أقل كثيرا من المهددين بالعيش دون سقف وباب.. فالناس فى إمبابة باتوا يحسون أنهم قريبا جدا سيصبحون ضحية لمؤامرة كبرى تخرجهم من بيوتهم وتلقى بهم فى العراء.. والناس فى الدويقة وإسطبل عنتر وعزبة خيرالله باتوا متأكدين أنهم قريبا جدا سيفقدون بيوتهم.. وفى بولاق الدكرور وما حولها لم يعد واضحا من الذى سيبقى مالكا لبيت ولحياة وراء باب مغلق ومن الذى سيفقد كل شىء.. وسكان المدابغ ومجرى العيون وبدر.. وفى الجربى فى رأس البر فوجئ الناس بالمحافظ الحالى لدمياط يريد طردهم من بيوتهم بعد أن امتلكوها بقرارات من المحافظ السابق.. وفى المنيا وأسيوط وقنا.. فى الإسكندرية والدقهلية.. ملايين من الناس أصبحوا فاقدى الشعور بالأمان والاستقرار.

والسؤال الملح الذى يفرض نفسه هنا هو: لماذا كل ذلك؟.. وأعرف أن الإجابة الحكومية سابقة التجهيز ستكون هى.. التطوير والتنسيق والقضاء على العشوائيات.. وهى كلمات لا يمكن أن يرفضها أحد. كل ذلك بديهى وطبيعى ومنطقى جدا.. ولكن من المنطقى أيضا أن أى قرار مصيرى مثل تلك القرارات الخاصة ببيوت الناس ومصائرهم وحياتهم.. لابد أن تسبقها دراسات اجتماعية وإنسانية.. ولابد أن تغدو الصورة واضحة للجميع بشأن هذا التطوير ودواعيه والأسباب التى فرضته وفى مثل هذا التوقيت.. فالواقع يؤكد أنه فى كل مرة قامت الحكومة ممثلة فى ذراعها الأمنى بطرد الناس من بيوتهم.. سرعان ما يكتشف هؤلاء الناس أن كل وعود الحكومة قبل الطرد لم تتحقق..

وأن الشقق والبيوت البديلة لم تكن لهم، وإنما للسماسرة وللفاسدين الصغار فى الحى والمدينة والمجالس التشريعية والتنفيذية.. والواقع يؤكد أنه فى معظم الأحوال لم يكن التطوير هو الغاية وإنما هو الحصول على الأرض وهدم بيوت الفقراء وتجميل المكان ليصبح جاهزا لاستقبال الأغنياء فلا هؤلاء الناس فى كل مرة.. ولا نحن أيضا بالتأكيد.. وجدنا مسئولا واحدا تمت محاسبته لأنه سكت.. ووافق.. وأهمل.. وقصر.. أو ارتشى وقبض.. من أجل أن يسمح بالخروج على القانون والنظام من أجل بيت يتم بناؤه بسرعة وفى الظلام.. وسرعان ما يصبح بيتين ثم ثلاثة.. ويمتد شارع صغير ضيق وعلى الناحية الأخرى تقوم بيوت مواجهة ومماثلة.. وبالتدريج يصبح البيت حيا عشوائيا متكاملا ينمو ويكبر كل يوم.. ولو كانت الحكومة لا تعرف حتى الآن من الذى تبغى محاسبته على أكثر من ألف منطقة عشوائية.. فبإمكانى أنا وغيرى معاونتها وتقديم أكثر من دراسة لها تشرح وتحكى كيف تولد وتنمو العشوائيات فى مصر.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة