كان الوقت صباح 26 فبراير - مثل هذا اليوم -1980 حين توجه السفير «سعد مرتضى» إلى مدينة القدس ليقدم أوراق اعتماده كأول سفير لمصر فى إسرائيل، بينما كان «إلياهو بن اليسار» يقدم أوراق اعتماده كأول سفير لإسرائيل فى مصر، وذلك كأول محطة فى تطبيع العلاقات بعد توقيع معاهدة السلام بين الرئيس السادات ومناحم بيجين رئيس الحكومة الإسرائيلية فى واشنطن يوم 26 مارس 1979.
كانت الأحوال فى مصر على النقيض مما كانت عليه فى إسرائيل بشهادة سعد مرتضى فى مذكراته «مهمتى فى إسرائيل»، قائلا: «كان التناقض كبيرا بين الترحيب الذى استقبلتنى به حكومة إسرائيل وشعبها، وبين «التحفظ» الذى استقبل به السفير الإسرائيلى فى القاهرة»، وفى الحقيقة فإن الحالة كانت رفضا وليس تحفظا، فحين ارتفع العلم الإسرائيلى على مبنى فى حى الدقى، قوبل بصراخ وعويل لنساء فى المبنى المجاور، وشاركت النقابات وأحزاب المعارضة المصرية فى إصدار بيان ترفض فيه هذه الخطوة، ودعا حزب العمل برئاسة المهندس إبراهيم شكرى ونقابة المحامين المصرية إلى رفع مليون علم فلسطينى فى مصر، ورفعت النقابة العلمين الفلسطينى والمصرى فوق مبناها، وتجمعت حشود فى حديقة مبنى النقابة وعلى وقع هتافاتها المؤيدة للحق الفلسطينى قامت بحرق العلم الإسرائيلى وسط حصار أمنى كبير لمبنى النقابة.
وفيما كانت المراسم الدبلوماسية تمضى على هذا النحو، فاجأ الشاب «سعد إدريس حلاوة» وكان عمره 33 عاما، «مواليد 2 مارس 1947» ابن قرية «أجهور الكبرى» بمركز طوخ محافظة القليوبية بالاعتصام المسلح فى الوحدة المحلية بالقرية، واحتجاز مواطنين فى حجرة بالدور الثانى بمبنى الوحدة، وتحويلها إلى إذاعة عبر مكبر صوت يذيع منها أغانى عبدالحليم حافظ الوطنية، وخطب جمال عبدالناصر، وتلاوة من القرآن الكريم بصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وإعلانه أنه لن يفك الاعتصام إلا بطرد السفير الإسرائيلى، ما اضطر وزير الداخلية اللواء النبوى إسماعيل إلى الحضور للقرية، وكان هناك خط ساخن بينه وبين الرئيس السادات، لإنهاء هذه المفاجأة بأى طريقة، وعلى أثر ذلك أعطى «النبوى» أمرا بتصفية «حلاوة»، وهو ما حدث بالفعل، وقبل موته كتب بدمائه على جدران الحجرة التى كان فيها: «لا إله إلا الله.. تعيش مصر حرة».
فى مقابل ما حدث فى مصر يتذكر سعد مرتضى الحفاوة التى قوبل بها فى إسرائيل، مشيرا إلى أنه كان يرافقه عدد كبير من زملائه أعضاء السفارة المصرية فى إسرائيل، ووصلوا جميعا إلى فندق الملك داود، مضيفا: «بدأ الموكب الرسمى المعتاد من فندق الملك داود، ووضع العلم المصرى على السيارة التى كنت أستقلها، وجلس بجوارى مدير المراسم، كما جلس أمامى ضابط الأمن الإسرائيلى، وسارت دراجتان ناريتان فى المقدمة، وتبعتنا سيارة أمن بها حارسان آخران، تليهما سيارة لبعض أعضاء السفارة الذين حضروا معى تقديم أوراق الاعتماد، وتوجه الركب إلى مبنى «رؤساء دولة إسرائيل» وهو اسم الدار المخصصة لرئيس الدولة».
يضيف: «عندما نزلت من السيارة شاهدت علم مصر يرفرف عاليا أمام الدار وإلى جواره علم إسرائيل، واصطف حرس الشرف وعزفت الموسيقى نشيد مصر «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى»، وبعد ذلك النشيد الوطنى الإسرائيلى «هاتيكثا»، ثم مرت أمام حرس الشرف الذى اصطف لتحية سفير مصر، وتقدمنى مدير المراسم إلى القاعة التى كان الرئيس إسحاق نافون يقف فيها، وأمام مكبر الصوت الذى أعد لى، ألقيت كلمة باللغة العربية، ترجمت فورا إلى اللغة العبرية، ثم ألقى نافون رده متعمدا أن يكون بمزيج من العربية والعبرية، وأشاد فيه بالسلام الوليد بين البلدين، وبحكمة الرئيس السادات وشجاعته».
يتذكر سعد مرتضى: «بعد ذلك تقدمت لمصافحة نافون وسلمته مظروفا يحتوى على أوراق اعتمادى سفيرا فوق العادة ومفوضا لجمهورية مصر العربية لدى إسرائيل، اصطحبنى الرئيس نافون بعد ذلك إلى أريكة وجلست إلى جواره، وكان معنا المستر جوزيف تشيخانوفر مدير عام الخارجية الإسرائيلية، وتبادلنا الحديث باللغة العربية التى يتقنها نافون بالإضافة إلى سبع لغات أخرى، وقدم لى عصير البرتقال احتراما للتعاليم الإسلامية التى تحرم شرب الخمور، ثم صحبنى فى جولة صغيرة داخل قاعات الاستقبال فى دار رؤساء إسرائيل، مشيرا إلى الأعمال الفنية الجميلة من رسوم وتماثيل منحوتة وزجاج النوافذ الملون التى أبدعتها أيدى كبار الفنانين والمثالين من يهود العالم، إسهاما منهم فى تجميل مقر رئيس دولة إسرائيل».
يضيف «مرتضى»: «عند خروجى من الدار شاهدت جمعا من الناس ينتظرون خارج المبنى لمشاهدة السفير المصرى الجديد بعد تقديم أوراق اعتماده، وعدت إلى فندق الملك داود، حيث أقمت حفل استقبال صغيرا، كما تقضى العادات المرعية، ودعوت إليه نفرا من رجال المراسم الإسرائيلية من رئاسة الدولة ومن وزارة الخارجية بالإضافة إلى زملائى فى السفارة، وعدنا بعد ذلك إلى تل أبيب».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة