تشهد أسواق القهوة العالمية اضطرابًا حادًا مع نهاية عام 2025، وسط مزيج من الضغوط المناخية ونقص الإنتاج وارتفاع الأسعار فى الدول المنتجة. وبعد سنوات من النمو المتواصل فى الطلب العالمى، يبدو أن العالم يقترب من أزمة قهوة حقيقية قد تمتد إلى عام 2026.
تراجع الإنتاج فى أكبر الدول المصدرة
تُعد البرازيل، أكبر منتج للبن فى العالم، محور الأزمة الحالية. فقد أعلنت وكالة الإحصاء الزراعى البرازيلية (Conab) عن خفض توقعاتها لإنتاج قهوة الأرابيكا بنسبة 5% مقارنة بالعام الماضى، نتيجة موجة الجفاف التى ضربت ولايتى ميناس جيرايس وساو باولو خلال موسم النمو. كما حذّر خبراء الأرصاد من أن ظاهرة لا نينيا التى عادت فى خريف 2025 قد تؤدى إلى اضطرابات جديدة فى أنماط الأمطار خلال عام 2026، ما يهدد المحاصيل المقبلة.
وفى فيتنام، ثانى أكبر مصدر للبن فى العالم، تسببت الأمطار الغزيرة غير المعتادة فى تدمير مساحات كبيرة من مزارع الروبوستا، النوع الأرخص الذى تعتمد عليه شركات القهوة الفورية والمخلوطة. وقدّر اتحاد البن الفيتنامى انخفاض الإنتاج بنسبة تتراوح بين 8 و10%، الأمر الذى سيؤدى إلى ضغوط إضافية على السوق.
أسعار القهوة تقفز إلى مستويات قياسية
نتيجة لهذه التحديات، ارتفعت أسعار البن الخام فى البورصات العالمية بأكثر من 20% منذ بداية 2025. ففى سبتمبر، تجاوز سعر رطل البن العربى حاجز 2.5 دولار، وهو أعلى مستوى منذ 2011، فى حين قفزت أسعار البن الروبوستا فى بورصة لندن إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقدين.
وأعلنت شركات التحميص الكبرى فى البرازيل وأوروبا عن زيادات تتراوح بين 10 و15 % فى أسعار منتجاتها للمستهلكين. وأكدت تقارير من وكالة رويترز أن بعض الشركات الأوروبية باتت تفكر فى تقليل محتوى البن الطبيعى فى الخلطات التجارية لتقليص التكلفة، مما قد يؤثر على جودة القهوة المقدمة للمستهلكين حول العالم.
أثر التغير المناخى والبيئي
لا يقتصر الأمر على الإنتاج الحالى، بل يمتد إلى مستقبل زراعة البن.
فبحسب منظمة Coffee Watch، تسببت زراعة القهوة فى إزالة أكثر من 42,000 ميل مربع من الغابات فى البرازيل خلال العقدين الماضيين، ما أدى إلى تدهور التربة وارتفاع درجات الحرارة المحلية. هذا التغيير المناخى يجعل زراعة البن أكثر صعوبة عامًا بعد عام، خصوصًا فى المناطق المنخفضة التى لم تعد ملائمة للمحصول.
من جهة أخرى، بدأت بعض الشركات فى نقل مزارعها إلى مرتفعات جديدة أكثر برودة فى كولومبيا وكينيا وإثيوبيا، لكن هذه الخطوة تتطلب استثمارات كبيرة وقد تؤدى إلى ارتفاع أسعار البن الممتاز فى الأسواق الراقية.
توقعات 2026: نقص المعروض واستمرار الضغوط
يتوقع خبراء السوق فى منظمة القهوة الدولية (ICO) أن يستمر العجز فى الإمدادات خلال عام 2026، إذ يُتوقع أن يتراجع الإنتاج العالمى بنحو 3% إضافية، فى مقابل زيادة الطلب المستمرة خصوصًا فى آسيا والشرق الأوسط.
كما تشير التقديرات، إلى أن الأسعار ستظل مرتفعة طوال العام المقبل، وربما تتجاوز مستويات 2021 إذا استمرت الظواهر المناخية القاسية. ومع تصاعد تكاليف الشحن والطاقة، من المرجح أن تبقى القهوة سلعة مرتفعة السعر حتى عام 2027 على الأقل.
وتعتبر الأزمة الحالية تذكير قوى بأن فنجان القهوة اليوم لم يعد مجرد عادة صباحية، بل أصبح رمزًا لتحديات الاقتصاد العالمى والمناخ. وبينما يسعى المنتجون إلى حلول مستدامة وزراعة أكثر مرونة، يبدو أن القهوة فى 2026 ستصبح أغلى ثمنًا وأندر توافرًا مما اعتدنا عليه.