يحتفل العالم في شهر ديسمبر باليوم العالمي للمهاجرين، حيث حكايات أناس حملوا أوطانهم في قلوبهم قبل أمتعتهم في حقائبهم، وقرروا عبور الحدود بحثًا عن مكان للسلام وفرصة للحياة بكرامة. الهجرة ما هي إلا وجوه متعبة وعيون تائهه حزينة تفقد الأمان، فالمهاجرين ليسو أرقامًا في تقارير دولية، بل ملايين البشر يحملون أحلام مؤجلة، لا تسمع من صوتهم سوى الدعاء خوفًا من قسوة الطريق .
ودعت الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة في الاحتفال بهذا اليوم العالمى إلى تسخير قوة الهجرة من أجل تعزيز التنمية المستدامة وبناء مجتمعات أكثر قدرة على الصمود، وهو أمر يبدأ بتحدي الروايات التي تجرد المهاجرين من إنسانيتهم، واستبدالها بقصص التضامن، حيث الاحتفال بطريقتنا الخاصة تحت عنوان "قصتي العظيمة: الثقافات والتنمية"، والذي يبرز كيف تدفع حركة البشر عجلة النمو، وتفيض على المجتمعات ثراء، وتعين الجماعات على أن تتواصل وتتكيف وتشد أزر بعضها بعضا.
تحويلات مالية بالمليارات
وقد أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن ما يقدر بنحو 304 ملايين شخص أي ما يقارب 4% من سكان العالم يعيشون حاليا خارج بلدانهم الأصلية.
وأوضحت المنظمة، أن المهاجرين يساهمون بطرق عديدة في المجتمعات التي يعيشون ويعملون فيها، حيث يجلبون المهارات والإبداع وروح المبادرة التي تعزز الاقتصادات المحلية. ويدعم العمال المهاجرون قطاعات حيوية، من بينها الرعاية الصحية والبناء والزراعة والتكنولوجيا، ويقدمون مساعدة بالغة الأهمية في البلدان التي تعاني من شيخوخة السكان.
وأضافت المنظمة أنه في عام 2024، أرسل المهاجرون ما يقدر بنحو 905 مليارات دولار أمريكي من التحويلات المالية الدولية، ذهب معظمها إلى البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض. وتساعد هذه التحويلات الأسر على تغطية نفقات الغذاء والتعليم والرعاية الطبية، وفي كثير من الحالات تتجاوز قيمة المساعدات الخارجية وتدفقات الاستثمار.
مخاطر وتحديات
كما حذرت المنظمة من أنه رغم كل هذا، فإن الهجرة تواجه تحديات متزايدة. فبحلول نهاية عام 2024، نزح 83.4 مليون شخص داخليا بسبب النزاعات والعنف والكوارث، بينما استمرت حالات الطوارئ الجديدة في دفع المجتمعات إلى ما هو أبعد من قدرتها على التكيف.
وأضافت أنه بينما تتم معظم عمليات الهجرة بأمان وبشكل منتظم، لا يزال العديد من الأشخاص يواجهون مخاطر جسيمة عند عبور الحدود، لا سيما في الأماكن التي تكون فيها المسارات النظامية محدودة. ولفتت المنظمة إلى أن البحر الأبيض المتوسط لا يزال أحد أخطر طرق الهجرة، حيث سُجلت أكثر من 33 ألف حالة وفاة منذ عام 2014.
كرامة المهاجر وحقوقه اللصيقة به ليست محل تفاوض
ومن جانبه، احتفى المجلس القومي لحقوق الإنسان باليوم العالمي للمهاجرين؛ حيث شدد على أن كرامة المهاجر وحقوقه اللصيقة به ليست محل تفاوض أو رهينة لتقلبات السياسة الدولية، ويرى المجلس أن تعاظم الأزمات الاقتصادية والنزاعات المسلحة يفرض على المجتمع الدولي الانتقال من مرحلة التعهدات النظرية إلى حيز التنفيذ الفعلي للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة، مع ضرورة كفالة الحقوق الأساسية للمهاجرين وفي مقدمتها الحق في الحياة والأمان الجسدي والوصول غير المشروط للخدمات الصحية والتعليمية، بعيداً عن سياسات الإقصاء التي باتت تطل برأسها في العديد من مناطق العالم.
إدارة ملف الهجرة واللجوء في مصر تمثل ركيزة هامة في استراتيجية حقوق الإنسان
وأكد المجلس أن إدارة ملف الهجرة واللجوء في مصر تمثل ركيزة هامة في استراتيجية حقوق الإنسان الوطنية، حيث ترفض مصر بشكل قاطع منهجية عزل المهاجرين في مخيمات أو معسكرات مغلقة، وتعتمد بدلاً من ذلك سياسة الإدماج الشامل داخل النسيج المجتمعي، وهو ما يفرض أعباءً جسيمة تضطلع بها الدولة انطلاقاً من التزاماتها الدستورية والدولية، ويشدد المجلس على أن نجاح هذه التجربة يتوقف على وعي المجتمع الدولي بضرورة تقاسم المسؤوليات، ودعم الدول التي تتبنى نماذج إنسانية في الاستضافة خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على الموارد والبنية التحتية، مؤكداً على أهمية تعزيز التشريعات الوطنية التي تضمن حماية العمالة المهاجرة وتمنع كافة صور الاستغلال أو الاتجار بالبشر تحت أي مسمى.
قضية الهجرة هي اختبار حقيقي لمدى جدية النظام الدولي معايير حقوق الإنسان
وأكد السفير الدكتور محمود كارم رئيس المجلس أن قضية الهجرة هي اختبار حقيقي لمدى جدية النظام الدولي في تطبيق معايير حقوق الإنسان دون ازدواجية، مشيراً إلى أن ما تقدمه مصر لأكثر من تسعة ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون بحرية كاملة فوق أراضيها هو تجسيد عملي لمفهوم المواطنة الإنسانية، الذي يتجاوز حدود الجنسية أو الهوية.
وأضاف كارم أن المجلس يتابع ببالغ الاهتمام مخرجات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ويحث الأطراف الدولية والشركاء التنمويين على ضرورة خلق مسارات شرعية للهجرة تحد من مخاطر الهجرة غير النظامية وتضمن للمهاجر بيئة عمل عادلة تحترم آدميته، مؤكداً أن الاستثمار في المهاجر هو استثمار في التنمية والسلم الدولي، وأن أي مقاربات أمنية بحتة لا تستصحب معها البعد الحقوقي ستظل قاصرة عن إيجاد حلول مستدامة لهذه الظاهرة الإنسانية العالمية.
وشدد المجلس على تجديد التزامه بمراقبة وتطوير حالة حقوق المهاجرين داخل مصر، ومواصلة التنسيق مع المؤسسات الوطنية والدولية لضمان تذليل كافة العقبات التي قد تحول دون تمتع المهاجر بحقوقه كاملة، معتبراً أن الاحتفاء بهذا اليوم هو دعوة مفتوحة للتضامن الإنساني العابر للحدود، وللتأكيد على أن الهجرة كانت وستظل رافداً من روافد التنوع الثقافي والازدهار الاقتصادي العالمي إذا ما أُديرت بعدالة وإنصاف.