ماذا لو لم يكن لدينا السد العالي؟ قصة مشروع أنقذ مصر من الغرق والعطش

الإثنين، 06 أكتوبر 2025 04:00 ص
ماذا لو لم يكن لدينا السد العالي؟ قصة مشروع أنقذ مصر من الغرق والعطش السد العالي

كتب: روان يحيى

يُعد السد العالي في أسوان واحدًا من أعظم المشاريع الهندسية في القرن العشرين، ليس فقط في تاريخه المعماري والهندسي، ولكن أيضًا في دوره المصيري الذي غيّر وجه الحياة في مصر، وحماها من أخطار الفيضانات والجفاف على مدار أكثر من نصف قرن.

أعدّت الزميلة روان يحيى تقريرًا عن السد العالي ودوره في حماية مصر من أخطار الفيضان والجفاف، واستعرضت فيه كيف تحوّل هذا المشروع القومي إلى درع الأمان المائي والكهربائي للدولة المصرية على مدار أكثر من نصف قرن.

قبل بناء السد العالي، كان نهر النيل شريان الحياة للمصريين، لكنه في الوقت نفسه كان مصدر تهديد دائم. فسنوات الفيضان كانت تشهد غرق القرى وانهيار البيوت الطينية وتدمير المحاصيل الزراعية، بينما كانت سنوات الجفاف تجف فيها الأراضي، وتُهجر الحقول، ويعاني الفلاحون من نقص المياه وندرة الغذاء.

شهد التاريخ المصري الحديث كوارث متكررة بسبب فيضانات النيل، أبرزها فيضان عام 1878 الذي أغرق آلاف الأفدنة وتسبب في مجاعات واسعة، وفيضان عام 1946 الذي دمّر قرى كاملة في الصعيد والدلتا. كما تسببت موجات الجفاف في الأربعينيات والخمسينيات في أزمات غذائية واقتصادية حادة دفعت مصر إلى الاستيراد وسط ضغوط مالية خانقة.

من هنا جاء قرار بناء السد العالي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليكون مشروع استقلال وسيادة، لا مجرد منشأة هندسية. بدأت أعمال البناء عام 1960 بمشاركة أكثر من 40 ألف عامل ومهندس، واستمر العمل حتى عام 1970، ليُسدل الستار على أضخم مشروع قومي في تاريخ مصر الحديث.

لم يكن السد مجرد جدار خرساني ضخم، بل ملحمة سياسية واقتصادية، فبعد انسحاب الولايات المتحدة والبنك الدولي من تمويل المشروع تحت ضغوط سياسية، قررت مصر الاعتماد على نفسها، وتحويل التحدي إلى فرصة لإثبات قدرتها على تحقيق إنجاز وطني خالص.

ومع اكتمال البناء، تغيّرت خريطة مصر المائية بولادة بحيرة ناصر، التي تمتد لمسافة تقارب 500 كيلومتر، وتبلغ سعتها التخزينية نحو 162 مليار متر مكعب من المياه، لتصبح أكبر بحيرة صناعية في العالم، والمخزن الاستراتيجي الذي يحمي البلاد في أوقات الشدة.

يمتد جسم السد لمسافة 3830 مترًا بارتفاع 111 مترًا، واستخدم في بنائه أكثر من 33 مليون متر مكعب من المواد، أي ما يعادل بناء عشرات الأهرامات. ويستطيع السد تمرير 11 ألف متر مكعب في الثانية عبر ممراته الرئيسية، مع وجود مفيضات طوارئ إضافية بطاقة 5 آلاف متر مكعب في الثانية لتصريف أي زيادات طارئة.

السد العالي لم يكن درعًا مائيًا فقط، بل أيضًا مصدرًا للطاقة. فقد تم تركيب 12 مولدًا عملاقًا، بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 2.1 جيجاوات، مكّنت مصر لأول مرة من إضاءة الريف والقرى التي كانت تعتمد لعقود على المصابيح الزيتية. عند اكتماله، أصبح السد العالي أكبر محطة كهرومائية في أفريقيا، وسادس أكبر محطة في العالم، بإنتاج سنوي وصل إلى نحو 10 مليارات كيلووات/ساعة في سنواته الأولى.

لكن القيمة الحقيقية للسد ظهرت في لحظات الأزمات.
ففي سنوات الجفاف القاسية بين عامي 1981 و1987، أنقذ السد العالي مصر من كارثة عطش حقيقية، وفي فيضانات أواخر التسعينيات حجز كميات ضخمة من المياه ومنع غرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والقرى.

وفي السنوات الأخيرة، ومع تصاعد أزمة سد النهضة الإثيوبي، أثبت السد العالي أنه صمام الأمان للدولة المصرية، فبينما واجهت دول مجاورة كالسودان أضرارًا بسبب التصريفات المفاجئة من السد الإثيوبي، كانت مصر في مأمن، بفضل قدرات السد على استيعاب ملايين الأمتار المكعبة من المياه يوميًا، وإعادة توزيعها بشكل منظم عبر شبكات الري إلى الدلتا والوادي.

اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على إنشائه، يظل السد العالي رمزًا للسيادة المصرية، ودرع الأمان الذي حفظ البلاد من الغرق في سنوات الفيضان، ومن العطش في سنوات الجفاف.
فهو ليس مجرد مشروع هندسي… بل قصة إرادة أمة، وحكمة قيادة، وملحمة شعب آمن أن بقاءه مرتبط بالنيل، وأن حماية النيل تبدأ من السد العالي.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب