نساء غزة يصنعن الأمل وسط الركام.. باحثة تنتزع حلمها الأكاديمى من قلب إبادة تعليمية.. ريم الجزار لـ«اليوم السابع»: كتبت رسالتى داخل خيمة والإرادة كسرت الحصار.. وتؤكد: سجدت لله حمدًا بعد استشهاد عائلتي.. صور

الأحد، 07 ديسمبر 2025 09:18 م
نساء غزة يصنعن الأمل وسط الركام.. باحثة تنتزع حلمها الأكاديمى من قلب إبادة تعليمية.. ريم الجزار لـ«اليوم السابع»: كتبت رسالتى داخل خيمة والإرادة كسرت الحصار.. وتؤكد: سجدت لله حمدًا بعد استشهاد عائلتي.. صور نساء غزة يصنعن الأمل وسط الركام

كتب أحمد عرفة - تصميم جرافيك أحمد جمال مرسى

<< نزحت 11 مرة لكن حلمي لم ينزح لحظة واحدة

<< عشنا في فصل واحد يضم 60 شخصًا وبحثت عن زاوية أكتب فيها بحثي

<< لم تكن الخيمة مكانًا للعيش لكنها أصبحت مختبر "ريم" العلمي ومكان دراستي

<< الباحثة الفلسطينية: طلبتُ فقط إنترنت وشحن لابتوب وضوئه فتح لها طريق الماجستير

<< كنت أكتب رسالتي ذهنيا حين ينقطع الإنترنت والكهرباء

<< خسرتُ عائلتي في قصف واحد

<< كنت أمشي كيلومترات لأشحن اللاب توب

<< أمي قالت لي "مساعدتك الحقيقية هي إكمال الرسالة"

<< العلم لا يعترف بالحدود.. ريم واجهت انقطاع الإنترنت بالبحث عبر صديقتها في الضفة

 

في قلب المجازر التي لم تكد تنقطع داخل غزة، حيث القصف لا يتوقف والنزوح يصبح جزءًا من الحياة اليومية، تبرز قصص إنسانية تلهم العالم بصمودها وإرادتها التي لا تلين، من بين هذه القصص، قصة الباحثة الفلسطينية ريم الجزار، التي أصبحت صاحبة أول رسالة ماجستير تنجز في القطاع خلال الحرب، لتكون شهادة حية على قدرة الإنسان على التفوق رغم أصعب الظروف.

ريم الجزار خلال إعدادها رسالة الماجستير
ريم الجزار خلال إعدادها رسالة الماجستير

نزوح 11 مرة.. والطموح لا ينزح

منذ اندلاع الحرب، نزحت "ريم" مع عائلتها إحدى عشرة مرة، باحثة عن مكان آمن يلبي الحد الأدنى من مقومات الحياة، أولى محطاتها كانت مركز إيواء تابع لوكالة الأونروا في مدينة البريج، وهو مدرسة تحولت إلى مأوى للنازحين، حيث عاش نحو 60 شخصا في فصل واحد، ثم جاء النزوح الثاني إلى مركز إيواء في رفح، أعقبته سلسلة من التنقلات بين المخيمات والخيام البدائية في مدينة المواصي جنوب غزة، حيث اضطروا للعيش وسط ظروف قاسية، بعيدًا عن أي مرافق أساسية أو استقرار.

تصوير حياة النزوح مع الباحثة الفلسطينية يكشف قسوة الواقع اليومي، حيث تقول في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": "عندما نضطر للنزوح إلى أرض فارغة، نواجه مخاطر مخلفات عسكرية، وتعبئة المياه، وتنظيف الأرض من الحجارة، والرمال غير المستوية، وكل ذلك تحت توتر دائم وخوف من القصف".

خسائر 733 يوما من الحرب الإسرائيلية على غزة
خسائر 733 يوما من الحرب الإسرائيلية على غزة

خيام وبرد وقصف.. وامرأة تكتب أطروحتها

وتواصل الحديث عن صعوبة الحياة في الخيام :" كانت محاطة بالصعوبات، الطهي على النار بدل الغاز، غسل الملابس يدويًا، ونقل المياه الصالحة للشرب بنفسها، مع الحفاظ على نظافة الخيمة وسط برد الشتاء القارس".

الباحثة ريم الجزار
الباحثة ريم الجزار

ريم الجزار.. أول رسالة ماجستير تُكتب تحت النار

لكن التحديات المعيشية لم تمنع ريم الجزار من متابعة حلمها الأكاديمي، ففي أحد أيام النزوح، استحضرت الباحثة شجاعتها لتتواصل مع مدير مركز الإيواء وتطلب دعمًا بسيطًا: "كنت أدرس الماجستير من رام الله، وأتممت جميع المواد، وبقيت الرسالة فقط، طلبت منه توفير الإنترنت وشحن الكهرباء لجهازي لأتمكن من استكمال الكتابة"، وهكذا، استطاعت بمساعدة بسيطة أن تتغلب على عقبات الإنترنت المتقطع وانقطاع الكهرباء، لتواصل مسيرتها الأكاديمية وسط الحرب.

غلاف رسالة الماجستير
غلاف رسالة الماجستير

ضحايا العملية التعليمية

وكشفت إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في 5 أكتوبر، ضحايا العملية التعليمية، مؤكدة أن 95% من مدارس القطاع لحقت بها أضرارا مادية نتيجة القصف والإبادة، و90% من المباني المدرسية تحتاج إلى إعادة بناء أو تأهيل رئيسي، وهناك 668 مبنى مدرسيا تعرض لقصف مباشر بواقع 80% من إجمالي المدارس.

ضحايا العملية التعليمية في غزة
ضحايا العملية التعليمية في غزة

وأشارت الإحصائيات إلى أن هناك 165 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية دمرها الاحتلال كليا، و392 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية تضررت بشكل جزئي، وأكثر من 13500 طالب شهيد بسبب الحرب، وأكثر من 785 ألف طالب حرمتهم إسرائيل من التعليم، وأكثر من 830 معلم وكادر تربوي قتلتهم تل أبيب، بجانب استشهاد 193 عالما وأكاديميا وباحثا خلال العدوان.

جانب من ضحايا العملية التعليمية في غزة
جانب من ضحايا العملية التعليمية في غزة

بين ركام المنازل وأوراق البحث العلمي

تحديات الباحثة الفلسطينية لم تقتصر على النزوح وصعوبة الحياة اليومية، بل امتدت لتشمل صعوبات تقنية وعلمية، موضحة: "كنت أسير مسافات طويلة للحصول على الكهرباء لشحن اللاب توب، وأحيانًا أكتب رسالتي ذهنيًا حتى أستطيع تفريغها لاحقًا على الجهاز".
تروي ريم الجزار كيف تغلبت على أزمة انقطاع الإنترنت بشكل مستمر:" مع انقطاع الإنترنت الذي فرضه الاحتلال على غزة، لجأت إلى صديقتها في الضفة الغربية للبحث عن معلومات عاجلة لدعم رسالتها، في تعاون علمي استثنائي عبر الهاتف وسط الحرب".

خسارات موجعة… والبحث يتحول إلى فعل مقاومة

القصف لم يرحم عائلتها، فقد فقدت معظم أفراد أسرتها في إحدى الغارات على منزلهم، حيث استشهد شقيقها الصغير عبد الرحمن، وأخيها الكفيف يوسف، وزوجة شقيقها محمد وأبناؤه، وعائلة عمها بأكملها، بينما نجا شقيقها محمد مصابًا، وتقول بصوت يملؤه الحزن والإيمان: "بعد التيقن من الخبر، قمت وسجدت لله سجود حمد على هذا المصاب، وحاولت شرب الماء لكن شعرت بثقل الكأس، وكأنني أحمل شيئًا لا يمكن رفعه".

عندما تصبح المعرفة وسيلة للبقاء

ورغم كل هذه الصعوبات، لم تتوقف ريم عن كتابة رسالتها، التي بدأت قبل الحرب، وأكملت فيها جميع متطلبات الماجستير في التربية الخاصة، وطبقت أدوات البحث على محافظات غزة الخمسة، لتبقى الخطوة الأخيرة وهي كتابة الأطروحة ومناقشتها، وفي الخيام، استخدمت "ريم" كل الوسائل الممكنة، إضاءة شاشة اللابتوب والكيبورد ليلاً، الكتابة الذهنية، واستعانة بأجهزة أفراد الأسرة بعد تعطل هاتفها المحمول بسبب المطر، وحرصت على استكمال الرسالة رغم برد الشتاء القارس داخل الخيمة.

جانب من رسالة الماجستير
جانب من رسالة الماجستير

مساعدتي الحقيقية هي رسالتك

الدعم الأسري كان عاملًا رئيسيًا في مسيرة الباحثة الفلسطينية، قائلة: "والدتي كانت تشجعني دائمًا على التركيز على الرسالة وترك أعباء الخيمة لها، وكانت تقول لي "مساعدتك الحقيقية هي كتابة الرسالة، وهي أعظم هدية تستطيعين تقديمها لي"، وكان هذا الدعم المعنوي وقوة الإرادة سببًا رئيسيًا لاستمرار "ريم" في كتابة أطروحتها رغم كل الظروف القاسية المحيطة.

العمل البحثي لم يكن سهلاً أيضًا بسبب محدودية المصادر، فقد أوقف الاحتلال سيرفرات وزارة التنمية الاجتماعية، مما منع الوصول إلى بيانات الأشخاص ذوي الإعاقة والخدمات المقدمة لهم، لكن "ريم" واجهت هذا التحدي بإجراء لقاءات مباشرة مع مدير دائرة إدراج الأشخاص ذوي الإعاقة، لتكون بياناته بديلة لمصدر الوزارة، وهكذا، حولت الحرب العقبات إلى فرص للتواصل المباشر وجمع المعلومات، مؤمنة أن المعرفة تحتاج إلى عزيمة وصبر.

جرائم الاحتلال على غزة
جرائم الاحتلال على غزة

أطروحة من قلب الحرب

رحلة ريم الجزار تعكس صمود المرأة الفلسطينية وقدرتها على مواجهة أصعب الظروف، رسالة الماجستير التي أنهتها خلال الحرب لم تكن مجرد إنجاز أكاديمي، بل شهادة حية على الإصرار، وعلى أن الإنسان قادر على مواصلة العلم والإبداع حتى وسط الصراعات والألم الشخصي والفقدان، فهذه الرسالة لم تكن فقط إنجازًا علميًا، بل أيضا رمزًا للصبر الجميل والثبات أمام الكارثة.

قصة ريم الجزار مثال حي على أن الأمل والمعرفة يمكن أن يزهران حتى في أصعب اللحظات، حيث استطاعت وسط الدمار والخسارة، أن تمنح نفسها فرصة للتعلم وتحقيق الحلم الأكاديمي، لتثبت أن الإرادة والعزيمة أقوى من كل الحصار والقصف والفقدان.

اليوم، ريم الجزار ليست مجرد باحثة أكملت رسالة الماجستير، بل رمز للصمود الفلسطيني، وقصة تلهم كل من يعتقد أن الظروف القاسية تمنع تحقيق الأحلام، قصتها تذكر العالم أن العلم والمعرفة لا يعرفان الحدود، والإصرار والالتزام يمكن أن يحول الألم والخسارة إلى إنجاز وتفوق، حتى في أصعب البيئات.

في النهاية، رسالة الباحثة الفلسطينية ليست مجرد أطروحة ماجستير مكتوبة على الورق، بل شهادة حية على قدرة الإنسان على مواجهة الألم والفقدان، واستمرار الحياة والتعليم، وإشعال شعلة الأمل في قلب غزة الذي يعرف الحرب والدمار، ولكنه يظل ينبض بالعزيمة والإبداع والصمود.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب