في داخل كل إنسان لحظة ينتظرها، لحظة يقول فيها: “أنا هنا”. لحظة يقرر فيها أن الخوف لن يُقيّده، وأن التحديات لن توقفه، وأنه مهما حاول الآخرون أن يُضعفوه أو يقللوا من شأنه، سيبقى ثابتًا على أرضه، متمسكًا بأصله، رافعًا رأسه.
الخوف شعور طبيعي، لكن أن تستسلم له هو الهزيمة الحقيقية. أما أن تواجهه وتقول: “لو كله خاف، أنا مش هخاف”، فهذا هو الاكتشاف الذي يصنع الفرق بين العابرين وصنّاع الأثر.
وعند حد الفشل لهم، نكتشف أن الفروق هي التي تصنع الائتلاف، وأن الاختلاف هو السبيل للوصول إلى أعلى الدرجات، لكن بشرط أن يكون الاختلاف شريفًا وبنّاءً. فليس كل اختلاف معركة، بل قد يكون بابًا لفهم أوسع، أو جسرًا نحو فكرة أعمق.
نعم، هناك من اختار أن يعيش داخل برواز المصلحة، لا يرى إلا ما يحقق له منفعة عابرة، وجوده مرهون بضعفه، وصوته مجرد صدى لغيره. لكن حتى هؤلاء، يمكن أن يكونوا درسًا لنا: كيف نحيا بلا برواز، وكيف نثبت أن قيمة الإنسان في استقلاله وكرامته، لا في انحنائه أو خضوعه.
قد نحضر اجتماعًا فاشلًا أو نرى خذلانًا متكررًا، لكن لا يعني ذلك أن الأمل غاب. فمن رضي أن يكون ظلًا، هو من خسر نفسه أولًا. أما من أبى، فقد اختار طريق الحرية.
العمر ليس مقياسًا للضعف أو القوة، فكم من صغيرٍ حمل رؤية غيّرت واقعه، وكم من كبيرٍ نهض من كبوة ليكتب فجرًا جديدًا. الفشل الحقيقي ليس في السقوط، بل في أن تبيع كرامتك، أو ترفض أن تعيد المحاولة.
الحياة ليست سباقًا للمركز الثاني، بل مساحة لاكتشاف الذات، وبناء المعنى، وإيجاد الدور الذي خُلقنا من أجله. كل كلمة استهزاء، كل لحظة تحدٍ، كل عثرة… ليست نهاية، بل فرصة لترميم النفس وتطهير القلب.كما قال د. إبراهيم الفقي:"الحياة تُعطيك بقدر ما تعطيها؛ فازرع أملًا في قلبك، وامنح خيرًا لمن حولك، وستجد أن لحظة حضورك تتحول إلى بصمة لا تُنسى.”ولعل أصدق ما يُترجم هذه الفكرة بيت الشعر القائل:وإذا كانت النفوسُ كبارًا … تعبت في مرادِها الأجسامُ وحين تأتي لحظة الحضور، فهي ليست إعلان خصومة بقدر ما هي دعوة للتصافح مع الذات والآخرين، لنقول بثبات وأمل:
“جه دوري… أنا حاضر، ومعي مساحة للتسامح قبل الانتصار.” نعم ستكون لحظة حضوري نورا يشق ظلمات الامس وينير الطريق للغد ومعه يدا تصافح الجميع