وسط المشهد الملبد بأدخنة مدافع العدوان الإسرائيلى وطيرانه، تبرق ليالى رمضان ببهجتها التي تغلب قتامة أجواء الحرب، حيث شهدت أسواق مدينة "صيدا" جنوب لبنان إقبالا من الزائرين الذين توافدوا للتسوق استعدادا للعيد، وتشهد الأسواق حركة تجارية نشطة، حيث تتوافر مستلزمات رمضان وسط زينة مميزة تعكس أجواء الشهر الفضيل.
ورغم ما تركته الحرب الإسرائيلية الطاحنة من ندبات غائرة، جددت آلامها الغارات الحالية على الجنوب ما ضاعف الأزمات التي تثقل كاهل اللبنانيين، إلا أن شهر رمضان المبارك أعاد شيئا من الأمل والدفء إلى الشوارع والمنازل، كما تتزين الأحياء والساحات ابتهاجا بالشهر الفضيل .
وتتنوع الفعاليات الرمضانية في لبنان، لتشمل الاحتفالات، الجولات الرمضانية، والأنشطة الترفيهية التي تستقطب العائلات والأطفال مع تقديم القدود الحلبية والإنشاد الديني، إضافة إلى موائد الإفطار الجماعي التي تجمع مختلف الفئات الاجتماعية في جو يسوده التآلف والتراحم.
ولا تقتصر الفعاليات على العاصمة بيروت فقط، بل تمتد إلى مختلف المناطق، حيث تتزين الأسواق والساحات العامة بزينة رمضان المبهرة في طرابلس جنوبا، التي تلقب بـ"عاصمة رمضان"، تزدحم الأسواق بالزوار الذين يتوافدون لشراء الحلويات والمأكولات التقليدية، فيما يبقى مدفع الإفطار من قلعة طرابلس الأثرية أحد أبرز المعالم الرمضانية التي ينتظرها الأهالي لحظة الغروب.
في حين تستمر السهرات الرمضانية حتى ساعات الفجر، حيث يجتمع الناس حول المسحراتي الذي لا يزال حاضرًا في العديد من الأحياء، يوقظ الصائمين بعباراته التراثية استعدادًا للسحور.
غارات على الضاحية
بالتوازى، شهد لبنان اليوم تصعيدا فى العدوان الإسرائيلى، حيث شنت طائرة مسيرة إسرائيلية غارة على حي الحدث في الضاحية الجنوبية لبيروت، عقب إعلان الجيش الإسرائيلي تهديده للضاحية الجنوبية لبيروت، وهو التحذير الأول من نوعه منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار يوم 27 نوفمبر الماضى وذلك بعد حربٍ بين لبنان وإسرائيل استمرت قرابة الـ13 شهراً منذ تشرين الأول 2023.
كما شن الجيش الإسرائيلي سلسلة من الغارات العنيفة على عدد من القرى الحدودية، وقد شملت الغارات مناطق ( يحمر، زوطر، وأرنون، خراج بلدة كفرحونة، نبع الطاسة، سُجد، مرتفعات إقليم التفاح، مُرتفعات الجبور).
كما تعرضت بلدة كفرصير الجنوبية لقصف مدفعي إسرائيلي، فيما نفذت القوات الإسرائيلية عملية تمشيط إسرائيلية من تلة حمامص، وسط سماع أصوات إطلاق نار في القرى المجاورة.

كذلك استهدف القصف الإسرائيلي صباحاً محيط جبانة كفركلا وبلدة الطيبة، فيما أشارت المعلومات إلى استخدام القذائف الفوسفورية في استهداف بلدة الخيام.
وإثر التهديد الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي، بدأ مواطنون في الحدت إخلاء منازلهم والنزوح إلى مناطق آمنة وسط مخاوف من وقوع مجزرة في ظل توقف حركة السير.
والمنطقة التي هددها العدو الإسرائيلي تضم عدداً من المدارس، ما استدعى تحركاً من وزيرة التربية ريما كرامي دعوة مديري المدارس والثانويات والخاصة الواقعة في المناطق المهددة ومجمع الرئيس رفيق الحريري الجامعي في الحدث، ما أدى إلى التعطيل اليوم وإخلاء جميع المباني من المتعلمين والمعلمين والإداريين، وتوخي الحذر في نقل الأولاد حفاظاً على سلامة الجميع.
وفى ظل هذ التصعيد، عقد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام اجتماعا أمنيا عاجلا، لبحث آخر التطورات الأمنية في البلاد، كما دعت الأمم المتحدة كلا من لبنان وإسرائيل إلى ضبط النفس.
فيما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن ترامب طلب من بنيامين نتنياهو عدم استهداف العاصمة بيروت أو المرافق الحيوية من مطار ومرفأ وشركة الكهرباء في أثناء الغارات التي يشنها الجيش على لبنان .
ماكرون: غير مقبول
من جانبه أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تضامنه مع أهالي بيروت بعد الاستهداف الإسرائيلي، وأكد خلال المؤتمر المشترك مع الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون، أن فرنسا تقف إلى جانب لبنان لأنها تدرك حجم التحديات التي يعيشها، وأضاف أن المساعدات تركز على إعادة دورة المؤسسات لأنّ هذا هو المفتاح للحصول على المساعدات من المجتمع الدولي.
وتابع: نؤمن بأهمّية أجندة الإصلاح التي وضعها الرئيس اللبناني، وسنجتمع مع أصدقاء لبنان لدعم الهيكلية التي بدأت بها السلطات التنفيذية اللبنانية للعمل على مجموعة أولى من المساعدات".
ولفت ماكرون إلى أنه يجب العمل على تحضير برنامج للتمويل من صندوق النقد الدولي.
وشدد على أن لبنان بحاجة إلى قطاع طاقة حسن الأداء كي لا يبقى عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي، ولكي يتمكّن من جذب الاستثمارات وفرنسا مستعدّة لوضع خبرتها وشركاتها للمساعدة في هذا المجال".
وأشار ماكرون إلى أن التوتر على جانبيّ الخط الأزرق نقطة تحوّل، وفرنسا باقية إلى جانب لبنان للحفاظ على السيادة ولضمان الأمن بشكلٍ كامل ولتنفيذ وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه مع إسرائيل".
وأكد أن على الجيش الإسرائيلى الانسحاب من النقاط الخمس فى جنوب لبنان"، وقال إنّ "الضربات على بيروت غير مقبولة".
وأضاف ماكرون: سنقدم اقتراحات عملية وواقعية آخذين فى الاعتبار توقعات لبنان والإسرائيليين"، وقال: "اقترحنا أن تنتشر قوات من "اليونيفيل" في المناطق الحساسة في الجنوب بالتنسيق مع الجيش وبإشراف هيئة الرقابة".
ومن جانبه، ناشد الرئيس اللبناني جوزيف عون أصدقاء لبنان في العالم من باريس إلى واشنطن التحرك سريعاً لوقف التدهور ومساعدة لبنان على تطبيق القرارات الدولية على كامل حدودنا".
وقال عون: "نرفض إعادة لبنان إلى دوامة العنف، وما يحصل يزيدنا إصرارًا على بسط سلطتنا على كلّ أراضينا لحماية لبنان وشعبه".
وأشار عون إلى أن لبنان يحمل أرقاماً قياسية عالمية غير مسبوقة، منها أعلى نسبة نارحين ولاجئين، وأكبر أزمة نقديّة ماليّة قياساً إلى الناتج الوطني، وأكبر نسبة حدود غير مستقلة لدولة سيدة"، وأضاف: "علينا مقاربة الأزمات ومعالجتها لتحقيق الإستقرار".