تشهد فنزويلا خلال الأيام الأخيرة تصعيدًا سياسيًا ودبلوماسيًا لافتًا، أعادها إلى صدارة المشهد الدولي، بعد مصادرة ناقلة نفط فنزويلية وما تبع ذلك من احتجاجات شعبية، وتوتر متزايد مع الولايات المتحدة، إلى جانب تحركات للمعارضة وتأكيد الحكومة على تحالفاتها الإقليمية وشالدولية.
أزمة ناقلة النفط تشعل الشارع
الحدث الأبرز تمثّل في مصادرة ناقلة نفط فنزويلية من قبل الولايات المتحدة، وهي خطوة وصفتها حكومة الرئيس نيكولاس مادورو بأنها قرصنة دولية وانتهاك صارخ للقانون الدولي. الناقلة، بحسب تقارير، كانت تنقل شحنات نفط تُعد شريانًا حيويًا لفنزويلا وحلفائها، خصوصًا كوبا التي تعتمد بدرجة كبيرة على النفط الفنزويلي.
وردًا على ذلك، خرج أنصار التيار التشافيزي في مظاهرات حاشدة في العاصمة كاراكاس ومدن أخرى، رافعين شعارات تندد بالسياسات الأمريكية وتؤكد السيادة الوطنية وحق فنزويلا في مواردها الطبيعية، المتظاهرون اعتبروا أن مصادرة الناقلة جزء من سياسة خنق اقتصادي مستمرة منذ سنوات.وردد المتظاهرون شعارات داعمة للرئيس نيكولاس مادورو، مؤكدين مساندتهم لجهود بلادهم في الدفاع عن وحدة الأراضي والسيادة الوطنية، ومنددين باستيلاء واشنطن الأربعاء الماضي على الناقلة، في عملية تُعد الأولى من نوعها منذ عام 2019.
ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب العملية بأنها الأكبر حتى الآن، قائلاً للصحفيين إن الولايات المتحدة :استولت على أكبر ناقلة نفط يتم الاستيلاء عليها على الإطلاق.ويخضع النفط الفنزويلي، الذي يشكل المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، لعقوبات أمريكية منذ عام 2019، ما أجبر كاراكاس على تسويق إنتاجها عبر قنوات غير رسمية وبأسعار أقل، خصوصاً إلى الصين.
من جانبه، دعا مادورو الشباب إلى التمسك بالوطن، معتبراً أن العالم يشهد صعود نظام دولي متعدد الأقطاب دون استعمار، مشيراً إلى صراع عالمي بين قوى تسعى للاستقلال والتعاون وأخرى تريد السيطرة على العالم، مؤكداً وقوف فنزويلا إلى جانب الشعوب الرافضة لكل أشكال الاستعمار والعبودية.وفي السياق ذاته، دعت نائبة الرئيس ديلسي رودريجيز إلى تعزيز حماية موارد الطاقة، محذرة من استهداف القطاعات الحيوية، ومشددة على ضرورة تشديد الإجراءات الأمنية في منشآت النفط والغاز والبتروكيماويات، وحمايتها من الهجمات السيبرانية ومحاولات التخريب.
تصعيد سياسي مع واشنطن
الأزمة لم تقف عند حدود المصادرة، بل ترافقت مع تصعيد غير مسبوق في الخطاب بين كاراكاس وواشنطن. الولايات المتحدة تؤكد أن إجراءاتها تأتي في إطار تطبيق العقوبات ومكافحة ما تصفه بتهريب النفط والالتفاف على القيود الدولية، بينما ترى فنزويلا أن هذه المبررات تخفي أهدافًا سياسية لإضعاف الحكومة.في المقابل، لوحت فنزويلا باتخاذ إجراءات قانونية ودبلوماسية للدفاع عن حقوقها، مؤكدة أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى توتر إقليمي أوسع، خاصة في منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية.
المعارضة تعود إلى الواجهة
بالتوازي مع التصعيد الخارجي، شهد الداخل الفنزويلي تطورات سياسية مهمة. ماريا كورينا ماتشادو، إحدى أبرز رموز المعارضة، ظهرت مجددًا من خارج البلاد، في تحرك اعتبره أنصار الحكومة دليلًا على الارتهان للخارج، بينما تراه المعارضة محاولة لكسب دعم دولي متزايد للضغط على نظام مادورو.وترى السلطات الفنزويلية ترى أن تحركات المعارضة تتزامن دائمًا مع الضغوط الخارجية، وتتهمها بالسعي لاستغلال الأزمات الاقتصادية والسياسية لإحداث تغيير قسري في السلطة.
أبعاد اقتصادية حساسة
اقتصاديًا، تمثل قضية الناقلة ضربة جديدة لقطاع النفط الفنزويلي، الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني. أي تعطيل للصادرات يعني مزيدًا من الضغوط على العملة المحلية، ومستويات المعيشة، والخدمات الأساسية، في بلد يعاني أصلًا من آثار العقوبات والتضخم.في الوقت نفسه، يحذر مراقبون من أن التصعيد قد يؤثر على أسواق الطاقة الإقليمية، خصوصًا في الدول التي تعتمد على النفط الفنزويلي بأسعار تفضيلية.