مع تصاعد التوترات على حدود القارة العجوز والتحذيرات الاستخباراتية المتكررة بشأن تهديد روسي محتمل لدول الناتو قبل عام 2029، تتجه أوروبا نحو مرحلة تاريخية من الاستعداد العسكري والاستراتيجي لم يشهدها القارة منذ الحرب الباردة، من برامج فضائية عسكرية جديدة و زيادة عدد الجنود الاحتياطيين، وخدمة وطنية طوعية، كلها خطوات تعكس إدراك القادة الأوروبيين أن الاعتماد الكامل على الضمانات الأمنية الأمريكية لم يعد كافياً، وأن الدفاع عن الأراضي الأوروبية أصبح مسؤولية جماعية تستوجب تعبئة شاملة على المستويين العسكري والمدني.
واتخذت الدول الأوروبية سلسلة من الإجراءات المتزامنة لتعزيز جاهزيتها، والتي يمكن تقسيمها إلى محاور رئيسية:
برامج فضائية ذات طابع عسكري
وافقت الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية لأول مرة على تمويل مشروع المرونة الأوروبية من الفضاء (إرس) بميزانية 1.2 مليار يورو، بهدف إنشاء منظومة فضائية عسكرية متعددة المهام تجمع قدرات المراقبة، الاتصالات، الملاحة، والاستطلاع بين الدول الأعضاء. المشروع يعكس التحول الاستراتيجي للقارة نحو الاعتماد على الفضاء لتعزيز الردع والجاهزية الدفاعية، خاصة بعد تصاعد أنشطة روسيا والصين في هذا المجال. كما حصلت برامج الإطلاق الفضائي على تمويل واسع لتطوير صواريخ صغيرة قابلة لإعادة الاستخدام، مما يضع أوروبا على طريق امتلاك منظومة فضائية مستقلة وسريعة الاستجابة.
دعوات رسمية لتخزين الغذاء والماء داخل المنازل
أصدرت المفوضية الأوروبية خلال هذا العام توصيات مباشرة لجميع مواطني الاتحاد الأوروبي بالاحتفاظ بمخزون غذائي ومائي يكفي لمدة 72 ساعة على الأقل. هذه الدعوة جاءت تحت إطار ما يسمى استراتيجية الاستعداد الأوروبي، التي تهدف إلى تجهيز السكان لأي أزمة قد تتسبب في تعطيل الخدمات، سواء كانت حربًا، هجومًا سيبرانيًا، أزمة كهرباء، أو كارثة طبيعية.
تُعد هذه الدعوة سابقة على مستوى الاتحاد الأوروبي، إذ لم تصدر من قبل توصيات بهذا الوضوح موجهة لجميع الدول الـ27، وهو ما يعكس إدراكًا أوروبيًا أن القارة دخلت مرحلة عدم يقين تتطلب جاهزية شعبية، وليس فقط جاهزية رسمية.
وفي فرنسا خصيصًا، أصدرت الحكومة كتيب النجاة الوطني، وهو دليل شامل جرى توزيعه رقميًا وعلى نطاق واسع، ويشرح للمواطنين كيفية تجهيز منازلهم بالمؤن، والاستعداد لانقطاع الكهرباء أو الاتصالات، وما ينبغي فعله في حالات الإخلاء المحتمل. ويشمل الكتيب قائمة بالمستلزمات الأساسية مثل المياه المعبأة، الأطعمة القابلة للتخزين، البطاريات، المصابيح، والدواء الأساسي.
تعبئة طوعية وتوسيع الخدمة العسكرية
تشهد عدة دول أوروبية— خاصة فرنسا، بولندا، إستونيا، فنلندا، والسويد—اتجاهًا واضحًا لتعزيز القدرات البشرية للجيوش.
في فرنسا، أعلنت الحكومة عن برنامج خدمة عسكرية طوعية موسعة يهدف إلى استقطاب الشباب لتلقي تدريبات أساسية على الإسعاف، الدفاع المدني، استخدام الأسلحة الخفيفة، والتحرك خلال الأزمات. الهدف من هذا البرنامج ليس فقط تجهيز جنود، بل خلق كتلة شعبية تملك الحد الأدنى من معرفة التعامل مع المخاطر.
أما الدول الإسكندنافية، مثل فنلندا والسويد، فقد أعادت بالفعل نظام التجنيد الإجباري قبل سنوات، لكنها الآن تقوم بتوسيعه وزيادة عدد المجندين، إضافة إلى تدريب قوات الاحتياط بصورة أكثر انتظامًا.
رفع مستوى جاهزية المستشفيات والبنى التحتية الحيوية
أصدرت وزارة الصحة الفرنسية تعليمات للمستشفيات بضرورة الاستعداد لاستقبال أعداد “كبيرة من الإصابات” إذا اندلع نزاع واسع في أوروبا. هذا يشمل زيادة عدد الأسرة، تجهيز غرف الطوارئ، تدريب الطواقم على سيناريوهات الحرب، وزيادة مخزون الأدوية والمعدات الطبية.
كما بدأت بعض الدول الأوروبية في فحص جاهزية محطات الطاقة، شبكات المياه، مراكز البيانات، ومخازن الإمدادات، لضمان استمرارها في حال وقوع هجمات سيبرانية أو انقطاع في الإمدادات.
سباق تسلح واضح داخل القارة
تضاعف الإنفاق الدفاعي في أوروبا خلال السنوات الثلاث الماضية بمعدلات قياسية. فالدول بدأت بشراء منظومات دفاع جوي، دبابات متقدمة، مقاتلات F-35، وصواريخ بعيدة المدى.
كما يجري العمل داخل الاتحاد الأوروبي على إنشاء ما يسمى قاعدة صناعية دفاعية مشتركة، بحيث لا تعتمد الدول على الولايات المتحدة أو آسيا في إمدادات الأسلحة والذخائر. هذا التحرك يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الصراع الطويل قد يستنزف المخزونات بسرعة، كما حدث في أوكرانيا.
خطة برلين
وأطلقت ألمانيا خطة برلين من أجل الاستعداد للحرب مع روسيا فى عام 2029، وهى التي توضح كيف يمكن نقل ما يصل إلى 800 ألف جندي من ألمانيا ودول الناتو نحو الشرق ، ليشكلوا خط المواجهة الأمامى فى حال وقوع هجوم روسى.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المعلومات فى وقت يزداد القلق داخل أوروبا ، خاصة بعد اتفاق سلام ضعيف لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية ، بالإضافة إلى ارتفاع الهجمات الهجينة على دول أوروبية ، مثل الطائرات المسيرة ، والتخريب ضد منشآت حيوية والهجمات السيبرانية ، بالإضافة إلى حملات التضليل الإعلامى.
تحذيرات ألمانية من هجوم روسي
وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الاستخبارات الألمانية مارتن بيجر ، حذر أمام البرلمان الألماني من أن موسكو قد تشن هجوما على القارة الأوروبية بحلول 2029.
ومنذ بداية الحرب فى أوكرانيا عام 2022، بدأت برلين إعادة بناء قدرتها العسكرية ، ورفعت سقف الإنفاق على الدفاع فى مارس الماضى، بما يمثل تحولا تاريخيا فى سياستها الأمنية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.