<< أجساد الأسرى تدفع ثمن انتهاكات إسرائيل
<< الأسرى المحررون: خرجنا بأمراض لم نعرفها من قبل
<< كرم الحمدونى: المستشفيات سجون وسلخانات لإجراء التجارب وابن عمى أصيب بالشلل نتيجة حقنة مجهولة
<< العم منصور: باعونا للشركات ومعامل المختبرات الإسرائيلية
<< أحمد سليم: الأدوية والحقن دمرت صحتنا
<< مراد أبو الرب: كل الأسرى ومنهم أطفال تحولوا إلى أدوات تجارب لأدوية مجهولة المصدر
يعانى أكثر من 12 ألف أسير بينهم 1300 طفل من أبناء فلسطين المحتجزون خلف الأسوار العالية داخل الزنازين المعتمة والأرضيات الباردة من كل وسائل التعذيب والانتهاكات، أبشع هذه الانتهاكات على الإطلاق تمثلت فى استباحة الجسد من خلال تعريضهم للتجارب السريرية والاختبارات الدوائية التى حولت أجسادهم إلى حقول تجارب قبل أن يتم طرح الأدوية فى الأسواق، وسط غياب كامل لأى رقابة أو حماية صحية، فالأسرى الفلسطينيون، بمختلف أعمارهم وجدوا أنفسهم فجأة فى مواجهة أطباء جلاّدين، يحقنونهم بعقاقير مجهولة تحت ذريعة العلاج، بينما الهدف الحقيقى اختبار فعالية هذه الأدوية على أجسادهم الواهنة حيث تتم معاملتهم كفئران تجارب.
شهادات الأسرى المحررين، تظهر حجم المعاناة الجسدية والنفسية التى خلفتها هذه التجارب، فالإصابات التى لم تعالج، والأدوية التى لم توضح طبيعتها، والاختبارات التى لم تكن هدفها العلاج بل التجربة، كل ذلك ساهم فى تفاقم حالة الأسرى الصحية بعد خروجهم، وجعل من الأسر معاناة مزدوجة.
هذا الواقع المؤلم يضع المجتمع الدولى أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية، فهو لم يعد مجرد ملف إنسانى عابر، بل جريمة مستمرة بحق الأطفال والكبار، تتطلب التحقيق والمساءلة.
المعاناة الفلسطينية خلف القضبان لم تعد سرا، بل حقيقة قاسية تتطلب أن يسمع العالم صوت الضحايا الذين تحولوا إلى مختبرات بشرية، وعاشوا فصولا من الألم لا يعرفها إلا من واجه التجربة بنفسه.
شهادة مؤلمة
داخل السجون تنكسر الأمال وتحبط العزيمة هذا ما يستهدفه السجان ولكن مع أصحاب القضايا العادلة تتبدل الأمور وتتغير الحسابات فهناك من يزده القيد صلابة وقوة ويستطع عبر الإرادة الفولاذية تحويل المحنة إلى منحة ومنهم كرم عبدالرؤوف 51 عاما أمضى منهم أكثر من 22 عاما داخل سجون الكيان الصهيونى، لكنه استطاع خلال هذه الفترة أن يدرس ويتفوق ويحصل على ما جستير فى العوم السياسية برغم قسوة الحياة داخل هذه المعتقلات التى لا تراعى أى أخلاقيات أو أعراف أو قوانين دولية.
عبدالرؤوف كان شاهدا على العديد من الخروقات التى تمت بحق الأسرى ومنها التجارب الدوائية التى تمت على المعتقلين لصالح المختبرات وشركات الدواء الإسرائيلية بحسب تأكيده . ويقول الأسير المحرر «كرم ياسر حمدونى عبدالرؤوف: «شاهدت بعينى الأسرى كيف يتم استباحة أجسادهم دون مراعاة للقوانين أو الأعراف الدولية من خلال معاملتهم كفئران للتجارب وتقديمهم قربان لشركات والمعامل الإسرائيلية مما عمل على إصابة الأسرى بالعديد من الأمراض فلم تكن هذه الأدوية تقدم لهم للعلاج أو لتخفيف الآلام وإنما كانت يتم إعطاؤها للأسير بهدف تجربتها وبيان فاعليتها عمليا قبل طرحها للتداول.

كرم-الحمدونى
ويقول الأسير المحرر: «كان الأمر يتم من خلال إدارة مصلحة السجون الإسرئيلية فبعد خضوع الأسير لجلسات التحقيقات من 90 إلى 120 يوما فى سجون لا يتسرب إليها شعاع الشمس ومنها سجن الجلمة، أو عوفر، أو المسكوبية يتم نقل الأسير إلى السجن العام أو التوجه به إلى عيادة سجن الرملة وهى أبعد ما تكون عن ذلك المسمى فهى مسلخ يتم فيها ممارسة كل أنواع التعذيب بحق المرضى من ضرب وتنكيل وسحل وسباب ولكن الأقسى من ذلك هو استخدام أجساد المرضى فى تجارب عقاقير طبية مجهولة، سواء كانت فى صورة حبوب أو حقن لمدد طويلة دون الإفصاح عن اسمها أو دواعى استعمالها أو الإرشادات الطبية الخاصة فكانت تقدم فى أظرف أو أكياس بلاستيك للأسير لفترات طويلة».
وبسؤاله عن الكيفية التى تقدم بها هذه العقاقير هل كان يتم جبرا أم طوعا ؟ أوضح الأسير المحرر أن الأمر كان يتم فى ظاهره بنحو اختيارى ولكنه جبرا فى النهاية، فمثلا بعد قضاء مدة طويلة فى المعتقل بدون رعاية طبية مع التعذيب المتتالى كان يحدث إصابات وشكاوى مرضية فيتم أخذ الأسير إلى العيادة وتقدم هذه الأدوية بدون أى ارشادات أو معلومات توضح ماهيتها ولا يملك الأسير سوى أخذها أملا فى تخفيف ألامه ولكننا اكتشفنا ضررها البالغ فيما بعد إصابة زملائنا فى الأسر بالعديد من الأمراض.
ويستطرد حمدونى: أتذكر منهم «ناصر أبو حميد» الذى أصيب بالسرطان ولم يكتشف ذلك إلا بعد تدهور حالته، وأيضا وليد أبو دقة صاحب الجسد الرياضى القوى وكان قد أمضى فى سجون الاحتلال أكثر من 35 عاما ونتيجة لتعاطى هذه الأدوية أصيب بالسرطان واكتشف ذلك من خلال زوجته التى رفعت قضية أمام المحكمة الإدارية العليا التابعة للكيان الصهيونى وفيها تم الكشف عن تناوله أدوية مجهولة كعينات مختبرية لفترت طويلة عملت على إصابته بالأورام والسرطان، وأيضا الأسير كمال أبو وعر.

عدد الأسرى المفرج عنهم حسب فئات عمرية
وتابع حمدونى: «وهناك أيضا على محمد حسان 50 عاما وهو ابن عمى الذى أصيب بشلل وعجز فى أكثر من 40 % من جسده نتيجة حقنة مجهولة وعزم على مقاضاة إسرائيل بعد الإفراج عنه ولكن تمت مساومته من قبل الكيان الصهيونى بعدم التقاضى نظير علاجه وللأسف تراجع العدو الصهيونى عن وعده بالعلاج وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.
الأسرى بين التعذيب والإهمال الطبى
أحمد سليم، الأسير الفلسطينى المحرر حديثًا، ليس مجرد اسم بين آلاف المعتقلين الذين مروا بسجون الاحتلال الإسرائيلى، بل أصبح رمزًا للصمود وواجهة لقصص المعاناة التى عاشها الأسرى داخل الزنازين.

الأسير المحرر أحمد سليم
رغم صغر سنه مقارنة بالعديد من الأسرى الآخرين، يحظى أحمد بحب واحترام زملائه، ويعتبرونه المتحدث الرسمى باسمهم، ينقل أصواتهم وآلامهم، ويصور لكل العالم حجم الظلم الذى تعرضوا له.
«شعبى معروف بقوته وعدم قابليته للكسر مهما تعرض لظروف صعبة»، يقول أحمد فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، مشيرًا إلى حرصه على الحفاظ على مظهره الشخصى داخل الأسر، مضيفا: «حتى فى الظروف القاسية، نحرص على أن نظهر بمظهر جيد، لأن هذا جزء من مقاومتنا النفسية، لن نسمح للعدو الصهيونى أن يشعر بأنه انتصر علينا، ولو نفسيًا فقط، مهما طال العدوان، فإن الشعب الأبى الذى يدافع عن أرضه سيظل صامدًا، وسيحقق النصر فى النهاية».
داخل السجون الإسرائيلية، لم يكن الأسرى مجرد معتقلين، بل كانوا يعيشون يوميًا رحلة من الألم الجسدى والنفسى، ويوضح أحمد سليم: «كنا نتعرض للاعتداءات البدنية اليومية على يد وحدات القمع الصهيونية، التى كانت تقتحم الزنازين بعنف مروع، وتترك الإصابات والكسور دون أى علاج، لم يكن هناك أى تدخل طبى، بل كنا نترك لنواجه الألم وحدنا».
ويضيف: «حتى قبل الحرب، كانت الرعاية الصحية التى نحصل عليها هشة، مجرد علاجات أولية للحفاظ على حياتنا، أما بعد السابع من أكتوبر، تغير الوضع تمامًا، وتحولوا إلى الإهمال المتعمد، وترك الأسرى ليعانوا حتى يصلوا إلى ذروة الألم الجسدى والنفسى».
حقول اختبار
يقول أحمد سليم، الخمسينى: هناك تحول خطير فى طبيعة المعاملة بعد الحرب على غزة، فالأسرى أصبحوا أدوات لشركات الأدوية الإسرائيلية، كنا نؤخذ من الزنازين إلى ما يسمونه العيادات، ليتم استخدامنا كحقول لتجربة صلاحية الأدوية الجديدة، المرتبطة بسياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التى تنظر فقط إلى الربح المالى، دون أى اعتبار لحياة الأسير».

عدد الأسرى المفرج عنهم إلى غزة
ويستطرد «سليم»: هذه السياسات أسفرت عن استشهاد العديد من الأسرى، وكأن الأسير الفلسطينى أصبح يعيش داخل مختبرات، يمارس بحقه كل أنواع الانتهاكات غير الإنسانية، وجسده مستباح لشركات الأدوية الصهيونية، وادعاء الحكومة الإسرائيلية بأنها توفر رعاية صحية للأسرى هى مجرد مزاعم باطلة، ثبت كذبها من حالات المفرج عنهم الذين يعانون تدهورًا صحيًا واضحًا».
ويتابع سليم: «كانت صدمتنا بعد الإفراج هائلة، عند متابعة الفحوصات الطبية اكتشفنا أن الأدوية التى أعطيت لنا داخل السجون كانت مخصصة لحالات أخرى، وليست مناسبة لنا، بل ساهمت فى تدهور حالتنا الصحية، من هنا يمكن القول إن الاحتلال مارس بحق الأسرى جريمة العصر من خلال التجارب الدوائية فى السجون».
يوضح أحمد سليم: «يجب أن نفرق بين حالتين: قبل السابع من أكتوبر، كان يتم تقديم رعاية صحية هشة للحفاظ على حياتنا فقط، أما بعد هذا التاريخ وخلال الحرب على غزة، فكانت المعاناة صعبة جدا، فلم تكن هناك أى رعاية صحية، بل كان هناك إهمال صحى متعمد، وقتل وتعذيب ممنهج، من خلال منع التداوى أو العرض على الأطباء».
ويصف سليم الممارسة الطبية داخل السجون بأنها أشبه بـ«تجارب سريرية غير إنسانية»، ويتابع: «كان الأسرى يُتركون حتى يصلوا إلى ذروة الألم، ثم يُؤخذون إلى ما يسمونه العيادة، وهى أبعد ما تكون عن العيادة الطبية الحقيقية، ليبدأوا بإعطاء الأدوية مجهولة المصدر، غير مسجلة، دون تعريف بالجرعات أو أعراضها الجانبية. كان الأسير يُعطى هذه الأدوية أملاً فى الشفاء أو التخفيف من الألم، لكنه فوجئ أن حالته الصحية تتفاقم».
سرطانات وشلل
ويشير سليم إلى بعض الحالات التى تعرضت للتجارب القاسية مثل الأسير محمود أبو سرور الذى تلقى أدوية معينة لفترة طويلة بانتظام، مما أدى إلى إصابته بالعقم، وأبو محمد العرجانى، الذى أصيب بتدهور صحى بعد تلقى أدوية خاطئة، وزاد الأمر سوءًا بإصابته بالسرطان بعد الإفراج عنه، والأسير منصور موقدى، حيث يعانى من تدهور صحته وعجز عن الحركة نتيجة تعرضه لأدوية مجهولة، وما يزال يتنقل بين المستشفيات حتى الآن.
ويؤكد سليم: «كان الهدف من هذه التجارب ليس علاجنا، بل اختبار الأدوية على أجسادنا، حتى صار الأسرى كحقل تجارب بشرى، بلا أى حماية أو حقوق».
أجساد مستباحة
يضيف أحمد سليم بصوت ملىء بالأسى: «كنا نرى كيف يتم استخدام الأسرى المرضى والمصابين بأمراض مزمنة كأدوات لتجارب الدواء، لكن التجارب لم تقتصر عليهم فقط، بل شملت جميع الأسرى، حتى من كان فى صحة جيدة، كل واحد منا كان معرضًا للاختبار، جسده مستباح، وحياته لا تساوى شيئًا أمام طمع شركات الأدوية».

عدد الأسرى الكلى المفرج عنهم حسب حالة الاعتقال
ويؤكد: «الأطفال لم يسلموا أيضًا، كثيرون منهم لم يتجاوزوا سن الثانية عشرة، وتم استخدامهم فى تجارب دوائية، تحت ذرائع العلاج، ولكن ما كان يحدث لهم هو تدهور صحتهم بشكل كبير، مع آثار نفسية عميقة لا يمكن محوها».
الأطفال
«أ . م»، هو والد طفل فلسطينى «م . أ» أسر فى عام 2019، خلال إحدى المظاهرات التى تم تنظيمها فى فلسطين للمطالبة بحق العودة، حيث كشف أن ابنه الذى استمر فى الاعتقال لمدة 5 سنوات خرج ويبدو عليه حالة كبيرة من الإهمال الطبى وأمراض بالكلى والكبد، بعد أن تعرض داخل السجن لمختبرات دوائية على يد الأطباء الإسرائيليين الذين حقنوه بحقن أثناء تعرضه لنزلة برد جعلته يصاب بعدد من الأمراض فى الكبد رغم أنه لم يكن يعانى من أية أمراض قبل دخوله المعتقل.
معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال
ويضيف، أن الابن الذى دخل السجن وعمره 14 عاما، كان بصحة جيدة، إلا أنه خرج هزيلا ويعانى من أمراض عديدة، وخلال الكشف الطبى عليه قبل الحرب على غزة بشهور قليلة اكتشفوا أن لديه التهابات فى الكلى نتيجة الحقن من قبل السجانين الإسرائيليين بحقن زعموا أنها لمواجهة نزلات البرد إلا أنها زادت من تدهور حالته الصحية.
ويوضح الأب الخمسينى العمر: «أن نجله لم يكن هو الوحيد الذى خرج ويعانى من أمراض عديدة رغم حالته الصحية الجيدة قبل دخول المعتقل بل إن العديد من زملائه تعرضوا لنفس الأمر داخل السجن، وهو ما لا يجعله إهمال طبى بقدر ما هو اختبار حقن وأدوية على الأطفال الفلسطينيين الأسرى».
تجارب دوائية خفية
وتحدث الأسير الفلسطينى المحرر وسيم مليطات عن جانب مظلم من معاناة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، خاصة الأطفال الذين لم تتجاوز أعمار بعضهم الثانية عشرة، حيث يقول فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»: «الأسرى، ومن بينهم أطفال، كانوا يتعرضون لاختبارات دوائية من السجانين الإسرائيليين، والموت البطىء كان للأسف مصير كل مريض نتيجة الإهمال الطبى أو التجربة غير المسؤولة، العلاج فى السجون كان بشكل عام سيئًا، ولم تكن هناك أى رقابة حقيقية على ما يحدث لنا».

وسيم مليطات
ويضيف المليطات لـ«اليوم السابع»: «هناك أطفال قصر تقل أعمارهم عن سن البلوغ كانوا فى السجون الإسرائيلية، تعرضوا لتجارب سريرية واختبارات دوائية، لكن للأسف دون أى توثيق طبى أو حقوقى، كاشفا أن طبيعة هذه الاختبارات كانت تتضمن أدوية جديدة يجربها علينا الاحتلال قبل طرحها فى الأسواق، أى أن الأسرى كانوا فى الواقع حقلًا لتجاربهم».
ويؤكد الأسير المحرر أن الأسرى، ومن بينهم الأطفال، لم يكونوا على علم بهذه التجارب، بل كانوا يتلقون ما يسمى بالعلاج على اعتبار أنه العلاج المتاح لهم، وللأسف، لم يكن هناك أى جهة رقابية، فالجلاد كان الحكم والطبيب فى آن واحد، ما جعل الأسرى ضحايا لهذه الممارسات القاسية.
ويوضح «مليطات»: أن هذه المعاناة لم تقتصر على الألم الجسدى فحسب، بل كانت لها آثار نفسية عميقة على الأطفال الذين عاشوا تحت وطأة التجارب القسرية والحقن غير الموثقة، مؤكدا أن المجتمع الدولى يجب أن يطلع على هذه الانتهاكات وينتزع المسؤولية القانونية عن حماية الأطفال الأسرى.
ويختم مليطات حديثه برسالة مؤثرة: «الأطفال هم المستقبل، وما حدث لهم فى السجون هو جريمة إنسانية يجب ألا تمر دون مساءلة، ونحن نريد أن يعرف العالم حجم المعاناة التى عشناها، خاصة أولئك الذين لم يتجاوزوا سن الطفولة بعد».
إبراهيم الطوس
فى زاوية منسية من الواقع الفلسطينى، يقف إبراهيم الطوس، الأسير المحرر البالغ من العمر 75 عامًا، كأحد أقدم المعتقلين الذين قضوا ما يقارب الأربعين عامًا فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، شاهدا على عشرات الوقائع المخزية والانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى الفلسطينيين.

الأسير المحرر إبراهيم الطوس
يُعرف الطوس بين زملائه بأنه «الأرشيف المتنقل»، لما يمتلكه من قدرة هائلة على توثيق الأحداث وسردها بدقة وسلاسة دون مبالغة، مما يجعله مرجعًا هامًا لتاريخ الانتهاكات التى لم تتوقف عبر العقود.
40 عاما من المعاناة
يصف إبراهيم الطوس سنوات اعتقاله الطويلة بأنها منحته رؤية شاملة لممارسات الاحتلال الإسرائيلى، من الضرب والإهانات اليومية إلى الحرمان من الطعام والرعاية الصحية، لكن الأدهى من ذلك، كما يقول، هو ما وصل إليه الاحتلال مؤخرًا من تجاوزات باستخدام الأسرى الفلسطينيين فى تجارب دوائية ومختبرية.
ويكشف الطوس، فى حديثه لـ«اليوم السابع»، أن هذه السياسات جاءت تحت إشراف مباشر لوزير الأمن الإسرائيلى المتطرف، الذى أعلن صراحة بعد السابع من أكتوبر أنه لن يُحاسب أى مسؤول على الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين.
ويؤكد الطوس أن هذا القرار انعكس على جميع مناحى حياة الأسرى، من التغذية غير الكافية وصولًا إلى حرمانهم الكامل من الرعاية الطبية.
الأمراض المعدية
وتابع الطوس: «قبل السابع من أكتوبر، كان ملف علاج الأسرى يعانى من تهاون وتراخ واضح، أما بعد هذا التاريخ، فكانت التعليمات صريحة بعدم تقديم أى علاج، ما أدى إلى انتشار الأمراض المعدية وخاصة الجرب، الذى انتشر بين الأسرى بشكل سريع وخطير نتيجة نقص أدوات النظافة وغياب التداوى.
ويتذكر الطوس حالات مأساوية لأسرى اضطروا للبتر أو فقدوا حياتهم بسبب هذا الإهمال الطبى الممنهج، ليصبحوا مجرد أرقام فى سجل ضحايا سجون الاحتلال.
ويضيف الطوس أن التجارب الدوائية على الأسرى كانت تخضع لخطة مدروسة وبحرفية شديدة، حيث يُترك الأسير حتى تتدهور حالته الصحية قبل أخذه إلى ما يسمى بمستشفى السجن، الذى هو فى الواقع جزء من السجن نفسه، وهناك، يتم إعطاؤه أدوية مختلفة مجهولة المصدر، وغير مسموح له بالرفض.
ويستطرد الطوس: «كان هناك العديد من الأدوية تمنح للأسرى دون معرفة مصدرها أو اسمها أو دواعى استعمالها، وكل المعلومات كانت محجوبة عنا، إلا أن بعض هذه الأدوية تم تهريبها إلى المحامين خلال المحاكمات، الذين كشفوا لنا أنها أدوية مجهولة المصدر وفى طور التجريب، بعد عرضها على أطباء من خارج السجن».

عدد الأسرى المفرج عنهم إلى الضفة الغربية
آثار التجارب
ويقول الطوس بصوت يختلط فيه الحزن بالغضب: «رأيت بعينى شباباً تناولوا أدوية وحقنا أدت إلى زيادة آلامهم وتدهور حالتهم الصحية بشكل خطير، ومع ذلك، لم نكن نعلم كيف يمكن علاج هذه الأدوية أو حتى ما هى آثارها الجانبية».
ويشير إلى أن بعض الأسرى فقدوا القدرة على الحركة بشكل صحيح أو أصيبوا بأمراض مزمنة نتيجة هذه التجارب، فى حين توفى آخرون بسبب تفاقم حالتهم الصحية دون أى تدخل طبى.
صوت الضمير والذاكرة الحية
ويبقى إبراهيم الطوس، بما يمثله من ذاكرة حية للأسرى، شاهداً على الجرائم اليومية التى ارتكبها الاحتلال الإسرائيلى بحق الفلسطينيين داخل السجون، شهادته ليست مجرد سرد شخصى، بل وثيقة حية تحذر المجتمع الدولى من استمرار هذه الانتهاكات، وتطالب بمساءلة الاحتلال عن الجرائم المرتكبة بحق الأسرى، خاصة فى ظل استغلال أجسادهم كحقول تجارب دوائية.
منصور محمد عزيز
صوت أجش ينطلق من حنجرة بارزة من وجه ظهرت عليه معالم الشيخوخة ولكنه يوحى بالقوة والتحدى خاصة مع وجود الشارب الكبير الذى يوحى بالصلابة رغم ما تعرض له الرجل المسن داخل سجون الاحتلال لأكثر من 23 عاما.

الأسير المحرر منصور محمد عزيز
منصور محمد عزيز أو العم منصور هكذا يعرف بين جيرانه وبين الأسرى المحررين الذين أفرج عنهم مؤخرا ويحظى بينهم بشهرة واسعة ليس فقط لطول المدة التى قضاها داخل سجون الاحتلال وإنما بسبب تمسكه بتفاؤله وتماسكه على الرغم ما تعرض له من تعذيب داخل سجون الاحتلال وطول مدة اعتقاله لكنه كان دائما متمسكا بالأمل فى الإفراج عنه وعن زملائه الأسرى.
ويقول العم منصور لـ«اليوم السابع»: «كنا فى المعتقلات نتعرض للضرب بشكل يومى وفى إحدى المرات اشتد الضرب بصورة مكثفة حتى سالت منى الدماء فتم أخذى مقيدا بمعرفة قوات الاحتلال للعلاج فى مستشفى بينسلون وعانيت من غيبوبة لمدة 12 يوما واستيقظت على قيد فى يدى وفى رجلى رغم الكسور والجروح التى تنتشر فى كامل جسدى وبمجرد ما بدأت استفيق من الغيبوبة وجدت ممرضة تنهال على بالضرب فى وجهى وبعدها تم نقلى لمستشفى الرملة بصحبة 25 أسيرا آخرين وكان يشرف على علاجنا أفراد فى زى عسكرى وتم منحنا عقاقير وأدوية مجهولة وعلمنا بعد تناولها لفترة طويلة من هؤلاء الأفراد باعترافهم أنفسهم أن تلك الأدوية جديدة ونتيجة أبحاث أشرفت على إنتاجها شركات ومعامل إسرائيلية وتعمل على تجربتها قبل طرحها فى الأسواق.
وأضاف العم منصور: «كان يتم اختيار الأسرى المصابين مثلا بأمراض الكلى والسرطانات بمعنى آخر الأمراض المزمنة واصطحابهم إلى مستشفى السجن لمدد طويلة وعند العودة نفاجأ بأعتلال صحتهم وتدهور حالتهم ونعلم فيما بعد انه تم تجربة العديد من الأدوية فى صورة حقن أو عقاقير».
مراد أبو الرب
فى واحدة من أكثر الشهادات المؤلمة التى تكشف حجم الانتهاكات الطبية الممنهجة داخل سجون الاحتلال، يروى الأسير الفلسطينى المحرر مراد أبو الرب تفاصيل ما وصفه بـ«الإعدام البطىء» الذى يتعرض له الأسرى بمن فيهم الأطفال، عبر إخضاعهم لتجارب سريرية وأدوية غير معروفة المصدر، وحرمانهم من الفحوصات والعلاج السليم.

مراد أبو الرب
ويكشف أبو الرب التفاصيل فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» قائلا: «كل الأدوية تستخدم فى التجارب على الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية بغض النظر نساء، أطفال، كبار؛ لأنه فى الأساس ما كان يتم عمل فحص».
ويتابع أن الأسرى بمن فيهم الأطفال كانوا يتلقون الأدوية بشكل عشوائى دون تشخيص طبى، موضحا : «كان إعطاء الأدوية، خاصة حبة الأكامول للجميع، غير ذلك كانوا يدخلوا علينا أدوية اكتشفنا فيما بعد عندما استطعنا أن نخرجها خارج السجن لعمل فحوصات عنها أنها غير صالحة».
شهادة أبو الرب تكشف حجم الخطر الذى يحدق بالأسرى الأطفال، الذين يتم التعامل معهم بالآلية القمعية نفسها، رغم أن القوانين الدولية تمنع أى شكل من أشكال التجريب الطبى على القصر.
فيروسات كبدية وفقدان البصر
يروى الأسير المحرر أمثلة مرعبة لما شاهده خلال سنوات اعتقاله، قائلاً: «هناك من الأطفال الأسرى من فقد بصره بسبب إعطائه قطرات غير معلومة المسمى أو المصدر وهناك من أصبح لديه مشكلات بالكبد بسبب خطأ فى الإبرة»، ثم يستحضر حادثة قاسية تخص عائلته: «لى ابن عم استشهد نتيجة إبرة فى 2008؛ إبرة أعطاها له السجانون الإسرائيليون بدون ما يكشفوا عليه لأنه كان لديه حساسية لنوع من الأدوية، وخلال ساعة كان قد استشهد».
إعدام بطىء
ويؤكد أبو الرب أن هذه الأخطاء ليست فردية، بل جزء من نهج كامل يُمارس داخل السجون: « كتبت مقال فى السابق عندما كنت داخل السجن، أننا جميعا رجال ونساء وأطفال حقل تجارب، وهذا إعدام بطىء، حيث كان يتم لإضعاف المناعة عند الأسرى، حتى عندما نخرج من السجن لا تكون المناعة سليمة 100%».
ويوضح أبو الرب أن الاحتلال يحتجز فئات عمرية صغيرة للغاية قائلا :» «كان هناك أطفال معنا فى السجون، أقل من 16 سنة، هناك من هو عمره 10 سنين حتى 16 عاما، فى الأقسام الخاصة بالأطفال لأن الأشبال ممنوع يعيشون مع الكبار فى السجن».
ويضيف أن أعداد الأطفال فى السجون كانت كبيرة ولا تزال كذلك حتى اليوم، لافتا إلى أن بعضهم أُفرج عنهم ضمن اتفاقيات التبادل الأخيرة، بينما ما زال آخرون يقبعون خلف القضبان.
على المستوى الحقوقى، يشير مراقبون إلى أن ما يتعرض له الأسرى، ومن بينهم الأطفال، يأتى ضمن سياسة عنصرية شاملة يمارسها الاحتلال ضد الفلسطينيين فى جميع المجالات، بما فيها المجال الصحى، فالأسير الفلسطينى - بحسب التوصيفات الحقوقية - يتعرض لتمييز واضح يحرمه من الرعاية الطبية التى تكفلها اتفاقيات جنيف ومواثيق الأمم المتحدة، رغم أن الكيان الصهيونى يتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة المعتقلين وصحتهم.
ويؤكد متخصصون فى شؤون الأسرى أن جهاز الصحة فى المنظومة الإسرائيلية يتحول داخل السجون إلى أداة عقابية، فى مخالفة صريحة لروح إعلان ألما آتا لعام 1978 الذى شدّد على ضرورة تحقيق المساواة فى الوصول إلى الرعاية الصحية دون تمييز.
بلا رقابة
وتكشف الشهادات، ومن بينها شهادة أبو الرب، أن ما يحدث داخل السجون لا يقتصر على الإهمال الطبى، بل يتعداه إلى تجارب دوائية غير مشروعة تهدد حياة الأطفال داخل السجون، ووسط الصمت الدولى المستمر، تبقى السجون الإسرائيلية بيئة مغلقة، تُرتكب فيها انتهاكات طبية خطيرة بلا رقابة، حيث يتحول الجسد الفلسطينى – طفلا كان أو بالغا - إلى مادة اختبار لا تعرف الرحمة.
ويحذر رياض الأشقر، مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى، من الكارثة الإنسانية المتصاعدة داخل سجون الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين، مؤكدا أن ما يجرى خلف القضبان يتجاوز حدود الانتهاكات التقليدية ليصل إلى مستوى الجرائم المنظمة التى تطال أرواح البشر وصحتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية، وبشكل خاص الأطفال.
ويوضح الأشقر فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أن سياسة الاحتلال القائمة على إخضاع الأسرى البالغين لاختبارات دوائية وتجارب سريرية مشبوهة لا تستثنى الأطفال مطلقا، بل تُمارس بحقهم بالأساليب ذاتها، مهما بلغت درجة الخطورة على حياتهم.
ويشير إلى أن حوالى 350 طفلاً يقبعون فى سجون الاحتلال موزعين بين سجنى عوفر ومجدو وعدد من مراكز التوقيف والتحقيق، وجميعهم يتعرضون لظروف اعتقال قاسية لا تختلف عن تلك المفروضة على الأسرى البالغين.
ويقول الأشقر إن الأطفال الأسرى محرومون من كل مقومات الحياة الأساسية، بدءا من الغذاء والملبس، وصولا إلى أبسط حقوقهم فى الرعاية الصحية، مضيفا أن الاحتلال يحرم الأطفال المرضى من العلاج، ويستخدم سياسة الإهمال الطبى بشكل ممنهج، الأمر الذى فاقم معاناتهم وتسبب فى تغلغل الأمراض فى أجسادهم دون أى تدخل علاجى حقيقى.
ويؤكد الأشقر أن السجون تشهد تقديم أدوية غير معروفة المصدر وتركيبات تجريبية للأسرى بكل فئاتهم، مشيرا إلى أن هذه المواد لم تؤدِّ إلى علاج أى حالة، بل تسببت فى تدهور الأوضاع الصحية للعديد منهم وظهور أعراض جديدة لم تكن لديهم قبل تناولها.
ويوضح أن عددا من الأسرى المحررين أدلوا بشهادات مروعة حول تلقيهم أدوية غريبة خلال فترة اعتقالهم، أدت إلى مضاعفات صحية طويلة الأمد.
ويستهجن الأشقر صمت المؤسسات الدولية، مؤكدا أن الاحتلال لا يعترف بالاتفاقيات الدولية أو المواثيق الإنسانية، ولا باتفاقيات جنيف التى تكفل الحد الأدنى من حقوق الأسرى بما فيهم الأطفال، بل يواصل ارتكاب جرائم ترقى إلى جرائم الحرب دون أى مساءلة أو رقابة حقيقية من الهيئات الحقوقية العالمية.
فى عام 2010، خرجت أصوات فلسطينية أعضاء فى هيئة الأسرى الفلسطينيين، لتكشف أن سلطات الاحتلال الاسرائيلى تجرى أكثر من 5000 تجربة طبية سنويا على المعتقلين فى سجونها، كاشفين أن أكثر من 5 آلاف تجربة لأدوية خطيرة تجرى سنويا على أجساد الأسرى، مما يعرض حياتهم للخطر.
وكشفوا حينها أيضا أن العشرات من الأسرى السابقين ظهر عليهم مرض السرطان بعد تحررهم بشهور أو سنوات، مشيرين إلى أن تل أبيب أنشأت سجونا ومعتقلات فى صحراء النقب خصيصا لإخضاع الأسرى لتجارب بيئية ولمعرفة مدى تأثير مفاعل ديمونا النووى ومخلفاته السامة التى تدفن هناك على البيئة وعلى حياة البشر وما يمكن أن يصيبهم من أمراض.
وفى 5 نوفمبر الماضى، أكد نادى الأسير الفلسطينى ومؤسسات الأسرى الفلسطينية، أن الاحتلال الإسرائيلى يعتقل نحو 350 طفلا، أغلبهم بلا محاكمة، ويعزلون عن العالم فى ظروف قاسية، أسوة بما يتعرض له الأسرى البالغون.
وبحسب معطيات مؤسسات الأسرى الفلسطينية، فإن إجمالى عدد الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية يبلغ أكثر من 12 ألفا و250، بينهم نحو 3 آلاف و360 معتقلا إداريا، كما أن حصيلة أعداد حالات الاعتقال فى عامى حرب الإبادة على غزة بلغت نحو 20 ألفا و500 حالة اعتقال، بينهم أكثر من 1630 طفلا.
وفى عام 1997، عندما نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تصريحات داليا إيتسيك، التى كانت آنذاك رئيسة لجنة العلوم فى الكنيست، اعترفت فيها بأن وزارة الصحة الإسرائيلية منحت شركات دوائية تصاريح رسمية لإجراء اختبارات على السجناء الفلسطينيين والعرب، وقدّر حينها أن 5000 تجربة سريرية كانت قد نُفذت بالفعل داخل السجون.
فى السياق نفسه، أدلت «آمى لفنات»، رئيسة شعبة الأدوية بوزارة الصحة الإسرائيلية، بتصريحات تؤكد زيادة سنوية تصل إلى 15% فى عدد التصاريح الخاصة بالتجارب، ما رفع إجمالى التجارب ليصل فى بعض السنوات إلى 6000 تجربة سنويًا.

عدد الأسرى الكلى المفرج عنهم
القانون الدولى وحماية الأطفال
تنص المادة 13 من اتفاقية جنيف على أنه لا يجوز تعريض أى أسير حرب للتشويه البدنى أو التجارب الطبية أو العلمية، ولكن ما يجرى فى الأراضى الفلسطينية يشى بواقع مغاير تمامًا، واقع يختفى فيه صوت القانون أمام قوة الاحتلال، ويتعرض فيه أطفالٌ لم تجف دموع طفولتهم بعد لتجارب وسلوكيات تصنف ضمن أخطر انتهاكات العصر.
ويجد الأطفال الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى فى قلب دائرة الألم، ليس فقط كضحايا قصف أو حصار أو اعتقال، بل كأجساد مستباحة يتم إخضاعها لاختبارات دوائية، بلا حماية وبلا محاسبة، فى وقت يستمر فيه العالم فى تجاهل واحد من أبشع الملفات الإنسانية وأكثرها هشاشة.
وفى فبراير 2007، كشف النائب الفلسطينى عيسى قراقع، مقرر لجنة الأسرى فى المجلس التشريعى، عن تدهور خطير فى الوضع الصحى للأسرى خلال سبع سنوات بينهم أطفال، ما أدى إلى استشهاد 14 أسيرا، بالإضافة إلى انتشار حالات تسمم جماعى وتدهور صحى حاد فى عدة سجون.
وأوضح حينها أن ما يجرى يرقى إلى جرائم خطيرة تقوم بها الحكومة الإسرائيلية عبر إدارة السجون، والتى تتعامل مع المعتقلين كفئران تجارب، مشددا على أن هذه الممارسات تتم دون علم الأسرى أو موافقتهم، وأن إسرائيل لم تثبت يومًا أنها أوقفت تلك التجارب.
وفى تقرير سابق لها، حذرت مؤسسة التضامن الدولى من استخدام إسرائيل الأسرى الفلسطينيين حقولاً للتجارب على أدويتها ومستحضراتها الطبية، موضحة أن هذه التجارب والاختبارات لا تتم عبر مصلحة السجون ودوائر التحقيقات، وإنما بوساطة وزارة الصحة الإسرائيلية التى تمارس الإشراف والمتابعة وإعداد الدراسات العلمية حول استجابة حالات المعتقلين للأدوية والمستحضرات والحقن والمواد الكيميائية التى يعرضون لها.
وأشارت إلى أن هذه العملية تتم فى إطار السلسلة المؤسساتية الإسرائيلية تماما كاستخدام الحيوانات المخبرية فى مختبرات وزارة الصحة، إذ إنها تعتبر عملا مشروعا وعلميا بالإضافة إلى كونها انتهاكاً لكرامة الإنسان وتهديداً لحياته، كما أن عضوة البرلمان الإسرائيلى ورئيسة لجنة العلوم البرلمانية سابقا داليا إيزك، كشفت النقاب -فى وقت سابق داخل أروقة الكنيست وفى جلسة أمام أعضائه- عن ممارسة ألف تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبى تنفذ سنويا بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب داخل السجون الإسرائيلية.
وأوضحت أن بين يديها وفى حيازة مكتبها ألف تصريح منفصل من وزارة الصحة الإسرائيلية لإجراء ألف تجربة دوائية على معتقلين فلسطينيين وعرب داخل السجون الإسرائيلية.
وتتسع دائرة الاتهامات عندما تنتقل من السجون إلى الفضاءات الفلسطينية المفتوحة، ففى محاضرة متاحة عبر الإنترنت، حذرت البروفيسورة الفلسطينية نادرة شلهوب كيفوركيان من أن المساحات الفلسطينية باتت مختبرات، مؤكدة أن الشركات العسكرية الإسرائيلية تقوم بتجريب أسلحة جديدة على الأطفال فى الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية المحتلة، قبل تسويق تلك الأسلحة عالميًا باعتبارها مجربة ميدانيا.
وفى محاضرة لها بجامعة كولومبيا فى نيويورك عام 2019، كشفت شلهوب كيفوركيان عن بيانات جمعتها خلال عمل بحثى بالجامعة العبرية تشير إلى منح شركات دوائية كبرى تصاريح لإجراء تجارب طبية على الأسرى الفلسطينيين والعرب، وهو ما سارعت الجامعة العبرية إلى التنصل منه فى بيان رسمى.
أما الأطفال، فهم الأكثر هشاشة أمام هذه المنظومة، ففى يوم الطفل العالمى فى 20 نوفمبر، وثق نادى الأسير الفلسطينى وهيئة شؤون الأسرى أرقامًا صادمة حول الانتهاكات منذ بدء الحرب بينها اعتقال 770 طفلًا على الأقل من الضفة الغربية، وغياب أى معلومات عن أطفال غزة المعتقلين بسبب سياسة الإخفاء القسرى، وتعرض الأطفال للضرب المبرح، والتهديدات، والتعذيب الجسدى والنفسى، وتنفيذ عمليات إعدام ميدانى أثناء حملات الاعتقال، واستخدام بعض الأطفال رهائن لإجبار ذويهم على تسليم أنفسهم.
هذه الشهادات لا تقف عند حد الرواية الحقوقية، بل تمتد إلى اعترافات داخل المؤسسة الإسرائيلية نفسها، ففى تسعينيات القرن الماضى، كشف وزير العلوم الإسرائيلى عن منح أكثر من 1000 تصريح لشركات دوائية لإجراء تجارب على السجناء، فيما وثقت تقارير لاحقة أن 3 آلاف أسير فلسطينى - أى نحو 45% من مجموع الأسرى - يخضعون لتجارب دوائية جماعية فى معتقلات نفحة وريمون والنقب.
استغلال إسرائيل الأطفال كعينات مخبرية
وفى نوفمبر 2009 كشف تقرير فلسطينى النقاب عن استغلال إسرائيل أسرى فلسطينيين بينهم أطفال كعينات مخبرية حية لتجريب الأدوية الجديدة المنتجة فى مختبرات وزارة الصحة الإسرائيلية وقياس تأثيراتها على الوظائف الحيوية لأجسام أولئك الأسرى، فيما حذرت عدة منظمات طبية ومؤسسات صحية وإنسانية منذ سنوات عديدة من استغلال الأسرى الفلسطينيين لتنفيذ تلك التجارب.
وأكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية حينها، أن عودة تلك القضية إلى السطح أثارت تخوفات كبيرة وكثيرة فى صفوف الأسرى الفلسطينيين وذويهم، إذ باتت الكثير من الأسر الفلسطينية تخشى على مستقبل أبنائها ووضعهم الصحى داخل المعتقلات الإسرائيلية، لافتة إلى أن التخوف لا يرجع إلى الإهمال الطبى ونقص الأدوية وسوء التغذية وضعف الرعاية الطبية الملائمة لحالات الأسرى رغم أهمية هذا، وإنما إلى تقصير الأجهزة الطبية الإسرائيلية فى ممارسة دور إنسانى.
وأوضح أن هذا الموقف يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب الأساسية التى تتلخص أساسا فى كون الهدف من رسالة الطبيب هو إنقاذ حياة المريض وتخليصه من كل ما يمكن أن يؤثر فى وضعه الصحى نفسيا وجسديا.



