لم يعد في سجل الجرائم الدولية ما يمكن أن يُضاف إلى ما ارتكبته إسرائيل بحق أشقائنا فى غزة فقد جمعت في ممارساتها كل أشكال الانتهاك والعدوان: إبادة جماعية، تجويع متعمّد، قتل جماعي، حصار خانق، واستهداف مباشر للمدنيين العُزَّل، لم تسلم أطقم الإسعاف ولا الكوادر الطبية ولم تنجُ المؤسسات التعليمية ولا المرافق الصحية من القصف، حتى الصحفيين والمراسلين الذين يُفترض أنهم عيون العالم وضميره صاروا هدفاً مشروعاً لصواريخ الاحتلال. أضف إلى ذلك استخدام أسلحة محرّمة دولياً في تحدٍ فجّ لكل المواثيق والأعراف.
ما يجري في غزة اليوم ليس حربًا عسكرية بقدر ما هو قتل بطىء ممنهج وهو أشد أنواع القتل قسوة وإيلاماً، الأدهى من ذلك أن إسرائيل تمارس هذا الإجرام وكأنها تتلذذ بعذاب الضحايا فيما يقف العالم متفرجاً يكتفي بالصمت المريب أو ببيانات هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع وكأن أقصى ما يمكنه فعله هو "مصمصة الشفاه".
المفارقة المؤلمة أن هذا هو العالم ذاته الذي لم يتوقف يوماً عن إلقاء الخطب عن القانون الدولي وعن مؤسسات حقوق الإنسان وعن مجلس الأمن وحلف الناتو. لكن حين يتعلق الأمر بفلسطين تتساقط الأقنعة ويفقد القانون الدولي هيبته وتتحول العدالة إلى مجرد شعارات جوفاء.
ورغم هذا الصمت الدولي المخزي تبقى مصر وحدها الصوت الأعلى والضمير الحي الذي يرفض المساومة على الدم الفلسطيني. فمنذ اللحظة الأولى للأحداث فتحت مصر معبر رفح لتقديم المساعدات الإنسانية وأدانت العدوان في كل المحافل الدولية مؤكدة أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية وأن غزة ليست وحدها. مصر كانت وستظل السند الحقيقي لأشقائها تبذل جهدها لوقف نزيف الدم ولإعادة الاعتبار للحق الفلسطيني المغتصب.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل ينتظر العالم أن يُمحى شعب بأكمله من فوق الخريطة حتى يتحرك؟! إن غزة اليوم وهي تُحاصر وتُقصف مرآة صافية تكشف عورة نظام عالمي يتشدق بالعدالة وهو غارق في نفاقه.
إن ما يحدث في غزة اليوم جريمة مكتملة الأركان سيظل التاريخ يسجلها كوصمة عار في جبين الإنسانية ودليلاً على نفاق عالم يدّعي التحضر بينما يتعامى عن أفظع الجرائم.