فى ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة الموافق 13 يونيو 2025 تحولت حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى هجوم غير مسبوق نفذته تل أبيب ضد طهران، اندلعت على إثره حرب استمرت لمدة 12 يومًا، شاركت فيها الولايات المتحدة لفترة وجيزة عبر توجيه ضربات إلى ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية.
حرب قلبت موازين المنطقة في 2025
هذه الحرب كانت من أبرز أحداث عام 2025 التي قلبت موازين المنطقة.. بدأت إسرائيل الحرب بضربات جوية دقيقة اغتالت فيها مسئولين عسكريين إيرانيين، ما دفع إيران إلى الرد بضربات صاروخية في حرب أدخلت العالم في دوامة من التصعيد.
وقد أشعلت إسرائيل فتيل الحرب بتنفيذ عملية عسكرية كبيرة ومنَسَقة تحت اسم «الأسد الصاعد» شاركت فيها أكثر من 200 طائرة حربية، بما في ذلك مقاتلات "إف-35" نفذت خلالها خمس موجات من الغارات الجوية على نحو مائة هدف داخل إيران لشل البرنامج النووي الإيراني.
اغتيالات وضربات لمنشآت نووية إيرانية
وقد أسفر هذا الهجوم، خلال اليوم الأول من الحرب، عن اغتيال نحو عشرين شخصًا من كبار ضباط الحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية، بينهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، وعلماء ، بالإضافة إلى إلحاق أضرار بمنشآت نووية رئيسية بما في ذلك منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، فضلًا عن تدمير مراكز تصنيع الصواريخ البالستية وقواعد إطلاقها ومنشآت إنتاج الطائرات المسيّرة.
وأدرك المسئولون الأمنيون الإسرائيليون أهمية القضاء على العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني، وهو جيل كامل من المهندسين والفيزيائيين الإيرانيين الذين تعتقد أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية أنهم يعملون على الجوانب المعتمة لتحويل المواد النووية الانشطارية إلى قنبلة ذرية.
عملية نارنيا واغتيال العلماء النوويين
وفي الدقائق الأولى من حرب إسرائيل، انطلقت «عملية نارنيا»، الحملة التي استهدفت كبار العلماء النوويين الإيرانيين، إذ استهدفت الضربات الإسرائيلية الفيزيائي وخبير المتفجرات الإيراني محمد مهدي طهرانجي، داخل شقته بطهران في مبنى يُعرف باسم مجمع الأساتذة.
وبعد ساعتين، قُتل فريدون عباسي، الفيزيائي النووي الذي سبق أن ترأس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في ضربة أخرى بطهران، لتغتال إسرائيل بذلك 11 عالمًا نوويًا إيرانيًا بارزًا في 13 يونيو والأيام التي تلت ذلك.
وكشفت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية مؤخرًا أنه في إطار عملية نارنيا، أعد محللو الاستخبارات الإسرائيلية قائمة بأهم 100 عالم نووي في إيران، ثم جرى تقليصها إلى نحو 12 هدفًا، وتم إعداد ملفات تفصيلية عن عمل كل شخص وتحركاته ومنزله اعتمادًا على عقود من العمل الاستخباراتي.
مخاوف أمريكية وإسرائيلية من تسريع البرنامج النووي
وابتداء من عام 2023، جمعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) معلومات تفيد بأن باحثين يعملون في وحدة بحثية سرية تخضع مباشرة لوزارة الدفاع الإيرانية تُعرف باسم "سبند" كانوا يستكشفون طرقًا لتسريع بناء سلاح نووي في حال قرر المرشد الإيراني علي خامنئي التراجع عن فتواه الصادرة عام 2003 التي تحظر الأسلحة النووية.
لكن بحلول ربيع 2025، لم يعد المحللون الإسرائيليون واثقين من أن خامنئي سيعلن عن تراجعه عن الفتوى، أو أنهم سيتمكنون من اكتشاف ذلك في الوقت المناسب إذا بدأت إيران تجميع سلاح نووي.
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وشرارة الهجوم
وفي 12 يونيو، عشية عملية الأسد الصاعد، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران انتهكت التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي وهو أول توبيخ من هذا النوع منذ 20 عامًا، وهو القرار الذي استُخدم ذريعةً لهجوم إسرائيل على إيران فجر 13 يونيو الماضي.
وفي مساء 13 يونيو الماضي، ردت إيران على العملية الإسرائيلية بعملية عسكرية أطلقت عليها "الوعد الصادق 3"، حيث أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن طهران أطلقت حوالي 800 مسيّرة وصاروخ كروز نحو إسرائيل، استهدفت خلالها مواقع عسكرية واستخباراتية وسكنية، كما أطلق الإيرانيون نحو 450 صاروخا باليستيا على إسرائيل مما أسفر عن مقتل 28 إسرائيليا وجنديا واحدا، وإصابة 3238 آخرين.
ودفعت هذه الضربات نحو 15 ألف شخص لإخلاء بيوتهم بسبب أضرار الحرب، وقد تلقت الحكومة 30 ألف طلب تعويض، وقدرت الأضرار بـ1.32 مليار دولار.
استهداف منشآت حيوية إسرائيلية
وقد طالت الضربات الإيرانية معهد وايزمان للعلوم ومصفاة النفط في حيفا ومستشفى سوروكا والبنية التحتية لشبكة الكهرباء في أشدود وعسقلان.
وتجدر الإشارة إلى أن الهجمات الإسرائيلية بدأت قبل انعقاد جولة المفاوضات المتفق عليها بين إيران والولايات المتحدة في مسقط يوم الأحد 15 يونيو 2025، غداة انتهاء مهلة الشهرين التي قد حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي.
وترى إسرائيل أن إيران تشكل تهديدًا على وجودها، ولتبرير هجمات يونيو الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطاب تلفزيوني، في اليوم الأول من تنفيذ الضربات الجوية، قبل لحظات، أطلقت إسرائيل عملية الأسد الصاعد، وهي عملية عسكرية مُحددة الهدف لدحر التهديد الإيراني الذي يُهدد وجود إسرائيل.. ستستمر هذه العملية لأيام عديدة لإزالة هذا التهديد.
وبلغ الصراع ذروته حين أقدمت الولايات المتحدة على شن هجوم مباغت على المنشآت النووية الإيرانية (فوردو ونطنز وأصفهان) في 22 يونيو الماضي. وقد دفع هذا التحول النوعي إيران إلى الرد بشكل مباشر، ليس ضد أهداف إسرائيلية وحسب، بل ضد قواعد أمريكية في المنطقة، أبرزها قاعدة العديد في قطر.
وقف إطلاق النار بعد 12 يومًا من القتال
وبعد 12 يومًا من المواجهة العسكرية المكثفة بين إسرائيل وإيران، تدخلت الولايات المتحدة بمساعدة قطر لوقف إطلاق النار، ووضع نهاية للحرب، لكن من دون اتفاق بين طرفي القتال الرئيسيين يحدد مسارًا واضحًا لتسوية دائمة، وقد دخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ في صباح 24 يونيو الماضي.
ورغم سريان وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران، إلا أن إسرائيل لوحت بإمكانية اندلاع حرب جديدة، إذ حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، مطلع الأسبوع الجاري، من أن الجيش سيشن هجمات على أعداء إسرائيل "في كل مكان تدعو الحاجة إليه، سواء على الجبهة القريبة أو البعيدة"، ملمحًا بشكل واضح إلى أن إسرائيل قد تضطر إلى شن هجمات جديدة على إيران.
وقال زامير إن حملة إسرائيل ضد إيران تأتي في قلب أطول وأعقد حرب في تاريخ تل أبيب..إيران هي التي تمول وتسلح حلقة الخنق حول إسرائيل وتقف وراء خطط تدميرها.
وحذر مسئولون إسرائيليون الإدارة الأمريكية من أن المناورات الصاروخية التي تجريها إيران قد تكون استعدادات لشن هجوم على إسرائيل، حسبما قالت مصادر إسرائيلية وأمريكية مطلعة لموقع (أكسيوس) الأمريكي الاثنين الماضي.
وقال مصدر أمريكي لـ(أكسيوس) إن الاستخبارات الأمريكية لا يوجد لديها أي مؤشرات حاليًا على وقوع هجوم إيراني وشيك، فيما أخبر زامير قائد القيادة المركزية الأمريكية الأدميرال براد كوبر بأن التحركات الصاروخية الإيرانية الأخيرة وغيرها من الخطوات العملياتية قد تكون أيضا غطاء لهجوم مفاجئ، داعيًا القوات الأمريكية والإسرائيلية إلى التنسيق الوثيق في الاستعدادات الدفاعية.
خطر اندلاع مواجهة جديدة في المنطقة
إن الخطر الأكبر يكمن في اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وإيران نتيجة لسوء تقدير من كلا الجانبين، حيث يعتقد كل طرف أن الطرف الآخر يخطط للهجوم ويحاول استباقه.
وذكرت مصادر إسرائيلية أن نتنياهو يعتزم مناقشة جهود إيران لإعادة بناء قدراتها في مجال الصواريخ الباليستية وإمكانية شن ضربة أخرى ضدها في عام 2026 خلال لقائه المرتقب مع ترامب الاثنين المقبل في مدينة ميامي الأمريكية.