في كل زاوية من زوايا الذاكرة، يحيا شهر رمضان بكل تفاصيله الطيبة، ويستعيد البعض منا ذكريات لا تُنسى كانت تضيء ليالي رمضان بمزيج من الروحانية والتآلف.
من أبرز هذه الطقوس، التي لا تزال حية في بعض المناطق الشعبية، الصعيدية والريفية، كانت "ليالي رمضان القرآنية" التي تسكن في قلوب الكثيرين وتظل عالقة في الأذهان.
كان شهر رمضان حينها ليس مجرد شهر للعبادة والصيام، بل كان أيضًا موسمًا لتوحيد القلوب ولم شمل العائلات، وفي تلك الليالي المباركة، كانت الأسر تتجمع في "المندرة" أو "المضيفة"، تلك الأماكن التي تحولت إلى مراكز للعبادة والجلسات العائلية الحميمية، حيث يتجمع الجميع بعد صلاة التراويح، يقيمون حلقات لقراءة القرآن، لتظل أصوات القراء تتردد بين الجدران، تصدح بكلمات الله الطاهرة.
من بعد التراويح، حتى السحور، كان القرآن هو الضيف الأثير، يملأ الأجواء بأدائه الرخيم ويتناغم مع أضواء الشموع وأصوات الأذكار، ليؤنس السهر ويطرد هموم الأيام.
لكن الأجمل في هذه الليالي لم يكن فقط في تلاوة القرآن، بل في المشهد الاجتماعي الذي كان ينبض بالحياة.
كانت تلك اللحظات فرصة ذهبية للالتقاء مع أفراد العائلة والجيران، إذ كان الجميع يتناولون السحور معًا في جو من الألفة والمحبة، تُفتح قلوبهم كما تُفتح أبواب البيوت، وتُزيح عن الأرواح غبار المشاغل والضغائن، ويبدأ الجميع يومًا جديدًا متجددًا بالنية الطيبة.
كانت القرية في تلك الليالي تتحول إلى مكان ينبض بالأمل والسكينة، حيث تُصدح مكبرات الصوت بتلاوة القرآن الكريم، ويمتلئ المكان بالسلام الذي لا يأتي إلا من كلمات الله، تُنير القلوب وتطهر الأرواح. ومع صوت المؤذن يعلو في فجر اليوم التالي، تتلاقى الأنفاس ويقع الجميع في حضن الروحانية، ليشعروا أن ليل رمضان كان معطرًا بالقرآن والذكر.
ليالي رمضان القرآنية كانت أكثر من مجرد طقوس دينية، كانت لحظات من التواصل والصفاء، تعكس جمال التعاون والوئام بين الناس، وتعيد ترتيب أولويات الحياة في القلب والعقل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة