جاء حكم المحكمة فى قضية نهى رشدى ليعيد الأمور لنصابها ويكون بداية لعودة الانضباط للمجتمع المصرى، فكلنا يعلم أن التحرش الجنسى، طغيان المادة، الغرق فى وحل الشهوة، الخيانة الزوجية، المتعة الحرام، كلها أوجه متعددة لجريمة واحدة وهى الانحلال الأخلاقى، فقد أصبح المجتمع المصرى، يعانى من حالة انفلات أخلاقى، وتغييب كامل لمنظومة القيم، التى وقفت حارسا أمينا لمجتمعاتنا الإسلامية والعربية، على مدار قرون عديدة، لكن مع تنامى التيار المادى وطغيان إعصار الإباحية الذى اجتاح وسائلنا الإعلامية، المقروءة والمسموعة والمرئية، كان من الطبيعى أن يقع ثلثا رجال مصر فى جريمة التحرش الجنسى، وأن تتعرض أكثر من 83% من نسائنا لخدش حيائهن بدرجات مختلفة وهذه الإحصائيات ليست من عندى، لكنها خلاصة دراسة أجراها المركز المصرى لحقوق المرأة، وأطلق عليها اسم "غيوم فى سماء مصر"، وشملت عينة من ألفى رجل وامرأة مصريين و109 سيدات أجنبيات، كما أثبتت هذه الدراسة أن نسبة الرجال الذين اعترفوا بارتكابهم التحرش الجنسى 62%، بينما بلغت نسبة النساء اللواتى قلن إنهن تعرضن لهذه الممارسات 83% نصفهن قلن إن ذلك يحدث يوميا، ولم تزد نسبة النساء اللواتى قمن بتبليغ الشرطة عن 2.4%، وذلك لأنهن لا يرين جدوى فى ذلك.
ومن هنا لابد أن نحدد أسباب هذه الظاهرة ومنها:
◄الإباحية التى تجتاح وسائل الإعلام مثل القنوات الغنائية والكليبات التى تخصصت فى إثارة الغرائز، لدرجة جعلت شبابنا لا يفكر إلا فى كيفية إشباع شهوته الجنسية المكبوتة، وكم الأفلام الذى أصبح يعتمد اعتمادا كليا على اللقطات الساخنة داخل غرف النوم، ويكفينا أن هناك مخرجات تفتخرن بأنهن ملكات أفلام الجنس والإغراء، بل إن هناك أصحاب بعض القنوات الفضائية كالملياردير الشهير الذى خرج علينا ليؤكد لنا أنه لن يمنع ظهور اللقطات الساخنة على فضائيته حتى ولو كان زنا صريحا، بل نجد مما زاد هذه الظاهرة توحشا ما تقوم به بعض الصحف من نشر صور شبه عارية، أصبح المراهقون يتناقلونها بينهم بصورة مخيفة، وذلك بخلاف ما تحتويه الشبكة العنكبوتية الإنترنت من كم جنسى ضخم أطاح بحياء وأخلاق شبابنا.
◄ومن أسباب هذه الظاهرة أيضا ما ترتديه الفتيات من ملابس مثيرة وشفافة تثير الغرائز.
◄ضعف دور الأسرة فى تعميق منظومة الأخلاق والقيم وعدم مراقبتها لسلوكيات أبنائها والاكتفاء بتسمين البدن لا بتهذيب الأخلاق.
◄الضغوط المستمرة من قبل النظام والأمن على كل ما هو إسلامى وإظهار المتدين فى ثوب الإرهابى أو المتطرف، مما دفع الشباب إلى الفرار من التدين خوفاً على أنفسهم من دخول دائرة الاشتباه الأمنى.
◄عدم قيام المؤسسات التعليمية بدورها فى غرس القيم والأخلاق فى نفوس الطلاب، بل نجد أن المدارس تحولت إلى ساحات للانحراف الأخلاقى والمعاكسات بل وتعاطى المخدرات.
◄الدعوات الدائمة بالتغريب والتحرر من القيم والهوية والثوابت والانسياق الكامل فى ركب الغرب والتشبه بهم فى القيم والأخلاق والسلوكيات، فى حين تغافل أصحاب هذه الدعوات عن الاستفادة بعلوم الغرب وتقدمها، وكأنهم عمدوا نقل الفاسد لنا وتركوا ما بحضارة الغرب من تقنية وتقدم.
◄التراخى الأمنى فى التعامل مع الظاهرة وضعف العقوبات القانونية لمرتكبى هذه الجريمة.
رؤية إسلامية للحل
ولكن يبقى السؤال، ما هو الحل لهذه الظاهرة التى أطاحت بحياء المجتمع وكشفت عوراته؟
والإجابة تكمن فى الدين والتدين المعتدل البعيد كل البعد عن الغلو أو التطرف، فظاهرة التحرش الجنسى ما هى إلا ثمرة لطغيان المادة على الروح والضعف الإيمانى والبعد عن قيم الدين وأخلاقياته، فمن خلال التدين يحدث التوازن النسبى بين المادة والروح داخل الإنسان، ومن خلال ارتفاع إيمانيات الشباب تعزز القيم الروحية والأخلاقية، فها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يضع روشتة علاج فعاله للشباب لترشيد الشهوة وتهذيبها، وذلك بقوله "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة (القدرة المالية) فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، والصوم هنا للترفع عن الشهوات وعلو الروحانيات حتى يتيسر لهم أمر الزواج.
وانظروا لموقف النبى من الذى جاء يطلب منه أن يحل له الزنا، فقال له النبى هل ترضاه لأمك أو زوجتك أو أختك أو ابنتك، فاستنكر الرجل ذلك ورفضه، فأكد له النبى صلى الله عليه وسلم أن النساء كمثل نسائه لا يرضى لهن ذويهن بالزنا، فقام الرجل كارها لأمر الزنا بعد دعاء النبى الكريم له.
لذا إذا تمكن الإيمان من القلوب سنجد شبابنا يغض البصر ويرتفع بروحانياته على شهواته ويستشعر بمراقبة الله له، كما لم يغفل الإسلام عن تأديب من خان ضميره ودينه ووضع حد الحرابة للمفسدين فى الأرض ومن يحاولون ترويع الآمنين أو الاعتداء على الأعراض، سواء بالاغتصاب أو التحرش وجاءت العقوبة إما بالسجن أو النفى أو القتل إذا كان الأمر مستفحلا مهددا لأمن المجتمع.
التحرش الجنسى أو الاغتصاب، ظاهرتان غريبتان على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، غرسهما الشيطان وأعوانه فى نفوس ضعاف الإيمان، وإذا أردنا أن نتخلص من هذا الانحلال الأخلاقى فعلينا بالعودة للنبع الصافى الكتاب والسنة اللذين أصلحا أسلافنا وجعلاهم فى أعلى عليين فى جانب الروحانيات وعلى قمة العلوم الدنيوية، وكفانا لهثا وراء الماديات التى ما جنينا منها إلا الشهوانية وتدنى الأخلاق والتخلف العلمى الذى جعلنا فى ذيل الأمم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة