مع اقتراب دخول الشتاء، تجد أوروبا نفسها أمام تهديد صحى غير مسبوق، بعدما ظهر متحور الإنفلونزا K من نوع A(H3N2) كمحرك رئيسى لموجة عدوى مبكرة وسريعة تفاجئ القارة قبل موعدها الطبيعى بأسابيع، وبينما يستعد الأوروبيون لأجواء البرد، يبدو أن الفيروس سبق الجميع بخطوات وأشعل موسمًا وبائيا يهدد المستشفيات، ويكشف عن ثغرات خطيرة فى قدرة اللقاح الحالى على صد المتحور الجديد.
طفرة جديدة.. وقدرة أكبر على الالتصاق والهروب المناعي
سلطت الصحف الأوروبية الضوء على موسم الانفلونزا الذى يعتبر الأعنف منذ سنوات، وقالت صحيفة الباييس الإسبانية أن المتحور K يتميز بسبع طفرات جوهرية فى بروتين الهيماجلوتينين (HA)، المسئول عن دخول الفيروس إلى الخلايا البشرية. هذه الطفرات جعلت الفيروس:أسرع انتشارا، وأعلى قدرة على الهروب المناعى، وأكثر قدرة على إصابة الأطفال وكبار السن، وقادرًا على كسر الحماية المكتسبة من العدوى السابقة.
فى اليابان – بحسب تقارير أوروبية – بدأ موسم الإنفلونزا قبل 5 أسابيع من المعتاد، مع إغلاق عشرات المدارس، وارتفاع حاد فى دخول الأطفال للمستشفيات.
هذا النموذج، الذى تراقبه أوروبا عن قرب، يُخشى أن يتكرر لديها فى غضون أسابيع.
تحذيرات أوروبية متصاعدة.. الوقت حاسم
أصدر المركز الأوروبى للوقاية ومكافحة الأمراض (ECDC) عدة تحذيرات عاجلة:رفع مستوى خطر الإنفلونزا إلى مرتفع على كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة وضعيفى المناعة، والدعوة إلى التطعيم الفورى بدون انتظار ذروة الموسم، والتأكيد على أن الفيروس المتحوّر يتفوق بسرعة على اللقاحات الحالية.
ووصفت صحيفة لابانجورديا الإسبانية أن الوضع وكأنه سباق مع الزمن، بينما اعتبرت صحيفة الديباتى الإسبانية أن تأخير التطعيم خطأ سيكلف النظام الصحى كثيرا.
أما صحيفة والت الألمانية فوصفت المشهد بأنه موسم انفلونزا مبكرة بصورة مقلقة مع مخاوف من الضغط على المستشفيات بحلول يناير، حيث أنه توقيت غير معتاد على الإطلاق.
اللقاح الحالى.. حماية جزئية فقط
بسبب تصميم اللقاح قبل ظهور المتحوّر K، تشير البيانات الأوروبية إلى مستويات فعالية أقل:الأطفال: 70–75% حماية، والبالغون: 35–40% فقط، ورغم انخفاض الفعالية، يؤكد خبراء الصحة أن اللقاح لا يزال خط الدفاع الوحيد القادر على: تقليل الإصابات الخطيرة، وخفض الوفيات منع الانهيار فى أقسام الطوارئ.
إسبانيا.. موسم يتقدم 4 أسابيع
البروفيسور أنتونى تريلا من جامعة برشلونة توقع وصول الموجة إلى ذروتها فى نهاية ديسمبر بدلًا من يناير، وهو ما قد يخلق ضغطًا مضاعفًا خلال عطلة الميلاد والتنقلات الكبيرة.
وتستعد البلاد الآن لخطة تتضمن: تعزيز الأقسام الطبية، وزيادة التطعيمات، ووضع سيناريوهات للطوارئ فى حال ارتفاع معدلات دخول كبار السن للمستشفيات.
إجراءات أوروبية
أصدر ECDC مجموعة توصيات عاجلة، منها التطعيم الفورى دون انتظار، وتوفير مضادات الفيروسات بسرعة للحالات الخطيرة، واحتمال استخدام الوقاية الدوائية داخل دور الرعاية، وتعزيز ارتداء الكمامات فى المستشفيات، وتكثيف التوعية العامة حول النظافة التنفسية.
وتحذر الصحف الأوروبية من أن التراخى فى تطبيق هذه التوصيات قد يجعل الموجة خارجة عن السيطرة بحلول يناير.
والمتحوّر K ليس مجرد سلالة جديدة، بل تحدٍ وبائى كامل الأركان، يجمع بين سرعة الانتشار، والقدرة على تجاوز المناعة، وتراجع فعالية اللقاح.
وبينما تستعد القارة لموسم شتاء قارس، يبدو أن العاصفة الصحية بدأت قبل وصول البرد، وأن أوروبا مقبلة على اختبار صعب لنظامها الصحى وقدرته على مواجهة موجة أكثر شراسة من المتوقع.