صرخة تحت المطر.. شتاء غزة فصل جديد من الألم فوق ركام الحرب.. خيام ممزقة وأطفال يرتجفون وواقع لا يرحم تحت الغيوم الثقيلة.. الأهالى يخوضون امتحانا جديدا للحياة.. وسؤال يطارد كل عائلة بلا سقف: أين يذهب النازحون؟

الإثنين، 01 ديسمبر 2025 10:00 م
صرخة تحت المطر.. شتاء غزة فصل جديد من الألم فوق ركام الحرب.. خيام ممزقة وأطفال يرتجفون وواقع لا يرحم تحت الغيوم الثقيلة.. الأهالى يخوضون امتحانا جديدا للحياة.. وسؤال يطارد كل عائلة بلا سقف: أين يذهب النازحون؟ الشتاء في غزة

كتب رامى محيى الدين – أحمد عرفة


<< مطالب بتوفير 250 ألف خيمة و100 ألف كرفان للقطاع
<< بسمة أبو شهلا: حين تتحول الأمطار من سحر شتوي إلى كابوس يومي
<< صرخة نازح: "مياه من فوق ومياه من تحت.. وين نروح؟"
<< بلديات غزة تحذر: انهيار البنية التحتية يهدد بكارثة صحية وبيئية
<< استغاثات لا تجد من يجيب والدفاع المدني أمام قدرات شبه معدومة
<< الصحفية يافا أبو عكر:  شتاء يفوق احتماله البشر "برد الخوف والجوع والفقد"
<< تداعيات كارثية مع أول منخفض جوي والأونروا تدق ناقوس الخطر
<< إرشادات عاجلة للوقاية ومحاولات يائسة لحماية الخيام من الانهيار
<< شتاء بلا مأوى ونقص مستلزمات الإيواء يفجر أزمة إنسانية جديدة
<< انهيار المستشفيات تحت وطأة الأمطار
<< منظمات دولية تحذر من موت الأطفال بسبب الجوع والبرد
<< فقدان آخر ما تبقى وآلاف العائلات تخسر ممتلكاتها بفعل الأمطار

 

الشتاء في غزة ليس مجرد فصل من فصول السنة، بل امتحان جديد للحياة وسط ظروف إنسانية صعبة فرضتها سنوات الحصار والقصف، كل قطرة مطر تهبط على القطاع تكشف حجم الدمار والمعاناة، وتجعل البقاء على قيد الحياة تحديًا يوميًا للأطفال والنساء وكبار السن، مع حلول فصل الشتاء، تتفاقم الأزمة الإنسانية، حيث يجد ملايين الفلسطينيين أنفسهم في خيام ممزقة أو منازل مهدمة، يواجهون بردًا قاسيًا وأمطارًا غزيرة، بينما تظل جهود الإغاثة محدودة أمام حجم الكارثة.

"هذا هو الشتاء حين يأتي إلى مدينة بلا جدران ، كأن المطر جاء يفتش ما تبقى من صبرنا، ينهمر فوق الأقمشة الممزقة، ويُحدق في بقايا البيوت التي ما زالت تقف كأنها تشرح للعابرين معنى السقوط وأن الأرض التي نامت تحت الركام لا تحتمل قطرة إضافية من الحزن، أطفال يهربون من البلل، أمهات يرفعن أطراف الخيمة بأصابع مرتجفة، ورجال يقفون في الطين يحاولون أن يقنعوا الشتاء أن يؤخر كابوسه، لكنه لم يتأخر"، هذا كانت تداعيات هذا الفصل الشتوي في غزة كما تصف اليوتيوبير الفلسطينية بسمة أبو شهلا.

رغم ما يوحي به الجو من سحر شتوي وأجواء مغيمة وأمطار متوقعة خلال الساعات القادمة، تصر بسمة أبو شهلا، على أن هذه اللحظات الساحرة في غزة تتحول بسرعة إلى كابوس حقيقي، حيث تقول في تصريحات لها عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك": "الأجواء في غزة جدا ساحرة، أجواء شتوية بامتياز، الجو مغيم وبلشت الأمطار، وراح يكون في منخفض خلال الساعات القادمة، لكن كل هذه الأجواء الجميلة ستنقلب إلى كابوس، لأن أكثر من 90% من أهل غزة يعيشون في خيام أو بيوت مهدمة".

تدوينة بسمة أبو شهلا
تدوينة بسمة أبو شهلا

 

وتصف واقع النازحين بطريقة تجعل المشهد نابضًا بالحياة والمعاناة في الوقت ذاته، قائلة: "الوضع يرثى له، مهما حاول الإنسان أن يحمي نفسه من الأمطار في خيمة مهترئة، نصبها منذ سنتين، فإنه ببساطة لن يستطيع الصمود أمامها"، مناشدة المؤسسات الإنسانية والمبادرين كل من يستطيع أن يقدم يد العون: "أتمنى من كل الناس، أي مؤسسة أو مبادرة، أن تتحرك فورا، لأن هذه اللحظة حاسمة وفارقة في حياة هؤلاء الناس، هم بلا خيام، بلا شوادر، ويحتاجون لمن يقف معهم قبل أن تتفاقم معاناتهم".

وتتابع "بسمة" حديثها بتوتر وانفعال واضحين، متأثرة بالمشهد الإنساني الذي تواجهه: "يجب أن يحاولوا بشتى الطرق أن يقدموا لهم المساعدة، لأن الوضع لا يحتمل أي تأجيل"، كما تروي لحظة صادمة تؤكد حجم المعاناة اليومية: "اطلعي، اطلعي يا أختي.. يا الله رحمتك.. هذا الطفل كان نائماً على ما تبقى من فرشة مبتلة بالمياه".

تحمل كلمات بسمة أبو شهلا رسالة صادقة للعالم عن واقع غزة الشتوي تحت الحصار والحرب، حيث تتقاطع قسوة الطبيعة مع تداعيات الاحتلال، لتصنع صورة مأساوية للمعيشة اليومية في القطاع، وبالرغم من جمال الأمطار على الورق، فإنها تتحول إلى تهديد مباشر لحياة المدنيين، خصوصا الأطفال والنساء وكبار السن، الذين لا يجدون مأوى يحميهم من برد الشتاء وأضرار الأمطار الغزيرة.

النوم على الأرض المبللة

وأعلن الدفاع المدني بغزة خلال بيان له في  13 نوفمبر أنه بينما يستعد العالم للدفء، يستعد أهل غزة للبرد، فإن خيام ممزقة ومهترئة وأطفال ينامون على الأرض المبللة في ظل نقص الأغطية والدفء، خاصة أن الشتاء في غزة ليس فصلا من فصول السنة بل فصل جديد من فصول الألم.

غرق الخيام في غزة
غرق الخيام في غزة

 

استغاثات أمام قدرات عاجزة

وفي تصريح مؤلم يلخص جانبًا من المشهد الإنساني القاسي في غزة، قال محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في القطاع، إن ما جرى فجر يوم 14 نوفمبر كان واقعًا مبكيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، موضحًا أن آلاف الأسر التي احتمت بالخيام أو بما تبقى من منازلها استيقظت على كميات كبيرة من مياه الأمطار تتدفق إلى داخل خيام النزوح والبنايات المتهالكة.
وأضاف أن الأطفال لم يذوقوا طعم النوم هذه الليلة من شدة البكاء، والنساء الحوامل وكبار السن يعيشون وضعًا يفوق قدرتهم على التحمل، بينما غمرت المياه مراكز إيواء كاملة، وارتفع منسوب المياه داخل بعضها لأكثر من عشرة سنتيمترات، ما أدى إلى غرق الفُرُش والأغطية وترك الناس بلا أي وسيلة للنجاة.
وأشار بصل إلى أن طواقم الدفاع المدني تلقت منذ ساعات الفجر الأولى لهذا اليوم مئات الإشارات والاستغاثات من سكان يطلبون المساعدة، إلا أن قلة الإمكانيات وغياب المعدات اللازمة تجعل الاستجابة شبه مستحيلة، متابعا: المواطن في غزة اليوم بلا خيارات، كل شيء دمر، وكل الخيارات سلبت منه، حتى المكان الذي حاول أن يجد فيه مأوى بات الآن غير صالح للإقامة، لتبدأ موجة نزوح جديدة من خيمة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، هذا إن وُجدت خيام أصلا.
وطالب المتحدث باسم الدفاع المدني، المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بأن يتحملوا مسؤولياتهم إزاء ما وصفها بالجريمة المستمرة، مؤكدا أن غزة تمر بمرحلة كارثية لا تقل خطورة عن مرحلة القصف والقتل، في ظل غياب أي منطقة آمنة أو صالحة لعيش السكان الأبرياء من أطفال ونساء ومرضى.

برد الروح والخذلان

"تحت مطر لا يرحم وبرد لا يُمهل يبكي أهل الخيام على رجاء واحد أن يحن عليهم الله حين قست الدنيا كلها"، كانت هذه كلمات الصحفية الفلسطينية يافا أبو عكر، والتي تصف المشهد الصعب الذي يعيشه سكان القطاع مع بدايات شهر الشتاء.
وتصف الصحفية الفلسطينية حالة البرد القاسية التي تضرب غزة هذه الأيام بعبارات تلخص حجم الألم الإنساني الذي يعيشه الناس، حيث تقول إن ما يعيشه القطاع ليس بردًا يشبه أي برد، إنه برد الخوف، وبرد الروح، وبرد الخذلان، وبرد الجوع، وبرد اللاإنسانية، مضيفة: "هو برد الفراق، وبرد الفقدان، وبرد الشهداء بلا قبور، وبرد النازحين في الخيام، وبرد العائدين إلى ما تبقى من منازلهم تحت الركام".
وتصف أبو عكر هذا البرد بأنه برد لا ينتهي، فخيام الشاطئ التي غمرتها مياه الأمطار تحولت إلى بقع موحلة لا تصلح لعيش إنسان، وأجساد الأطفال ترتجف تحت أغطية لا تقيهم حرا ولا بردا، مؤكدة أن المشهد اليومي في القطاع أشد قسوة من أن يروى بالكلمات، لأن الشتاء في القطاع ليس مجرد فصل، بل امتحان جديد للحياة وسط ظروف فقدت فيها أبسط مقومات البقاء.
من جانبها أعلنت وكالة الأونروا، خلال بيان لها في 14 نوفمبر، أن المنخفض الجوي سيكون له تداعيات كارثية على النازحين في قطاع غزة.

غرق الخيام
غرق الخيام

 

صرخة نازح

ووسط مشهد يختلط فيه البرد بالقهر، يقف أحد النازحين في غزة أمام خيمته الغارقة، محاولا تلخيص معاناة لا تنتهي، حيث يقول بصوت متهدج إنه لم يعد يعرف كيف يوجه رسالته للعالم: "إيش بدنا نوصل رسالة؟ مياه من تحت ومياه من فوق، مش عارفين نقعد، والأولاد الصغار مش لاقيين مكان يدفيهم".

المواطن المستغيث
المواطن المستغيث

 

ويضيف الرجل، الذي يعاني من إصابة في قدمه منذ أربعة أشهر تحتاج إلى بلاتين ولم يتلقّ العلاج حتى الآن: "أنا مش قادر أقعد من الوجع، ومش قادر أعمل حاجة لأولادي، ابني الصغير صار يعبي رمل بيده عشان يسد المية اللي بتدخل الخيمة، ما عندنا فراش، ولا حرامات، كله مياه، قاعدين في الشتاء هيك، وما حدش بيتطلع في وجوهنا".

وعن مطالبه، يوضح المتضرر بمرارة: "بدنا ناس تطلع فينا، تجيب لنا فراش وحرامات وشوادر تحمينا من المياه، أقل ما فيها شوادر نستر حالنا، بدنا البلدية تيجي تفتح خط للمياه اللي غرقتنا، الأرض كلها طين، واحنا عايشين فوق مستنقع. أقل شيء يبطّوا الأرض ويعملوا إلنا حل".

رسالة هذا الرجل ليست مجرد شكوى فردية، بل صرخة تعبر عن آلاف العائلات التي تكافح كل ليلة للبقاء على قيد الحياة وسط أمطار غزيرة وبردٍ لا يرحم، في خيام لا تقوى على الصمود أمام شتاءٍ قاسٍ جاءت به الحرب قبل أن تأتي به السماء.

إرشادات هامة

ووجه الدفاع المدني بغزة، إرشادات للفلسطينيين للوقاية من مخاطر المنخفضات الجوية، مهيبا بالموطنين لاسيما النازحين في الخيام ومراكز الإيواء في محافظات القطاع كافة بضرورة أخذ التدابير الوقائية اللازمة لتجنب مخاطر الرياح الشديدة من خلال التأكد من فتح قنوات ومصارف ترابية بين خيام النزوح لتجنب مخاطر تعرض المكان لغمر مياه الأمطار.

رسائل الدفاع المدني بغزة
رسائل الدفاع المدني بغزة

وأشار إلى ضرورة التأكد من تثبيت خيام الإيواء جيدا؛ خاصة القريبة من ساحل البحر والمعرضة لتأثير شدة الرياح، وضرورة وضع سواتر وموانع ترابية لمنع تدفق مياه البحر داخل الخيام، بجانب تجنب الإيواء في المباني التي تعرضت للقصف الشديد وغير الصالحة للسكن خشية من تأثرها بشدة مياه الأمطار وانهيارها على السكان، وعدم إشعال النيران داخل المخيمات وقرب المواد البلاستيكية والأقمشة تجنبا لحدوث الحرائق، داعيا سائقي السيارات والعربات والدراجات النارية تجنب المرور في المناطق الوعرة والطرق غير الآمنة المغمورة بالمياه تجنبا لمخاطرها.

إرشادات الدفاع المدني بغزة للمواطنين الفلسطينيين مع دخول الشتاء
إرشادات الدفاع المدني بغزة للمواطنين الفلسطينيين مع دخول الشتاء

 

تحذيرات بلديات غزة

وحذرت️ بلدية غزة في 10 نوفمبر، من تفاقم الكارثة الإنسانية مع بداية الشتاء في ظل انهيار شبكات الصرف الصحي والمياه ووجود مئات آلاف النازحين بلا مأوى آمن، وبعدها بـ24 ساعة فقط، أكد المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا، أن كمية الركام تجاوزت 70 مليون طن ما يفوق قدرة البلديات على التعامل معها خاصة بعد تدمير الاحتلال 134 آلية أي 85% من أسطول البلدية.


وأضاف أن القطاع لا يمتلك سوى جرافة واحدة ما جعل إزالة الأنقاض مهمة شبه مستحيلة، محذرا في تصريحات نشرتها بلدية غزة، من كارثة بيئية وصحية نتيجة تراكم أكثر من 260 ألف طن من القمامة في الشوارع والمكبات المؤقتة.


وتابع حسنى مهنا :"وضعنا خطة طوارئ لفتح الشوارع وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي وخطة متوسطة المدى لإعادة التأهيل بالتعاون مع المنظمات الدولي، واستمرار إغلاق المعابر يفاقم الأزمة الإنسانية والخدمية ويمنع إدخال الوقود ومواد البناء".


وبعدها بيومين، خرجت بلدية رفح الفلسطينية، لتحذر من المخاطر المحدقة بعشرات آلاف النازحين المقيمين في خيام مهترئة بمناطق ومنازل مهدمة في مواصي خانيونس وأطراف المدينة وعلى امتداد شاطئ البحر، في ظل انعدام أدنى مقومات الحماية من البرد والمطر  مع اقتراب تغيرات الطقس وحلول المنخفضات الجوية، مناشدة الجهات المختصة وفرق الطوارئ والمؤسسات المختلفة لزيادة تدخلها الإنساني، وتكثيف جهودها رغم محدودية الإمكانيات، لتفادي كارثة إنسانية وشيكة.


وفي ذات اليوم، أكدت بلدية خان يونس، خلال بيان لها، أنه تم تدمير كل شيء في غزة في إطار مدروس وممنهج بما فيه الغطاء النباتي، وهناك صعوبة في الوصول إلى مكبات النفايات بسبب الدمار، متابعة :"نحن أمام كارثة حقيقية ينتج عنها انتشار الأمراض والأوبئة، و تم تدمير أكثر من 90% من الغطاء النباتي في القطاع".

900 ألف نازح يواجهون المنخفض الجوي

وأكد المتحدث باسم بلدية خانيونس صائب لقان، أن هناك 900 ألف نازح ومقيم يقطنون في المدينة يواجهون المنخفض الجوي، والإبادة الإسرائيلية تسببت في تدمير 1900 مصرف مياه، موجها رسالة استغاثة عاجلة للعالم بضرورة التدخل الفوري لإنقاذ النازحين الذين غرقت خيامهم.

سوء الأوضاع رغم توقف الحرب

يأتي هذا في الوقت الذي يستمر فيه تدهور الأوضاع في غزة رغم توقف الحرب، وهو ما يتطرق له أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، الذي يوضح أن البضائع المتوفرة في أسواق القطاع هي فقط من الكماليات وأسعارها مرتفعة جدا، متابعا :"ما زلنا نكتشف يوميًا حالات سوء تغذية حتى الآن".
وأضاف مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أنه لم تدخل أي معدات لاستصلاح الآبار بهدف إعادة ضخ مياه الشرب في غزة، حيث إن ما يدخل من شاحنات المساعدات إلى قطاع لا يتعدى ثلث ما اتفق عليه.

المياه تحاصر الخيام

مشهد أخر مأساوي يصفه الصحفي الفلسطيني يحيى يعقوبي والذي يعكس حجم المعاناة التي يعيشها سكان غزة مع أولى زخات الأمطار الشتوية، حيث يقول: "هذه واحدة من صور المأساة التي تعيشها غزة، بمجرد هطول الأمطار غرقت الخيام كما تشاهدون، وتبللت معظم الأمتعة والملابس وكل ما لدى الناس من مقتنيات".


ويتابع سرد التفاصيل الصادمة للكارثة التي يعيشها النازحون في محيط ميدان فلسطين: "الناس الآن محاصرون بمياه الأمطار، بعضهم حاول وضع شوادر حماية من الأعلى، لكنهم تفاجأوا بأن المنطقة بالكامل غُمرت بالمياه، هذا الواقع يمنعهم من الخروج أو الدخول إلى منازلهم وخيامهم، ويزيد من شعورهم بالعجز والخطر المستمر".


ويصف يعقوبي الطبيعة المركبة للكارثة، مشيرا إلى أن هذه المياه ليست مجرد أمطار عادية، قائلا: "المياه التي غمرت المنطقة ليست مياه أمطار فقط، بل هي مزيج من مياه الصرف الصحي والأمطار، ما يضاعف المخاطر الصحية ويحول المشهد إلى كابوس حقيقي للنازحين وأطفالهم، ومنسوب المياه وصل إلى نحو 30 سنتيمترا، وقد يرتفع أكثر مع استمرار هطول الأمطار، ما قد يؤدي إلى فيضانات حقيقية، ويدمر ما تبقى من مأوى الأهالي".


ويشير يعقوبي إلى أن هذه الكارثة كشفت مدى تدمير البنية التحتية في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر: "المشهد صعب ومأساوي، والشتاء يكشف حجم ما فعلته الإبادة في مدينة غزة وقطاع غزة في كل المدن، كل شيء هنا مدمّر، والخيام التي كان يعتمد عليها النازحون لم تعد صالحة للعيش".
ويختتم الصحفي حديثه بتأكيد حجم الألم المستمر الذي تعيشه الأسر الفلسطينية: "هذا المشهد يجسد واقعاً مأساوياً يعيشه أبناء غزة بفعل الإبادة الجماعية التي دمرت كل شيء، ويلات الحرب هذه ستبقى ربما مستمرة لسنوات مع أهالي القطاع، الذين يحاولون فقط النجاة وسط الظروف القاسية التي فرضتها سنوات الحصار والقصف".


حالة الدمار التي تحدث عنها يحيى يعقوبى كشفها تحليل صور للأقمار الصناعية أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 12 نوفمبر، والذي أكد أن جيش الاحتلال دمر أكثر من 1500 مبنى في المناطق التي ظلت تحت سيطرته بغزة منذ بدء وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025.
وأوضحت الهيئة الإذاعية البريطانية، أن  الصور الحديثة للأقمار الصناعية تُظهر أن أحياءً بأكملها خاضعة لسيطرة قوات الاحتلال سُويت بالأرض في أقل من شهر، كما أن  المباني دُمرت في المناطق الشرقية من جباليا وغزة وخانيونس ورفح، لافتة إلى أن العدد الفعلي للمباني المدمرة قد يكون أعلى بكثير بسبب عدم توفر صورٍ فضائية لجميع المناطق.

نقص مستلزمات الإيواء والملابس

وفي 11 نوفمبر حذر الدفاع المدني من كارثة إنسانية في غزة بسبب الشتاء، موضحا في بيان له، أن️ الوضع الإنساني بالقطاع كارثي، واقتراب فصل الشتاء يهدد حياة المواطنين بشكل كبير في ظل نقص مستلزمات الإيواء والملابس والأغطية يجعل القطاع عرضة لكارثة كبيرة في حال تساقط الأمطار.


وأشار إلى أن إدخال المساعدات الإنسانية لا يتجاوز 24% مما تم الاتفاق عليه، بينما الاحتياجات الأساسية مثل المأوى والأمان والملابس الشتوية ما زالت غير متوفرة، مؤكدا أن الدفاع المدني لا يستطيع إزالة الركام أو انتشال الشهداء من تحت الأنقاض بشكل كامل بسبب نقص المعدات والإمكانات، وما يُقدم لا يتجاوز 5% فقط.


وأوضح أن المعدات التي دخلت عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر مخصصة لأغراض البحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين، ولا تغطي احتياجات طواقم الدفاع المدني الفلسطينية، لافتا إلى أن كل المنظمات الدولية ملزمة بالتدخل العاجل لتوفير المعدات والمستلزمات الأساسية لإنقاذ حياة المواطنين ومعالجة الكارثة الإنسانية.

 

أين يذهب النازح؟

ويصف محمود بصل، الساعات الأولى من هطول الأمطار بأنها كانت بداية فصل جديد من المأساة، فمع أول منخفض جوي ضرب القطاع خلال النصف الأول من نوفمبر، غرقت مئات الخيام في مختلف المناطق، وخاصة في مدينة غزة التي شهدت أكبر عدد من النداءات العاجلة.

ويقول إن طواقم الدفاع المدني رصدت عشرات الخيام التي غمرتها المياه بالكامل، وغرق من بداخلها من أطفال ونساء، إلى جانب ضياع ما تبقى من ممتلكات المواطنين التي حملوها معهم بعد تدمير منازلهم.

ويضيف المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة، أن أغطية الناس، فراشهم، ملابسهم، وأي متاع تمكنوا من إنقاذه من بين الركام غرق تماما، بعدما تسربت مياه الأمطار إلى داخل الخيام الصغيرة التي بالكاد تقيهم حر الصيف، فكيف بشتاء قاس، واصفا الوضع قائلا، "الواقع صعب للغاية الواقع كارثي، والمواطن في غزة اليوم لا يعرف إلى أين يذهب؟ السؤال الذي نسمعه من كل نازح هو: أين نذهب؟ ولا جواب لا يوجد مكان في قطاع غزة يصلح للعيش".

ويؤكد أن ما يجري ليس أزمة مناخية فحسب، بل نتيجة مباشرة للكارثة التي تسبب بها الاحتلال، موضحا أن الحرب لم تكتف بتدمير عشرات آلاف المنازل، بل تركت آلاف الأبنية آيلة للسقوط، ما يجعل أي منخفض جوي أشد خطراً على حياة المدنيين.

ويحذر بصل: "إذا تسربت المياه إلى عمق هذه البنايات الضعيفة، قد تنهار في أي لحظة على ساكنيها"، مشيرا إلى أن معاناة الأهالي تتفاقم في ظل استمرار العمليات العسكرية، خاصة أن الاحتلال قتل امرأة في بيت لاهيا، بعد استهدافها بشكل مباشر، في وقت تواصل فيه الطائرات الحربية التحليق في سماء شرق غزة وإطلاق القذائف على المناطق السكنية.

ويختتم مناشدته برسالة واضحة للمجتمع الدولي: "غزة اليوم تعيش كارثة لم يشهدها التاريخ، المخاطر تتزايد، والواقع الإنساني ينهار"، داعيا العالم ومنظمات حقوق الإنسان، إلى الوقوف أمام مسؤولياتهم والعمل فورا لإنهاء معاناة السكان داخل القطاع.

دمار منازل بسبب المنخفض الجوي

وكشف عن انهيار جزء من مبنى آيل للسقوط يعود لعائلة "الددا" في منطقة الزرقا بحي التفاح شرق مدينة غزة، نتيجة المنخفض الجوي الذي ضرب القطاع والأضرار البالغة التي لحقت به جراء القصف السابق.

انهيار المستشفيات بسبب الأمطار

وبحسب بيان صادر عن الدفاع المدني بغزة في 14 نوفمبر، فإنه بسبب المنخفض الجوي اليوم، غرق طابق كامل خاص بالأطفال في مستشفى "أصدقاء المريض" بمدينة غزة، ولم نستطع فعل شيء لهم.

 

تنصل الاحتلال

فيما كشف المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع في ذات اليوم تداعيات الشتاء على غزة، موضحا أنه مع دخول الفصل القارس بقوة وفي ظل الحالة الجوية الصعبة والمنخفض، تتزايد معاناة المواطنين وتتفاقم المأساة الإنسانية التي يعيشها قرابة مليون ونصف إنسان من أبناء الشعب الفلسطيني يعيشون حياة النزوح في الخيام، بعدما أغرقت مياه الأمطار خيامهم البالية ومزقت الرياح العاتية ما تبقى منها.


وأضاف خلال بيانه، أن العالم تابع جوانب متعددة من صور المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ونقلتها الكاميرات، وشاهد المجتمع الدولي عشرات آلاف الأسر وقد باتت بلا مأوى يحميها من مياه الأمطار والرياح، حتى لو كان هذا المأوى مجرد خيمة متواضعة؛ في مشهد يجسد حجم المأساة والكارثة الإنسانية المتفاقمة التي يعيش تفاصيلها شعبنا داخل غزة.


وتابع :"عامين كاملين عاش الفلسطينيين فيها حرب إبادة جماعية ومعاناة إنسانية لم يسبق لها مثيل في ظل منع الماء والغذاء والإيواء والرعاية الصحية، مأساة كنا نأمل أن تنتهي بانتهاء العدوان وإعلان اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن للأسف بقي الوضع على حاله واستمرت المعاناة في ظل تنصل الاحتلال من التزاماته بإدخال احتياجات المواطنين من المساعدات والغذاء والدواء ولوازم الاعمار ومستلزمات الايواء كالخيام والكرفانات".


وأشار إلى أن هذا الواقع الإنساني الكارثي يؤكد حاجة الشعب الفلسطيني الملحة للإغاثة العاجلة والإيواء السريع، خاصة أن القطاع يحتاج إلى ما لايقل عن 250 ألف خيمة، و100 ألف كرفان لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار، خاصة في ظل دخول فصل الشتاء واهتراء الخيام وانهيار العديد من المنازل الآيلة للسقوط التي يضطر المواطنون للمكوث فيها هربا من غرق الخيام بمياه الأمطار أو اقتلاعها بسبب الرياح .

 

وقال المكتب الإعلامي الحكومي، إنه لم يعد مقبولا حالة الصمت والعجز الدولي على مماطلة الاحتلال في السماح بدخول المساعدات الإنسانية، وتنصله من مسئولياته والتزاماته، مطالبا بضرورة العمل سريعا لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية والإيوائية التي يحتاجها القطاع، ورفع الصوت عاليا رفضا لمماطلة إسرائيل وتسويفها في تنفيذ التزاماتها.

خيام مؤقتة

وأكدت وكالة الأونروا في 15 نوفمبر، أن الأمطار تزيد صعوبة الأوضاع في غزة، والعائلات تلجأ إلى أي مكان متاح، بما في ذلك الخيام المؤقتة، لافتة في بيانها إلى الحاجة ماسة إلى إمدادات المأوى في غزة، وهي متوفرة لدينا، وندعو إلى السماح لنا بتقديمها للسكان.


وحذرت الوكالة من أن المنخفض الجوي الذي يتعرض له القطاع حاليا سيكون له تداعيات كارثية على النازحين في القطاع، مشيرة إلى أن هناك تحركات دولية لمحاولة الضغط على إسرائيل وإجبارها على السماح بدخول المساعدات إلى غزة.


وعلق المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا عدنان أبو حسنة على انهيار الوضع الإنساني بسبب الأمطار، قائلا إن مئات آلاف الخيام مهددة في غزة مع سقوط الأمطار بكثافة في قادم الأيام، متابعا :"لدينا مئات آلاف الخيام ومواد غذائية تكفي 3 أشهر والاحتلال يرفض إدخالها".
وأضاف أن منسق الأمم المتحدة يتواصل مع الجانب الإسرائيلي للسماح بإدخال المساعدات، مشيرا إلى أن الوكالة لديها من المساعدات ما يكفي لإيواء مليون و400 ألف فلسطيني في غزة.

أضرار الشتاء على غزة
أضرار الشتاء على غزة

 

مأساة موت الأطفال

وفي ذات اليوم أكدت منظمة أطباء بلا حدود خوفها من تكرار مأساة موت الأطفال هذا الشتاء جراء البرد ونفص المستلزمات الغذائية والصحية بغزة، موضحة أن في بيان لها أن الوضع كارثي والمنخفض الجوي يفاقم الأزمات المعيشية والإنسانية للنازحين.

فقدان الممتلكات

وفي 16 نوفمبر أعلنت الأمم المتحدة، أن أكثر من 13 ألف أسرة في غزة تضررت بفعل الأمطار خلال الأيام الماضية، مشيرة إلى أن  آلاف العائلات فقدت ما تبقى من ممتلكاتها القليلة نتيجة سوء الأحوال الجوية وتدهور الأوضاع الإنسانية.


وفي ذات اليوم خرج الدفاع المدني بغزة ليعلن عن غرق أسر بأكملها جراء الأمطار الغزيرة والواقع في القطاع صعب وكارثي، مشيرا إلى أنه لا يملك القدرات اللازمة لمواجهة التداعيات الكارثية التي تسببت بها الأمطار في القطاع.


وأشار إلى أن سكان القطاع سيشهدون أياما أكثر صعوبة في الأيام المقبلة مع اشتداد حدة المنخفضات الجوية التي ستضرب القطاع، خاصة أن مدينة غزة غرقت بالكامل في غضون ساعتين فقط من تساقط الأمطار.


وتابع خلال بيان له :"نعيش الآن ظروفا أصعب من الحرب والخيام في غزة مكتظة بالسكان وغير صالحة للسكن من الأساس، ويتعين على المجتمع الدولي توفير مساكن تحمي المواطنين في غزة من تداعيات سقوط الأمطار خاصة أن السكان في حاجة إلى نصف مليون خيمة ولا نعرف السبب وراء تأخير إدخالها إلى القطاع، وآلاف الخيام تضررت وتبللت ملابس وأغطية النازحين بسبب الأمطار، وسط انعدام مقومات الحياة بعد الإبادة"، معلنا عن عجزه عن التعامل مع حالات الغرق لغياب المعدات بعد تدمير الاحتلال لها، والخدمات البلدية بدائية ولا تلبي احتياجات الناس.

مخيمات تتحول إلى مسابح للمعاناة

وفي مشهد يختصر حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة داخل قطاع غزة، يصف محمود بصل، لوضع الراهن بأنه "مرحلة صعبة للغاية" لا يمكن للعالم أن يقف أمامها صامتا، مؤكدا أن مجرد ساعات من الأمطار البسيطة كشفت هشاشة ما تبقى من مقومات الحياة.


يبدأ المتحدث باسم الدفاع المدني، حديثه برصد مشاهد مأساوية في مناطق مختلفة من غزة، قائلاً:"رصدنا حالات كثيرة لغرق خيام، هناك مناطق بأكملها غرقت مثل منطقة الزرقاء، منطقة اليرموك، منطقة خلف، وغرب مستشفى المعمداني، وهذه مناطق فيها مراكز ومخيمات إيواء، وتعرضت للغرق بشكل كبير للغاية، حتى إن المياه دخلت على الناس داخل خيامهم."


ويؤكد أن الأضرار التي لحقت بالناس كبيرة للغاية، والوضع تجاوز حدود الاحتمال: "الخيمة لا تقي من الشتاء، لا تقي من المطر، ولا يمكن أن تكون مكانا آمنا تعيش فيه الأسرة هذا ليس مأوى".

غزة لا تتحمل منخفضا حقيقيا

ويرسل بصل رسالة تحذير واضحة:"ما سقط على غزة من أمطار هو شيء قليل للغاية، تخيلوا إذا تحدثنا عن منخفض حقيقي، أو منخفض قطبي لمدة أسبوع؟ القطاع سيتضرر بشكل كبير وربما نسجل حالات وفاة كثيرة".


ويتابع بنبرة تعكس الخطر الداهم: "المواطنون هنا لا يملكون أي مقومات عيش، حيث لا حجر واحد، لا كيس إسمنت واحد، والبنايات مدمرة وآيلة للسقوط، وإذا جاء منخفض قطبي كبير فانتظروا الكارثة الكبرى".

ثلاث ساعات مطر وغزة غرقت
 

ويشدد على أن ما شهدته غزة خلال الأيام الماضية ليس منخفضًا حقيقيا: "المنخفض كان بسيطا جدا مقارنة بما شهدناه في أعوام سابقة، رغم ذلك، ثلاثة ساعات فقط من المطر كانت كفيلة بأن تغرق مدينة غزة بالكامل".


ويضيف أن الخيام لم تصمد: "الخيام تعرضت للتلف والهلاك وتطايرت، وما عاشه الناس داخلها لا يمكن وصفه، كثيرون باتوا ليلتهم خارج الخيام، تحت أنقاض البنايات المدمرة ليحتموا من المطر".

الشتاء القادم كارثة القرن إذا لم يتحرك العالم
 

ويطرح بصل سؤالا للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية: "إذا كان ثلاث ساعات من الأمطار أدت إلى هذه الكارثة، فكيف سيكون حال غزة إذا تعرضت لمنخفض قطبي شديد؟ ستكون كارثة لم يشهدها القرن الواحد والعشرين"، كما يحذر من نتائج ذلك بوضوح:"سيموت الأطفال من البرد، سيموت الرضع من المياه المتدفقة إلى الخيام، سيموت كبار السن والمرضى لأنه لا يوجد حماية، ولا يوجد أي شيء يقي هؤلاء المواطنين".

الخيمة ليست حياة والبديل ضرورة عاجلة

كما يرى أن الحل لا يمكن أن يكون ترقيعيا أو مؤقتا قائلا: "الخيمة ليست مكانا يستر الناس، ربما ليوم أو يومين أو شهر، لكنها لا تصلح أن تكون حياة، والمطلوب الآن  وبشكل عاجل  توفير كرفانات للعائلات التي تعيش في الشوارع"، ويؤكد أن الوقت يضيق: "هذه هي الفترة المناسبة للتدخل، بعد ذلك لن يقبل هذا الأمر أي إنسان يمتلك ضميرا حيا".

رسالة من قلب المعاناة: عاملونا كبشر

كما يوجه رسالة واضحة للعالم والمنظمات الدولية: "يجب أن تدركوا المخاطر التي نعيشها، البنايات المهدمة، القبور التي دخلت عليها المياه، الجثث التي غمرتها السيول، هذه ليست حياة"، متابعا :"نحن مقبلون على كارثة حقيقية لكنها ليست كارثة طبيعية، بل كارثة صنعها الصمت العربي والإسلامي والدولي."


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب