يحب الكاتب اليمني محمد الغربي عمران التنوع، ذلك أنه بدأ حياته رساما فكاتبا للمقالات ثم القصة القصيرة وأخيرا الرواية وهكذا يمكن القول إنه معجون بالفن أو فنان على أصوله إن كان للدقة مكان ومكانها هنا، وأحسب أنه لم يكن لكاتب ان يبلغ ذرى الكتابة إلا بالتقلب فيها من معنى إلى معنى ومن شطر إلى شطر ومن واد إلى واد.
ولئن كان ذلك التصاعد يميز مسيرة المبدع اليمنى محمد الغربي عمران فإنه لا يسمى نفسه الكاتب غزير الإنتاج كما يسميه البعض إذ يخبرك بحسبة رياضية بحته إنه بدأ كتابة الروايات عام 2010 وعلى مدار 15 سنة أنتج ثماني روايات بواقع رواية كل عامين وهو ما لا يعتبره مرادفا لغزارة الإنتاج.
اليوم السابع التقت المبدع اليمنى محمد الغربي عمران وكان هذا الحوار.
كيف بدأت مسيرتك في النشر؟
أنا محظوظ في النشر، إليك هذه القصة العجيبة حين نشرت روايتي أرسلتها إلى إيميل دار رياض الريس دون أن أتذكر إلى أي بريد إلكتروني أرسلتها لكن المفاجأة أن الرواية نشرت بسرعة، وكانت دار رياض الريس في 2010 ذائعة الصيت ما ساهم في رواج "مصحف أحمر" وهو اسم روايتي التي نشرتها في لبنان، والتي كانت نقطة تحول لأنها منحتني فرصة النشر مع دور أخرى في لبنان.
هل ترى إنك كاتب غزير الإنتاج قياسا على إنجازك ثماني روايات في 15 عاما؟
لا أعتقد أنني غزير الإنتاج، لدى ثماني روايات في خمس عشرة سنة بواقع رواية كل عامين فهل ترى تلك غزارة في الإنتاج مع ملاحظة أنني "داخل على السبعين" وفقا لتعبيركم الدارج؟!
أنت رجل تحولات، صف لي تحولات حياتك؟
عشت مغتربا لفترة من حياتي في السعودية وبعدها في اليمن كنت عضو مجلس نواب ووكيل أمانة العاصمة غير أنني استبعدت بعد إصداري رواية مصحف أحمر وهنا قلت "لقد ارتحت"، لم يكن لإبعادي علاقة بمضمون رواية مصحف أحمر بل له علاقة بالوشاية، أن يشى بك أحدهم فيستبعدونك لكن الناتج في النهاية كان إيجابيا إذ تفرغت للكتابة.
بدأت حياتك رساما كيف جاء تحولك من الرسم إلى الكتابة؟
في بداياتي رساما لم أتوقع أنني سأصل إلى شيء مختلف في عالم الرسم، في النهاية قلت لنفسي لو أنني أقدمت على الاستمرار في الرسم إلى أي مدى سأصل؟ لدينا في بلادنا المئات من اللوحات والخطوط والظلال فكيف يمكنني الوصول إلى التميز؟ لم يكن هناك أفق واضح، قررت تغيير اتجاهي إلى المقالات ومن بعدها القصة القصيرة أصدرت خمس مجموعات قصصية ثم أغلقت باب القصة، فقد وقع في خاطري أنه استكمال لما وقع في المجالات السابقة، فلن أصل لشيء مختلف، ومن هنا بدأت مسيرتي الروائية حيث استقريت إذ وجدت في الرواية ضالتي وما كنت أسعى إليه.
مصحف أحمر روايتك الأولى صنفت باعتبارها مثيرة للجدل هل سببت لك المشكلات أم الشهرة؟
الاثنين، فلقد سببت لي المشاكل وحققت لي الشهرة لكنها على الرغم من ذلك لم تكن تحتمل كل هذا الضجيج الذى أثير حولها، تخيل أن كل تلك الضجة كانت بسبب الاسم "مصحف أحمر"، الأزمة كانت بسبب كلمة مصحف ولكن ينبغي أن أذكر لك أن كلمة مصحف لم ترد في القرآن من الأساس، فلقد ذكرت الصحف، والفرقان، وغيرها من أسماء القرآن الكريم ما يعني ببساطة أنني لم أكن أقصد القرآن الكريم، كما أن كلمة مصحف في اللغة العربية الجنوبية باليمن معناها كتاب وبالتالي فقد كان المعنى المقصود "كتاب أحمر"، ولا علاقة للموضوع بالقرآن على الإطلاق.
وماذا عن حكايتك مع الجوائز؟
لدى حكاية تطول ويطول شرحها فلقد تسببت رواية مملكة الجواري في ضياع 30 ألف دولار مني، والقصة كالتالي: كانت دار الهلال المصرية طلبت منى الرواية وأردت نشرها معهم غير أنني كنت قدمتها كمخطوطة غير منشورة في جائزة كتارا للرواية العربية وقلت إن موعد صدورها لا شك سيكون بعد إعلان الجائزة غير أن المفاجأة كانت التالي: أنني فزت بالجائزة ضمن فئة الرواية غير المنشورة وصدرت الرواية قبل إعلان فوزي بخمسة عشر يوما فقط، وما حدث هناك في قطر لا يخطر على بال فلقد تسلمت الجائزة وعشت لحظة الفوز وكان يوم خميس وكان يفترض بى السفر في اليوم التالي لكنني وجدت مسئولا بالجائزة يقول إنني خالفت الشروط ما يوجب سحب الجائزة فقلت إنها خمسة عشر يوما فقط فلم يقتنع وجرى سحب الجائزة منى وهكذا أقول دائما إن رواية مملكة الجواري التي نشرتها دار الهلال تحت اسم مسامرة الموتى قد أضاعت على 30 ألف دولار هي قيمة جائزة كتارا.
وماذا عن جائزة البوكر العربية؟
لا، جائزة البوكر تتحكم فيها دور النشر، فلا أضمن ترشحي إليها.
وكيف ترى العلاقة ثقافيا بين مصر واليمن خصوصا أن جذورا تاريخية ضاربة فيها وأن مصر تحتضن عشرات الآلاف من اليمنيين على أراضيها؟
العلاقة ضاربة بجذورها في التاريخ كما قلت، وأقول لك ما هو أكثر، أنا أخاف على مصر أكثر مما أخاف على أي بلد آخر لأنها البلد التي نلجأ إليها كعرب في الشدائد وهي المستقر إن لم يكن هنالك مستقر، وسأخبرك بأمر لا يعرفه كثيرون فلقد كنا ندرس في بلادنا المناهج المصرية، ذلك أننا قبل أن يأتي بلادنا المصريون في الستينات لم يكن لدى كثير من مدننا وقرانا مدارس ولا مناهج وعندما جاء المصريون في الستينات بدأت المدارس تعمل على يد المصريين بمعلمين مصريين علمونا المناهج المصرية فلم تكن لدينا مناهج، وبالتالي كنا ندرس في المدارس كما يدرس التلاميذ في مصر فندرس التاريخ المصري والعلم المصري وهكذا، وكان الإنسان المصرى بالنسبة لنا هو الإنسان كامل المثال مكتمل الصفات الذى يصلح كمثل أعلى، فإذا كنا في المدارس يعملنا المصريون، ولو كنا مرضى يعالجنا المصريون، وهكذا، المد المصري تجاه اليمن في الستينات لم يكن عبثا بل أراد منه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى نعشقه في بلادنا تأمين منطقة باب المندب والقرن الأفريقي وهو بعد استراتيجي مهم جدا لم يكن لرئيس عظيم مثله أن يغفل عنه، ومن هنا جاء بلادنا المصريون فأناروا حياتنا وخير المصريين على جيلي من اليمنيين لا يمكن إنكاره.
تشغلك دائما فكرة الحرب وتظهر في رواياتك دائما ألا تستطيع الخروج من تلك الدائرة؟
بلادي تعيش المحنة والحرب، أرأيت إن كنت في الخلاء والسماء تمطر فوق رأسك فهل تفكر في غير المطر؟! ليس لدينا إلا الحرب فماذا نفعل؟
ما هو جديدك في الرواية؟
انتهيت من أحدث أعمالي الروائية وستصدر في الغالب بمعرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2027 وأسعى لنشرها في دار نشر مصرية.
دعنا نتوقف عند آخر رواياتك أساور مأرب لماذا تعرضت لهجوم من البعض؟
كثير ممن قرأوها لم يفهموها وبالتالي سفهوها إذ لم يستطيعوا استيعاب تقنية تكسير الزمن التي سرت على خطاها في تلك الرواية، الكتابة بهذه الطريقة "تشظى الزمن" تمنحك قدرة أكبر على الإبداع، فلو أنك سرت زمنيا في القالب المعروف من الأقدم إلى الأحدث فلن تقدم جديدا أو يمكن القول إن الجديد سيكون محكوما بزمن، الكتابة بالطريقة التقليدية القائمة على تصاعد الزمن من الأقدم إلى الأحدث تحد المقدرة على الإبداع والخلق.
هل لك أن تحدثنا عن المشهد الروائي في اليمن؟
لدينا الكثير من الروائيين الممتازين في اليمن منهم وجدي الأهدل وسهير السمان وفكرية شحرة، وغيرهم.