المقاومة بالفن.. الضوء والخيال يخرجان من بين الركام.. مهرجان غزة السينمائى للأطفال يتحدى الدمار.. مدير المهرجان: الفن قد لا يوقف الحرب لكنه يمنع سقوط الروح.. وصنعنا مساحة آمنة للأطفال يعبرون فيها عن أنفسهم

الإثنين، 08 ديسمبر 2025 03:00 م
المقاومة بالفن.. الضوء والخيال يخرجان من بين الركام.. مهرجان غزة السينمائى للأطفال يتحدى الدمار.. مدير المهرجان: الفن قد لا يوقف الحرب لكنه يمنع سقوط الروح.. وصنعنا مساحة آمنة للأطفال يعبرون فيها عن أنفسهم أطفال غزة

كتب ـ محمود العمرى

ـ ورش تفاعلية وعروض دمى ومهرجون وأنشطة فنية.. جلسات تعليم الرسوم المتحركة تتيح للأطفال عرض تجاربهم بأساليب مبتكرة.. والمهرجان يتنقل عبر مخيمات النزوح.. ويقدم علاجًا نفسيًا جماعيًا بورش الرسم والتلوين والمسابقات

 

ـ السينما تتحول لساحة أمل
 

فى غزة، لم تترك الحروب مكانًا يليق بالأطفال، لكن ضوء شاشة صغيرة فى ساحة مخيم أو فناء مدرسة، تحاول تعويض الأطفال، وتهدئة جروحهم، ليبدأ الأطفال بالتجمع حولها بعيون متلهفة.

 

مهرجان غزة السينمائى للأطفال

هذا الضوء يمثل قلب الدورة الأولى من مهرجان غزة السينمائى للأطفال، الذى تنظمه مؤسسة مشهراوى لدعم السينما والسينمائيين فى غزة، والذى استمر على مدار ثلاثين يومًا متواصلة، من 20 نوفمبر وحتى 20 ديسمبر، فى مدينة غزة ومخيماتها وبلداتها، حاملاً شعارًا يحمل معنى الحياة وسط الألم: «نحب الحياة غدًا».


المهرجان لم يكن مجرد عروض أفلام، بل مبادرة إنسانية تهدف إلى إعادة الفرح والبسمة للأطفال الذين حاصرتهم الحرب، وإتاحة فرصة لاكتشاف العالم من خلال الصورة والحكاية، وتجربة الحرية ولو للحظة.


ومع كل عرض، كانت هناك ورش تفاعلية، وعروض دمى ومهرجون، وأنشطة فنية، وجلسات تعليم مبادئ الرسوم المتحركة، لتتيح للأطفال التعبير عن قصصهم وتجاربهم بأساليب مبتكرة.

 

المهرجان سينما متنقلة

سينما متنقلة.. واحدة من أبرز ميزات المهرجان أنه متحرك، بدلاً من أن يأتى الأطفال إلى السينما، تأتى السينما إليهم، فى مخيمات النزوح والمدن المزدحمة، حيث لم يعد هناك أماكن آمنة لتجمعهم إلا فى فناء مدرسة أو ساحة واسعة، كل موقع عرض كان يتطلب تجهيزات دقيقة: تركيب الشاشة، ضبط الصوت، ترتيب المقاعد، وضمان سلامة الأطفال، بالإضافة إلى تنظيم الأنشطة قبل كل عرض.


الأنشطة المصاحبة لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت علاجًا نفسيًا جماعيًا، الألعاب الصغيرة، عروض الدمى، ورش الرسم والتلوين، والمسابقات، أعادت للأطفال شعور اللعب الطبيعى الذى فقدوه بسبب الحرب.


أما ورش الرسوم المتحركة، فقد أتاحت للأطفال تحويل ألمهم الداخلى إلى قصص مرسومة وحركة، لتصبح السينما مساحة يعبرون فيها عن أنفسهم بحرية.


وفى أماكن أخرى من غزة، كان المهرجان يحمل أفلامًا قصيرة، ورسومًا متحركة، وفيديوهات تعليمية، بعضها أنتج محليًا على أيدى صغار المبدعين فى غزة، ليشهد الأطفال لأول مرة قصصًا تحاكى حياتهم اليومية، أملًا فى رؤية مستقبل أفضل.


فريق ضخم وجهد مستمر.. تنظيم مهرجان بهذا الحجم وسط الدمار لم يكن سهلاً، احتاج الأمر إلى أشهر من التحضير والعمل المتواصل ليلًا ونهارًا، هناك فرق مسؤولة عن تجهيز أماكن العروض، وفريق آخر ينظم الأنشطة، ومتطوعون ينقلون المعدات ويجهزون البرامج قبل ساعات من بدء كل عرض.


كما يشارك مع المهرجان عدد كبير من المؤسسات والجمعيات المحلية التى تدعم الفكرة وتسهّل وصوله إلى الأطفال فى كل مكان.


الجهد لم يقتصر على الترتيب اللوجستى فقط، بل شمل التأكد من أن كل عرض يتم بأمان، وأن كل طفل يشعر بالراحة والاهتمام، وأن كل تجربة سينمائية تحمل معها شعورًا بالحياة، ولو لبضع ساعات.


فريق المهرجان لم يكن مجرد منظمين، بل كانوا مرشدين، أصدقاء، وداعمين للأطفال الذين فقدوا الكثير من لحظات الطفولة الطبيعية.


المخرج خميس مشهراوى.. فى هذا السياق، كان لا بد من التحدث مع الرجل الذى يقف خلف كل هذه المبادرة: مدير عام المهرجان خميس مشهراوى ومدير مؤسسة مشهراوى لدعم السينما والسينمائيين فى غزة والذى حكى لـ«اليوم السابع» عن التجربة بأدق تفاصيلها.


سألناه بداية عن سبب اختيار الأطفال كمستهدفين للمهرجان فى هذا الوقت بالذات، ابتسم وقال: «الطفل الفلسطينى هو الأكثر تضررًا من الحرب، نحن الكبار نستطيع أن نتحمل الواقع ونتعامل معه، أما الطفل فلا يملك أدوات التعبير، أردنا أن نمنحه مساحة آمنة، ولو لفترة قصيرة، ليستعيد حقه الطبيعى فى اللعب والضحك والحلم».


وأضاف مشهراوى: «السينما فى غزة ليست مجرد عرض أفلام، بل وسيلة للتعبير عن الحياة، ومساحة للأمل، وأداة تمكن الأطفال من تخطى آثار الحرب على نفوسهم، الأطفال هنا يحتاجون إلى ما يشبه نافذة خارجية على العالم، حتى ولو كانت مجرد شاشة صغيرة فى فناء مدرسة».


وتابع مشهراوى أن فريق العمل هو سر نجاح المهرجان، وقال: «هناك فنانون ومربون ومتطوعون يعملون فى كل المناطق لتجهيز الأماكن وتنظيم العروض، بالإضافة إلى فرق الإعلام التى توثق الأنشطة. كل فرد فى الفريق يعرف أنه ليس مجرد موظف، بل جزء من مهمة إنسانية تهدف إلى حماية جزء من روح الأطفال».


السينما كمقاومة ناعمة.. سألناه: هل الفن قادر على تغيير واقع بهذه القسوة؟ أجاب مشهراوى بثقة: «الفن قد لا يوقف الحرب، لكنه يمنع سقوط الروح، طفل يضحك ولو لدقيقة واحدة يعنى أن هناك جزءًا من الحياة لم ينكسر،هذه هى البداية الحقيقية للمقاومة».


وأضاف مشهراوى: «غزة اليوم أكثر مكان يحتاج الفن، نحن لا نتجاهل الواقع، بل نحاول أن نخفف أثره على الأطفال، ساعة فرح قد تغير حياة طفل بالكامل، وقد تمنحه ذاكرة إيجابية تحميه فى المستقبل، الفن هنا سلاح ناعم، لكنه قوى، لأنه يزرع أملًا فى نفوس الصغار».


