خالد صلاح يكتب: انتصار أكتوبر عبقرية الرؤية فى زمن الضجيج والدم المجانى

الإثنين، 06 أكتوبر 2025 10:00 ص
خالد صلاح يكتب: انتصار أكتوبر عبقرية الرؤية فى زمن الضجيج والدم المجانى خالد صلاح

ولد انتصار أكتوبر من رحم الصبر والعقل والحكمة والتخطيط، لا من طلقات المدافع وحدها، كان النصر ثمرة عقل استيقظ بعد صمت طويل، فقرأ العالم بعين واعية، واختار طريقا يليق بالأمة التي أرادت أن تنتصر بعقلها قبل سلاحها، في اكتوبر لم تنتصر البندقية أو دانات الدبابات المصرية وحدها، بل انتصر العقل الذي خطط، والإرادة التي صبرت، والرؤية التي أحسنت قراءة التاريخ، كان ذلك انتصار الدولة العاقلة الرشيدة التي اختارت بوعي متى ينفجر الغضب ، ومتى تتوقف آلة الحرب من أجل السلام .

لم يكن انتصار أكتوبر مجرد عبور عسكري ولا انتفاضة غضب عابرة بل كان لحظة وعي نادرة في تاريخ الأمة لحظة نهض فيها العقل المصري من تحت الركام فقرأ واقعه بدقة ووازن بين الحلم والقدرة وبين الرغبة والضرورة فاختار الطريق الذي يليق بدولة تعرف متى تثور ومتى تفكر ومتى تعتصم بالصبر والاتزان .

كان أكتوبر ميلاد دولة قررت أن تحكم عقلها لا عاطفتها وأن تحيا بالبصيرة لا بالهتاف ، لقد ولد النصر من رحم الفكرة قبل أن تلده المدافع ومن عمق الرؤية قبل طلقات الرصاص الموجهة لصدور جنود العدو ، ودماء الشهداء على الرمال .

لم تنتصر البندقية وحدها بل انتصر الذكاء الجمعي الذي صاغ خطة النصر وانتصر الصبر الذي كظم الغضب سبع سنوات طويلة وانتصر الإصرار الذي رفض أن تتحول الهزيمة إلى قدر أبدي في أكتوبر تجلت عبقرية الدولة المصرية وهي تصنع المعادلة الصعبة أن تحمل السلاح لتصنع السلام وأن تخوض الحرب لتوقف الحرب ذلك هو الفارق بين دولة تقاتل من أجل معنى وقيمة ورسالة وحماية مصير أمة، وبين تنظيمات تقاتل من أجل استعراضات لقوة لا أساس لها على الأرض ، وأصوات زاعقة وناعقة  في ميكروفونات فضائيات التضليل .

لقد كان النصر ثمرة فكر استراتيجي أدرك أن الكرامة لا تُستعاد بالصراخ بل بالعمل الصامت والتخطيط الدقيق والقراءة العميقة لموازين القوة ، مصر في أكتوبر لم تندفع وراء انفعال ولا غرور بل استخدمت عقلها كسلاح أساسي في المعركة ، وإرادتها كسلاح يمثل وقود حركة الجنود على الجبهة، كانت تدرك أن النصر الحقيقي هو الذي يصون الحياة بعد الحرب لا الذي يبددها في نشوة الدم.

وحين عبر الجنود القناة لم تعبر الدبابات وحدها بل عبرت أمة كاملة من ضفة العجز إلى ضفة العزيمة وحين نالت مصر هدفها في المعركة، لم تترك عقلها أسير الانتقام بل أمسكت باللحظة التاريخية لتصوغ منها سلاما أعظم من المدافع وأبقى من الشعارات.

ذلك هو الفرق بين من يفكر بعقل يدرك حركة التاريخ ويحسب خطواته بوعي وبين من يتحرك بردود الفعل وباندفاع الغضب ، بين من يصنع المعنى ومن يبدده في زحام الهتاف فالتاريخ لم يرحم من استبدل الرؤية بالجعجعة فارغة المضمون ، ولا من ظن أن الحرب بلا مشروع سياسي بطولة أبدية وجهاد مقدس، كما  فعلت حركات مثل حماس وحزب الله ومن قبلها كل التنظيمات التي جعلت من الانفعال مذهبا تظن أن الرصاص وحده يحرر وأن الدم وحده يمنح الكرامة لكن النتيجة كانت دائما واحدة هزائم متكررة وخسائر متراكمة ودماء تراق بلا غاية.

لقد علمتنا مصر أن النصر لا يقاس بعدد القتلى بل بقدرة العقل على أن يصنع حياة بعد الحرب وأن المقاومة التي لا تحمل فكرة من أجل الناس تتحول إلى انتحار مؤجل لهذا ظل أكتوبر درسا خالدا في زمن الضجيج والدم المجاني تظل مصر هي البوصلة الأخيرة للعقل العربي وحين تقاتل تقاتل بعقل الدولة لا بغريزة الغضب وحين تنتصر لا تنتصر لنفسها وحدها بل للأمة بأسرها .




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب