في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الموارد المائية على مستوى العالم، تتبنى مصر استراتيجية وطنية متطورة لإدارة المياه، من خلال إطلاق الجيل الثاني من منظومة الري 2.0، التي ترتكز على التحول الرقمي وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية والنماذج الرياضية، لتوفير إدارة ذكية ومستدامة للموارد المائية.
تتضمن هذه المنظومة الطموحة تسعة محاور رئيسية، تهدف إلى مواجهة التغيرات المناخية، وتحقيق الأمن المائي والغذائي، ودعم التنمية الزراعية، وتحقيق الحوكمة الرشيدة في إدارة المياه.
معالجة المياه والتحلية للإنتاج الغذائي الكثيف
بدأت الدولة المصرية خطوات جادة في مجال معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، من خلال مشروعات عملاقة مثل الدلتا الجديدة، بحر البقر، والمحسمة، والتي تعزز من كفاءة استخدام الموارد المائية. كما تواصل الدولة الاستثمار في مشروعات التحلية كمصدر مستدام لتوفير المياه، خاصة في ظل الزيادة السكانية وندرة المياه.
الإدارة الذكية للمنظومة المائية
يعتمد هذا المحور على أحدث أدوات التحليل والرقابة مثل نماذج التنبؤ بالأمطار، وصور الأقمار الصناعية لتحديد زمامات المحاصيل الزراعية، والتصوير بالدرونز لمراقبة مكونات المنظومة.
كما يتم استخدام نماذج شبكات الترع لتخطيط وتحسين التشغيل، إلى جانب توظيف برامج تعلم الآلة لتقدير مناسيب المياه، ومنصة "Digital Earth Africa" لمتابعة حماية الشواطئ ويجري تنفيذ مشروع مشترك مع إسبانيا لتحديث الموارد المائية الزراعية.
التحول الرقمي لتعزيز الكفاءة والشفافية
يمثل التحول الرقمي أحد الركائز الأساسية في تطوير منظومة الري، حيث يتم رقمنة بيانات الترع والمصارف والمنشآت المائية، وإنشاء قواعد بيانات شاملة، وتصميم تطبيقات ذكية للمزارعين لتمكينهم من متابعة المناوبات ومعرفة مواعيد الري وقد تم حتى الآن تطوير 27 تطبيقًا ضمن هذه الجهود.
تأهيل المنشآت المائية وتطوير الترع
تركز الدولة على تأهيل الترع باستخدام مواد صديقة للبيئة، وتطوير منظومة التشغيل والمراقبة بالسد العالي، فضلًا عن تأهيل وصيانة المنشآت المائية الكبرى مثل قناطر ديروط، وإنشاء مصبات نهائية للترع، في إطار خطة متكاملة لتحسين البنية التحتية المائية.
التكيف مع التغيرات المناخية
في إطار مواجهة مخاطر المناخ، تم تنفيذ مشروعات ضخمة لحماية الشواطئ في الإسكندرية، دمياط، مطروح ورشيد، بالإضافة إلى مشروع "تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية" باستخدام مواد طبيعية صديقة للبيئة.
كما تم تنفيذ 1631 منشأة للحماية من السيول في المحافظات الأكثر تعرضًا للمخاطر المناخية، مع تعزيز الاعتماد على الطاقة الشمسية في محطات الرفع، بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية.
الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد
تعتمد منظومة الري الجديدة على تعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية، من خلال إشراك المزارعين في إدارة المياه، وتشكيل روابط مستخدمي المياه، وتطوير التشريعات لتجريم التعديات على المياه الجوفية كما تسعى الوزارة إلى رقمنة التراخيص وتطوير أدوات رقمية لمتابعة المشاريع، بما يسهم في محاربة الفساد وتعزيز النزاهة.
تطوير الموارد البشرية وبناء القدرات
تولي المنظومة اهتمامًا خاصًا ببناء قدرات العاملين في قطاع الري، من خلال التدريب والتأهيل الفني، وسد العجز في الكوادر الهندسية والفنية، وتقديم دورات تدريبية متخصصة في مجالات مبتكرة مثل إعادة استخدام نبات ورد النيل في تصنيع منتجات صديقة للبيئة.
التوعية المجتمعية لترشيد المياه
تلعب التوعية دورًا محوريًا في نجاح المنظومة، حيث أطلقت الوزارة حملات توعوية مثل حملة "على القد"، التي تهدف إلى نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه، إلى جانب الندوات والفعاليات التوعوية التي تستهدف مختلف الفئات العمرية بأساليب شرح مبتكرة.
العمل الخارجي والقيادة الإقليمية
تتبوأ مصر دورًا رائدًا في رفع قضية المياه عالميًا، من خلال تنظيم أسابيع القاهرة للمياه، والمشاركة في مؤتمرات المناخ والأمم المتحدة للمياه، فضلًا عن قيادتها الناجحة لمجلس وزراء المياه الأفارقة (الأمكاو)، وإطلاق مبادرة AWARe لدعم الدول الإفريقية في مواجهة تحديات المياه وتغير المناخ.
منظومة ري جديدة لمستقبل آمن ومستدام
تعكس منظومة الري 2.0 التزام الدولة المصرية بتطوير القطاع المائي وفقًا لأعلى المعايير التكنولوجية والبيئية، بما يحقق الاستدامة المائية والأمن الغذائي، ويدعم الاقتصاد القومي في مواجهة تحديات المستقبل.