وتابع: «لقد رأيت أطفالًا يأتون لأول مرة إلى العروض، ومن ثم يعودون فى كل يوم لمشاهدة أفلام جديدة، يضحكون، يتعلمون، ويشاركون فى ورش الرسم والرسوم المتحركة، بالنسبة لهم، هذه لحظات غير قابلة للنسيان».


القصص التى تحيا.. مدير المهرجان أكد أن الورش التعليمية كانت جزءًا أساسيًا من المهرجان، وأضاف: «الأطفال تعلموا أساسيات الرسوم المتحركة، وتمكنوا من تحويل تجاربهم وأحلامهم إلى صور متحركة، هذه الورش لم تمنحهم مهارات فنية فحسب، بل عززت لديهم الإحساس بالتحكم فى حياتهم وقدرتهم على التعبير».


وأوضح مشهراوى، أن كل ورشة كانت تخضع لتوجيهات مختصين، وتضم جلسات تفاعلية، بحيث لا يشعر الطفل بالضغط، بل يشعر بأنه قادر على تحويل مشاعره، خوفه، وآماله إلى حكاية بصرية.


واستطرد مشهراوى: «بعض الأطفال كتبوا قصصًا مستوحاة من حياتهم اليومية، وبعضها كانت خيالية بالكامل، ولكن كل قصة كانت تعكس طاقة الحياة الموجودة فى داخلهم».


رسالة إنسانية.. وأضاف مشهراوى فى ختام حديثه: «نحن نؤمن بأن الفن قادر على بناء أجيال قادرة على مواجهة الصعاب، أجيال تحمل فى قلبها أمل الحياة، وتستطيع أن تتجاوز الصعوبات برؤية مختلفة للعالم، هذه اللحظات التى نخلقها للأطفال، هى استثمار فى مستقبل غزة، فى مستقبل هؤلاء الأطفال الذين سيكونون يوما ما صناع التغيير».


 

مشاهد مليئة بالدهشة..

تقول أسماء دبابش، منسقة الفرق المشاركة فى مهرجان غزة السينمائى للأطفال، إن العمل على تجهيز المشاركين كان واحدًا من أصعب المهام التى واجهها فريق التنظيم، لكنها فى الوقت نفسه كانت التجربة الأكثر قربًا إلى قلبها، مشيرة إلى أن فرق الأطفال التى شاركت فى العروض قدمت مشاهد مليئة بالدهشة، وأن عملية تدريبهم وسط ظروف الحرب لم تكن مجرد إعداد فنى، بل كانت محاولة لإعادة بناء جزء من ثقتهم بأنفسهم.


وتضيف أسماء أن كثيرًا من الأطفال الذين شاركوا كانوا قد فقدوا منازلهم أو أحد أفراد أسرهم، ورغم ذلك كانوا يصرّون على الحضور فى الموعد المحدد، ويحفظون أدوارهم، ويتعاملون مع المهرجان كمساحة أمان ومرح، لا كفعالية فنية فقط، وأن المهرجان خلق بيئة تشبه العالم الذى يفتقده الأطفال خارج القاعة؛ عالم فيه صوت الضحك أعلى من صوت القصف.

 

وتشير أسماء إلى أن الفرق المشاركة من الأطفال والشباب قدمت أداء يفوق الظروف، وأن كثيرًا من العروض صُنعت بإمكانات بسيطة لكنها حملت قيمة إنسانية عالية.


وختمت بأن أهم ما خرجت به من التجربة هو يقين كامل بأن الأطفال قادرون على الحياة من جديد، إذا وجدوا نافذة تمنحهم الضوء وتعيد إليهم الشعور بأنهم ما زالوا قادرين على الحلم.


بينما تؤكد يافا مشهراوى، منسقة المشروع، أن المهرجان لم يكن مجرد حدث فنى بقدر ما كان محاولة لاستعادة الحياة فى مدينة أنهكها الحصار والدمار، مشيرة إلى أن التجهيز لإقامة الفعاليات استغرق وقتًا مضاعفًا بسبب صعوبة الحركة بين المناطق، لكن الإصرار على تنفيذ الفكرة كان أقوى من كل العوائق.


وأوضحت يافا، أن المهرجان نجح فى جمع مئات الأطفال من مختلف المناطق، رغم تعقيدات المرور ونقاط العبور الداخلية، وأن رؤية الأطفال وهم يجلسون أمام الشاشة، يضحكون ويندهشون، كان كافيًا ليؤكد أن المشروع لم يولد عبثًا.


ولفتت يافا، إلى أن الفريق حاول قدر الإمكان أن يقدم تجارب سينمائية تعليمية أيضًا، عبر ورش صغيرة حول كيفية صناعة لقطة، أو كتابة فكرة بسيطة، أو استخدام كاميرا الهاتف، وأن كثيرًا من الأطفال أظهروا قدرات فطرية أدهشت الفريق، وأن بعضهم التقط صورًا ومقاطع عفوية صارت جزءًا من أرشيف المهرجان.


وأشارت يافا، إلى أن أهم ما حققه المشروع هو خلق ارتباط جديد بين الأطفال والسينما، بوصفها نافذة يتنفسون من خلالها، حتى ولو لساعة واحدة فقط بعيدًا عن ثقافة الخوف، وختمت بأن التجربة أكدت أن الفن قادر على النجاة، وأن غزة قادرة دائمًا على إنتاج لحظاتها المضيئة مهما اشتد العتم.


عمل مستمر لرسم البهجة..

بينما يشير سعد أبو كرش، مدير المتطوعين فى المهرجان، إلى أن دور المتطوعين كان العمود الفقرى للمشروع، وأن المهرجان لم يكن ليخرج بهذه الصورة لولا العشرات ممن حملوا على عاتقهم التنظيم والتجهيز والمساعدة فى كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة.


ولفت أبو كرش، إلى أن المتطوعين عملوا لساعات طويلة دون توقف، بدءًا من ترتيب أماكن العرض، مرورًا بتنظيم جلوس الأطفال، ووصولًا إلى التعامل مع الحالات الطارئة أو الأطفال الذين يحتاجون دعمًا نفسيًا أو مرافقًا خاصًا وأضاف أن كثيرًا من المتطوعين فقدوا بيوتهم خلال الحرب، لكنهم أصروا على الحضور والمساعدة وكأن العمل جزء من مقاومة اليأس.


وأشار أبو كرش، إلى أن فريق المتطوعين واجه تحديات كبيرة، منها تأمين المعدات فى ظل التنقل الصعب داخل قطاع غزة، وضمان سلامة الأطفال أثناء الدخول والخروج، لكنه أكد أن الروح الجماعية كانت كفيلة بتجاوز كل العقبات.


ضحكات وسط الركام.. الضوء الذى أضاء شاشات المهرجان، والضحكات التى سمعت فى المخيمات، والقصص التى رسمها الأطفال فى الورش، كلها تشهد على قدرة الإنسان على خلق الأمل، حتى فى أصعب الظروف.


مهرجان غزة السينمائى للأطفال، من 20 نوفمبر حتى 20 ديسمبر، كان بمثابة رسالة لكل من يعتقد أن الحروب قادرة على محو الطفولة، أنه ما زال هناك مكان للضحك، للحلم، وللحياة.

p
مهرجان غزة السينمائى للأطفال
WhatsApp-Image-2025-12-05-at-2.23.13-PM-(2)
 

 
2new
أطفال غزة

 

148
 

 

WhatsApp-Image-2025-12-05-at-2.23.14-PM-(1)
ورش تدريبية للأطفال

 

WhatsApp-Image-2025-12-05-at-2.23.14-PM-(3)
 

 

WhatsApp-Image-2025-12-05-at-2.23.18-PM-(1)-copy
أطفال غزة
 
WhatsApp-Image-2025-12-05-at-2.23.19-PM-(4)
 

الأطفال بالمهرجان

المشهراوي-مدير-المهرجان
المشهراوي-مدير-المهرجان

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب