الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»: القيادة السياسية لن تفرط في نقطة مياه واحدة.. والأمن المائي واجب وطني ومسؤولية جماعي

السبت، 20 ديسمبر 2025 07:35 م
الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»: القيادة السياسية لن تفرط في نقطة مياه واحدة.. والأمن المائي واجب وطني ومسؤولية جماعي الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»

أجرى الحوار - دينا الحسيني - تصوير - دينا روميه

​نقلا عن صوت الأمة

 

المشروعات القومية خط الدفاع الأول عن أمننا المائى.. والمنظومة المائية قادرة على امتصاص صدمات سد النهضة
 

اتفاقيات النيل ليست "إرثاً استعمارياً" وشملت ترسيم للحدود.. وأديس أبابا وقّعتها بمحض إرادتها
 

الالتزام الإثيوبي بالقانون الدولي ضعيف.. وغياب الإرادة السياسية وعشوائية التخطيط حال دون الوصول لاتفاق شامل وملزم
 

سد النهضة تسبب في خلق فيضانات ويهدد الاستقرار المائي للسودان.. ومفيض توشكى أداة أمان استراتيجي
 

السياسات المائية المصرية مرنة وواقعية وقادرة على حماية حقوقنا.. وتبطين الترع أنقذنا من أزمات مائية كانت مؤكدة
 

القاهرة دعمت مشروعات التنمية في حوض النيل ورفضت فقط الإضرار بحقوق دول المصب.. والتعاون لا ينجح دون الاعتراف بالحقوق التاريخية
 

سد «جوليوس نيريري» التنزانى نموذج واضح للدعم المصرى لمشروعات السدود والتنمية في أفريقيا طالما لا تُلحق ضررًا بدول أخرى
 

نظم الري الحديث ثورة حقيقية وخفضت التكلفة الكلية على المزارعين.. ومحطات المعالجة ساعدت في تنفيذ المشروعات الزراعية الكبرى
 

تظل قضية الأمن المائي في مصر قضية وجودية بامتياز، تمس صميم الحياة والتنمية لنحو 106 ملايين نسمة. ومع الاعتماد شبه الكامل على نهر النيل، تأتي التحديات الإقليمية لتضع السياسات المائية المصرية على المحك، لاسيما في ظل التعقيدات التي فرضها ملف سد النهضة الإثيوبي والإجراءات الأحادية المتكررة التي تقوم بها أديس أبابا في تحد واضح للقواعد والقوانين الدولية خاصة تلك الحاكمة للأنهار.

وفي خضم هذه التحديات، تبرز جهود الدولة المصرية على مسارين متوازيين لا يفترقان: مسار داخلي يهدف إلى ترشيد الموارد وتعظيم كفاءة استخدام المياه عبر مشروعات قومية عملاقة، ومسار خارجي يؤكد على الثوابت المصرية المتمثلة في الحفاظ على حقوقها المكتسبة، والسعي للتعاون الجماعي العادل والمستدام مع دول حوض النيل.

وتؤكد القاهرة دائماً أن أي منشآت على النهر يجب أن تتم في إطار اتفاق ملزم يحقق المنفعة للجميع دون إلحاق ضرر جسيم بدولتي المصب. وتجسد هذه الثوابت الموقف الواضح الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً بأن الدولة لن تتخلى عن حقها في قطرة مياه واحدة، وأن الأمن المائي خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

للغوص في أعماق هذه السياسات، استضافت "صوت الأمة" الدكتور محمد عبد العاطى، وزير الموارد المائية والري السابق، الذي تولى مهام الوزارة في فترة حساسة بين مارس 2016 وأغسطس 2022. ويعد بخلفيته الأكاديمية والخبرة الطويلة في إدارة موارد النيل، أحد أبرز الوجوه التي قادت المفاوضات والملف الفني خلال ذروة أزمة سد النهضة.

وفي هذا الحوار، نتعرف على رؤية مصر في إدارة ملف المياه، والسياسات المائية التي اتبعتها لمواجهة التحديات الإقليمية، وحرصها على الأمن المائي، والتعاون مع دول حوض النيل.

الحوار مع الدكتور محمد عبد العاطى، يأتي في وقت حساس، حيث تواصل مصر تعزيز جاهزيتها لمواجهة أي تقلبات في موارد نهر النيل، وتطوير مشروعات كبرى مثل تبطين الترع، نظم الري الحديث، ومحطات معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، بالتوازي مع جهودها الدبلوماسية للتعاون مع دول حوض النيل، بما فيها إثيوبيا والسودان، للتأكيد على الثوابت المصرية في إدارة مياه النهر وضمان حقوقها التاريخية.

 

وإلى نص الحوار..

في البداية كيف تقيّمون السياسات المائية المصرية في ظل التحديات الإقليمية الحالية، خاصة مع اعتماد مصر شبه الكامل على نهر النيل؟

السياسات المائية المصرية مرنة وديناميكية وواقعية، لأنها انطلقت من إدراك واضح لحقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن الموارد المائية لمصر شبه ثابتة، في حين أن الطلب عليها يتزايد بشكل مستمر نتيجة النمو السكاني والتوسع العمراني والزراعي. لذلك، كان التوجه الاستراتيجي للدولة بتوجيه مباشر من القيادة السياسية هو تعظيم إنتاجية كل نقطة مياه وليس البحث عن موارد غير موجودة.

ونجاح هذه السياسات يظهر في قدرة المنظومة المائية على امتصاص أغلب المخاطر والتقلبات، سواء من عمليات الملء الأحادي لسد النهضة أو أي تغييرات مفاجئة في إيراد النهر. وهنا الدولة لم تكتفِ بالتفاوض، بل نفذت مشروعات قومية ضخمة ضمن الخطة القومية للمياه 2017 -2037 بتكلفة 45 مليار دولار لإعادة تشكيل إدارة المياه، وجعلت كفاءة الاستخدام في مصر من بين الأعلى على مستوى أفريقيا والعالم.

والرئيس عبد الفتاح السيسي أكد أكثر من مرة أن الأمن المائي قضية وجود لا تقبل المساومة، وأن الدولة تتحرك على كل المحاور الداخلية والخارجية في وقت واحد، حفاظاً على حق المواطن في المياه.

 

إلى أي مدى ساهمت الاتفاقيات التاريخية بين مصر ودول الحوض في ضمان الأمن المائي، وهل هناك حاجة لتحديثها؟

الاتفاقيات التاريخية، مثل اتفاقية 1902، 1929، 1959، 1993، لم تكن مجرد نصوص قانونية، بل شكلت إطاراً سياسياً وتنموياً سمح بتنفيذ عشرات المشروعات الكبرى مثل سدود أوين، جبل أولياء، رصيرص، سنار، مروي، وخشم القربة، وهذه الاتفاقيات وفرت استقراراً مائياً لعقود طويلة، وضمنت حقوقاً مكتسبة واستخدامات قائمة لمصر والسودان.

وتحديث الاتفاقيات لا يعني إلغاؤها، بل تطوير آليات التعاون بما يتناسب مع متغيرات العصر، بشرط الاعتراف الكامل بالحقوق التاريخية والمكتسبة وعدم الإضرار بدول المصب، المشكلة الأساسية تكمن في غياب الإرادة السياسية لدى بعض الأطراف لاحترام قواعد القانون الدولي، وليس في نصوص الاتفاقيات نفسها.

لكن دول المنبع خاصة اثيوبيا تتحجج بأن هذه الاتفاقيات خاصة المتعلقة بالحقوق المكتسبة للمياه جاءت في حقبة استعمارية وطالبوا بإلغائها ؟

تتحجج بعض دول المنبع، وعلى رأسها إثيوبيا، بأن الاتفاقيات المنظمة لمياه النيل، خاصة المتعلقة بالحقوق المكتسبة، تعود إلى حقبة استعمارية وتطالب بإلغائها. غير أن هذا الطرح يتسم بالانتقائية، إذ إن هذه الاتفاقيات شملت أيضًا ترسيم الحدود، وبموجبها أُنشئت سدود ومشروعات لم يتم الاعتراض عليها.

ويظل التساؤل المطروح: إذا كانت إثيوبيا ترفض هذه الاتفاقيات بدعوى استعمارية، فهل تقبل بإعادة إقليم بني شنقول إلى السودان، وهو جزء من الاتفاقيات نفسها؟!. خاصة أن إثيوبيا وقّعت هذه الاتفاقيات بإرادتها الكاملة، ولم تكن خاضعة للاستعمار وقتها.

وفي سياق متصل، يبرز تناقض واضح في المواقف؛ فمصر تقدمت عام 2008 بمبادرات تنموية على النيل الأزرق نيابة عن دول الحوض، وخلال إعداد دراساتها أعلنت إثيوبيا بشكل أحادي عن مشروع سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب، في خروج واضح عن مسار التعاون المتفق عليه، وهو ما يؤكد أن المشكلة لم تكن يومًا في التنمية، بل في الإجراءات الأحادية التي تضر بدولتي المصب.

 

قبل أزمة سد النهضة، كيف كانت مصر تُدير ملف مياه النيل، وما الذي تغيّر بعد طرح المشروع الإثيوبي؟

قبل مشروع سد النهضة، كانت إدارة مياه النيل تعتمد على معاهدات واضحة ونظام فيضان سنوي منتظم، مما سمح للبنية التحتية المصرية بالتعامل مع التدفقات بكفاءة واستقرار.

مع مشروع سد النهضة، أصبح إيراد النهر غير منتظم نتيجة غياب التنسيق بين السدود، مما خلق فيضانات صناعية وجفافاً صناعياً في فترات متقاربة، يهدد الاستقرار المائي، خاصة في السودان.

واستجابت مصر بتنفيذ مشروعات ضخمة مثل السد العالي، القناطر الكبرى، وتبطين الترع، لضمان ترشيد المياه والتعامل مع هذه التقلبات، مؤكدة أن الأمن المائي يبدأ من الداخل قبل أي تفاوض خارجي.

 

وزارة الموارد المائية والري كشفت بالأرقام استمرار النهج الأحادي لإدارة سد النهضة، بما في ذلك تصريف مفاجئ لما يقارب 2 مليار م3 من البحيرة في سبتمبر الماضي، وتصريفات تجاوزت المتوسط التاريخي بنسبة 80% في نوفمبر.. كيف تقرأ هذه الأرقام وما انعكاسها على الأمن المائي لمصر؟

هذه البيانات تعكس نمط إدارة أحادي وغير منضبط لسد النهضة، ويشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي، على سبيل المثال، خلال سبتمبر تم تصريف نحو 2 مليار م3 بشكل مفاجئ، مع انخفاض منسوب البحيرة بمتر كامل، التصريفات تضمنت 485 مليون م3 في 10 سبتمبر، وزيادات وصلت 780 مليون م3 في 27 سبتمبر، ثم انخفاض إلى 380 مليون م3 في 30 سبتمبر.

كيف تعاملت مصر دبلوماسياً مع إثيوبيا منذ الإعلان عن سد النهضة، ولماذا تمسكت القاهرة بخيار التفاوض لأطول فترة ممكنة؟

مصر اتبعت سياسة دبلوماسية واضحة وصبورة مع إثيوبيا، حيث تمسكت بالتفاوض لأطول فترة ممكنة لضمان حقوقها التاريخية والثابتة في مياه النيل، على الرغم من الإجراءات الأحادية المتكررة من الجانب الإثيوبي. اتفاق إعلان المبادئ 2015 كان أداة تفاوضية هامة، هدفها تأمين مصالح مصر، دون التنازل عن أي حق أو التفريط في الأمن المائي الوطني.

وحرصت القاهرة على تقديم مقترحات متوازنة لحل النزاعات، بما يحقق مصالح جميع الأطراف، لكن غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا حال دون الوصول إلى اتفاق شامل وملزم، هذا الموقف يعكس التزام مصر بالقانون الدولي وحقوقها التاريخية، مع الاستمرار في البحث عن حلول تفاوضية عملية وعادلة.

يروج البعض أن مصر وقفت حائلًا أمام المشروعات التنموية في إثيوبيا، وخاصة مشروع سد النهضة، كيف تردون على هذا الطرح؟

لم تقف مصر في أي مرحلة موقفًا معاديًا للمشروعات التنموية بدول حوض النيل، بل على العكس، كانت دائمًا داعمة لأي مشروعات تحقق التنمية المشتركة شريطة الالتزام بالقواعد الفنية والقانونية وعدم الإضرار بدول المصب، وفي هذا السياق، توجه وفد وزاري مصري إلى إثيوبيا عام 2010 برئاسة الدكتور عصام شرف، في إطار الانفتاح على الحوار الفني، وتم تشكيل لجنة دولية من الخبراء لمراجعة الدراسات الخاصة بمشروع سد النهضة.

خلصت اللجنة إلى أن الدراسات المقدمة من الجانب الإثيوبي كانت منقوصة ولا ترقى إلى المعايير الفنية المتعارف عليها دوليًا، وهو ما عكسه تعليق أحد الخبراء الفرنسيين المشاركين في اللجنة، حين قال: "لو كنت أبني عمارة في باريس، لأعددت لها دراسات أفضل من الدراسة التي قدمتها إثيوبيا لإنشاء سد النهضة".

هذا التقييم الفني المبكر أكد أن المشكلة لم تكن يومًا في مبدأ التنمية، بل في عشوائية التخطيط وغياب الدراسات المتكاملة، وما يترتب على ذلك من مخاطر حقيقية وأضرار جسيمة محتملة على مصر والسودان، وهو ما يفسر تمسك القاهرة بالتفاوض القائم على أسس علمية وقانونية واضحة منذ اللحظة الأولى.

علاوة على ذلك، فإن الدور المصري في دعم مشروعات التنمية داخل القارة الأفريقية يُعد دليلًا عمليًا على أن القاهرة لم تكن يومًا معرقلة للتنمية، بل شريكًا فاعلًا فيها. فقد شاركت مصر في عدد من المشروعات التنموية الإقليمية، من بينها مشروع ممر التنمية الملاحي «بحيرة فيكتوريا – البحر المتوسط»، والذي تعمل على تنفيذه وزارة النقل المصرية، إلى جانب مشروعات الربط الكهربائي وشبكات السكك الحديدية التي تستهدف ربط دول حوض النيل ببعضها البعض، بما يعزز التكامل الاقتصادي والتنمية المشتركة.

كما يبرز مشروع سد «جوليوس نيريري» في تنزانيا كنموذج واضح على دعم مصر لمشروعات السدود والتنمية في أفريقيا، طالما لا تُلحق ضررًا بدول أخرى. وهو ما يؤكد أن الموقف المصري ثابت في جوهره، ويتمثل في دعم التنمية بدول القارة، بشرط ألا تأتي على حساب الإضرار بدول المصب، وفي مقدمتها مصر والسودان.

 

كيف تقيم التزام إثيوبيا بالقواعد الدولية للأنهار ومبدأ عدم التسبب في ضرر جسيم لدول المصب؟

الالتزام الإثيوبي بالقانون الدولي ضعيف، حيث إن قواعد الأنهار الدولية تشدد على عدم التسبب في ضرر جسيم لدول المصب والالتزام بالتعاون والشفافية في إدارة المياه. التجارب على الأرض تظهر أن الإجراءات الأحادية لإثيوبيا مثل التصريفات المفاجئة وعدم الالتزام بالاتفاقيات الفنية تؤكد غياب الالتزام بهذه المبادئ، ما يفرض على مصر استمرار اليقظة وتطوير أدواتها الداخلية والخارجية لحماية حقوقها.

 

إلى أي مدى أثّرت الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل على تماسك مبادرة حوض النيل، ولماذا تحفّظت مصر والسودان على الانضمام إليها؟

الاتفاقية الإطارية "اتفاق عنتيبى" أثرت سلباً على تماسك مبادرة حوض النيل، والمبادرة كانت من المفترض أن تكون أداة فعالة للتعاون بين دول الحوض، لكن لم تُفعّل بالشكل المطلوب بسبب الانقسامات الداخلية والتحريض الإثيوبي ضد آليات التعاون، لأن هناك بنودًا خلافيه مثل عدم الاعتراف بالحقوق المكتسبة والاستخدامات الحالية للمياه، وبند التصويت بالأغلبية بدلاً من الإجماع، وغياب الإخطار المسبق في حالات التغييرات، هذه النقاط تجعل مصر والسودان غير قادرين على الانضمام إليها دون التأكد من حماية مصالحهما وحقوقهما التاريخية.

 

 

هل يمكن لمصر أن تنضم إلى الإتفاقية الإطارية بصيغتها الحالية دون المساس بحقوقها التاريخية؟

من الناحية النظرية، كل شيء ممكن، شرط توافر الجدية في التفاوض بهدف الوصول إلى حلول عادلة تحقق مصالح جميع الأطراف، مع احترام الحقوق التاريخية والمكتسبة لدول المصب وعدم فرض أي إجراء يضر بالأمن المائي المصر والسوداني.

كيف ترون مستقبل التعاون المائي في الحوض: عبر مفوضية موحدة أم عبر أطر ثنائية ومتعددة الأطراف؟

مستقبل التعاون يعتمد على إرادة سياسية حقيقية، سواء من خلال مفوضية موحدة أو أطر ثنائية ومتعددة الأطراف، بشرط أن تكون هناك آليات واضحة لتبادل المنافع وتحقيق الأمن المائي الإقليمي. مصر تعمل على تعزيز إنتاجية نقطة المياه لديها، وتقديم خبرتها لدول الحوض في مجالات التدريب على إدارة المياه، تطبيق نظم الري الحديث، مشاريع الملاحة النهرية، وربط البنية التحتية بين الدول لتحقيق التنمية المشتركة. التعاون المستقبلي يجب أن يرتكز على العدالة والاعتراف بالحقوق المكتسبة لجميع الدول، مع التركيز على التنمية المشتركة التي تحقق مصالح الجميع، بما يضمن الاستقرار المائي والسياسي في المنطقة.

 

هل فتح مفيض توشكى دليل على جاهزية المنظومة المائية المصرية؟

بالتأكيد، مفيض توشكى هو أداة أمان استراتيجي، وفتحه يعكس جاهزية عالية وقدرة على اتخاذ قرارات استباقية لحماية المنظومة المائية بالكامل، وهذا نتيجة استثمارات ضخمة.

 

في ظل التحديات الخارجية والتغيرات المناخية، ما مدى جاهزية البنية التحتية المائية المصرية للتعامل مع التغيرات المفاجأة في الإيراد المائي، سواء بالزيادة أو النقصان؟

المشروعات القومية في مصر خط الدفاع الأول عن الأمن المائي، فهي ليست مجرد مشروعات بنية تحتية، بل أدوات استراتيجية لإدارة المخاطر وتحقيق الأمن المائي على المدى الطويل، هذه المشروعات تشمل تبطين الترع، التحول لنظم الري الحديث، ومحطات معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي. الهدف الأساسي هو زيادة كفاءة المياه، تقليل الفاقد، مواجهة النمو السكاني المستمر، وتأمين مياه الشرب والزراعة والصناعة.

هذه المشروعات تسمح لمصر بالتعامل مع أي تحديات مفاجئة أو أزمات محتملة، سواء بسبب التغيرات المناخية أو الإجراءات الأحادية من دول الحوض، مثل التصريفات المفاجئة لسد النهضة، وتعمل على حماية المواطن والزراعة والبنية التحتية.

ببساطة، يمكن القول إن المشروعات القومية هي خط الدفاع الأول والأهم عن الأمن المائي المصري، لأنها تضع الأسس المادية والعملية التي تجعل الدولة قادرة على مواجهة أي تهديد أو صدمة.

 

إلى أي مدى أسهمت مشروعات التحول إلى نظم الري الحديث في دعم كفاءة استخدام المياه، خاصة في ظل محدودية الموارد المائية؟

نظم الري الحديث هي ثورة حقيقية في تحسين استخدام الموارد المائية، حيث رفعت كفاءة المياه، وزادت الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 30 و40%، وحسنت جودة المحاصيل الزراعية بشكل ملحوظ، كما قللت من فاقد النقل واستخدام الأسمدة والعمالة، وهو ما أسهم في خفض التكلفة الكلية على المزارعين، الري الحديث لا يحسن فقط الإنتاج الزراعي بل يحقق استدامة للموارد المائية، خصوصاً في ظل محدودية المياه في مصر، هذا التحول يتيح تحقيق أقصى استفادة من كل نقطة مياه، ويعزز قدرة الدولة على مواجهة أي تحديات تتعلق بالزيادة السكانية أو التغيرات المناخية أو أي ضغط خارجي على الموارد المائية.

كيف تقييم دور مشروعات معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي مثل محطات المعالجة العملاقة في تعزيز الأمن المائي؟

مشروعات محطات معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي، التي أنشأتها الدولة لعبت دوراً محورياً في دعم الأمن المائي الوطني، وقامت بمعالجة 4.5 مليار متر مكعب سنوياً يضافوا إلى 20 مليار متر مكعب المعاد استخدامهم حاليًا، بإجمالي 24.5 مليار متر مكعب، هذه المياه ساعدت في تنفيذ مشروعات التنمية الكبرى مثل الدلتا الجديدة، بحر البقر، والمحسمة، دون الوقوع في أزمة مياه حقيقية، كما ساعدت على تقليل الضغط على الموارد الطبيعية للمياه العذبة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت هذه المشروعات في إعادة استخدام المياه بكفاءة، وتحسين جودة البيئة المائية، وحماية الأراضي الزراعية من التلوث، وهو ما يعكس تخطيط الدولة المسبق للاستدامة وضمان حقوق الأجيال القادمة في المياه.

 

وماذا عن مشروع تبطين الترع؟

مشروع تبطين الترع هو أحد أهم المشروعات القومية وأكثرها تأثيراً على الأمن المائي والزراعة في مصر،  المشروع قلل الفواقد بشكل كبير، وحسّن توزيع المياه حتى نهايات الترع، مما يضمن عدالة الاستخدام للفلاحين وحماية استقرار الإنتاج الزراعي. كما منع اختلاط المياه العذبة بالمياه المالحة، وقلل استهلاك الوقود، وزاد دخل الفلاحين بنسبة تصل إلى 30% في بعض المناطق. المشروع طبق بنجاح في دول عديدة مثل الهند وأثبت فعاليته في تحسين الأمن المائي وزيادة الإنتاجية الزراعية.

ما الرسالة التي توجهونها للمواطن المصري بشأن أهمية دوره في الحفاظ على المياه؟

نحن نعيش في بلد صحراوي يشقّه نهر النيل، والحفاظ على كل قطرة مياه مسؤولية جماعية. كل مواطن له دور حيوي في ترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد المائية، فالأمن المائي ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل واجب وطني مشترك. الترشيد والوعي المائي واجبان لا يقلان أهمية عن أي معركة تخوضها الدولة لضمان مستقبل الأجيال القادمة، الأمن المائي قضية وجودية تمس صميم حياة المصريين وتنميتهم، والالتزام بالسياسات القومية الداخلية والتعاون الإقليمي هو ما يحافظ على استدامة الموارد ويؤمن مصالح الوطن في الحاضر والمستقبل.

9a226215-e011-4a1b-857f-cda7a7515a3d
 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة