ركام غزة المسرطن.. التحدى الأكبر لاستئناف الحياة.. يهدد العائدين لديارهم بالموت والأمراض المزمنة.. تقارير أممية: الركام يحتاج 21 عاما لإزالته بتكلفة مليار و200 مليون دولار..3.7 طن من الأسبستوس المسرطن بالركام

الأحد، 19 أكتوبر 2025 04:00 م
ركام غزة المسرطن.. التحدى الأكبر لاستئناف الحياة.. يهدد العائدين لديارهم بالموت والأمراض المزمنة.. تقارير أممية: الركام يحتاج 21 عاما لإزالته بتكلفة مليار و200 مليون دولار..3.7 طن من الأسبستوس المسرطن بالركام ركام غزة

كتب ـ أحمد جمال الدين

- «أطباء بلا حدود» الآلاف فى غزة لا يستطيعون مواجهة حطام المبانى ومخاطره
 

- 90 ألف طن غازات مسببة للاحتباس الحرارى
 

- 2.5 طن نفايات سامة وألغام غير متفجرة داخل حطام المبانى الصناعية
 

بعد 735 يوما من الحرب الشعواء التى شنها الكيان الصهيونى وتحديدا منذ السابع من أكتوبر عام 2023 عانى خلالها أهالى غزة من حرب شعواء شنها عليهم الكيان الصهيونى خلفت وراءها آلاف الضحايا والمصابين فضلا عن تدمير البنية الأساسية من مبانى وطرق ومراكز صحية وتعليمية، عاد الأمل مجددا لأهالى غزة بعد الوصول لاتفاقية وقف الحرب.

ويستعد آلاف العائلات من النازحين الذين هجروا منازلهم هربا بحياتهم وبحثا عن الأمن للعودة إلى ديارهم مجددا ولكنهم اصطدموا بمانع قوى وهو الركام الذى غطى أكثر من 90% من مساحة غزة التى لم يعد بها حجر على حجر فأينما تولى وجهك لا تجد سوى الركام وحطام المبانى بما يقدر بـ60 ألف طن من مخلفات البناء تحتاج من 14 إلى 21 عاما لإزالته بتكلفة تصل إلى مليار و200 مليون دولار بحسب تقديرات أممية.

الأزمة لا تتوقف عند مساحة الركام أو تكلفة إزالته إنما الخطورة الحقيقية والتحدى الأكبر أن ذلك الركام يحتوى على مادة الأسبستوس الخطيرة المسببة للسرطانات حيث تحتوى حطام المبانى القديمة على 3,7 أطنان من الأسبستوس ويتشبع حطام المبانى الصناعية بـ 2,6 طن من النفايات السامة بحسب التقديرات الأممية.

إزالة هذا الركام تحد بيئى ومادى أمام حلم استعادة الحياة واستئناف سكان القطاع المقدر عددهم بـ2 مليون نازح لحياتهم الطبيعية.
 

ما هى مادة الأسبستوس؟

هى مادة تتكون من مجموعة ألياف معدنية لها استخدامات تجارية واسعة النطاق، خاصة فى مجال المبانى نظرا لمقاومتها غير العادية للشد ومقاومتها الحرارة، لذلك شاع استخدامها فى أغراض العزل داخل المبانى، وفى تشكيلة مكونات عدد من المنتجات، مثل ألواح التسقيف، وأنابيب الإمداد بالمياه، وبطانيات إطفاء الحرائق، ومواد الحشو البلاستيكية، والعبوات الطبية، فضلا عن استخدامها فى مقابض السيارات.

وهناك 6 أشكال رئيسية من الأسبستوس، ومن أكثرها استخداما وشيوعا «الأسبستوس الأبيض».

4

وتعتبر جميع أشكال الأسبستوس وأنواعها وفقا للتقارير مسببة لأنواع مختلفة من السرطانات ومنها الإصابة بورم المتوسطة وسرطان الرئة وسرطانا الحنجرة والمبيض، ويؤدى التعرض لتلك المادة أيضا إلى الإصابة بأمراض أخرى، مثل «تليّف الرئتين» والعديد من الأمراض التنفسية الأخرى.

وكشفت التقارير والإحصاءات الأممية عن خطورة تلك المادة حيث تقف وراء ثلث الوفيات الناجمة عن أنواع السرطان، لذلك فإن كل شخص يشارك فى بناء المبانى التى استخدم فيها الأسبستوس وصيانتها وهدمها معرض للخطر، حتى بعد سنوات أو عقود كثيرة من التعرض لهذه المادة.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من 200 ألف حالة وفاة فى العالم كل عام بسبب الأسبستوس.

قصص من دفتر العائدين.. على أبوشادى أحد سكان قطاع غزة واضطر إلى ترك منزله لينضم إلى آلاف النازحين هربا من القصف العشوائى وبحثا عن الأمان وطلبا للنجاة بعد استهداف الحى الذى يسكن به.

«أبوشادى» الرجل الأربعينى الذى ظل متابعا بلهفة الأخبار التى تأتى إليه على استحياء نتيجة ضعف وسائل الاتصالات وتكاد تكون معدومة والذى ظل يمنى نفسه بنجاح المفاوضات لتنتهى معاناة النزوح الجبرى ذهابا وإيابا بعيدا عن منزله بحثا عن مأوى وللحصول على لقيمات قليلة تكفيه ليصلب جسده النحيل الذى أعياه كثرة الترحال وسوء التغذية وما إن تم إعلان قرار وقف الحرب حتى انتابته الفرحة الغامرة والحلم باستعادة واستئناف حياته الطبيعية مجددا داخل قطاع غزة.

ولذلك فإنه مع أول سريان لوقف إطلاق النار انطلق سريعا نحو منزله لكنه فوجئ بتحول منزله إلى أنقاض وتغطية الركام لمساحات شاسعة للحى الذى كان يسكن به.

وقال أبوشادى: «انتابتنى فرحة غامرة بعد سريان وقف إطلاق النار وعدت مهرولا إلى حيى السكنى أتفقد منزلى على أمل لم الشمل مع أسرتى مجددا التى تفرقت ما بين شهيد ومصاب ومفقود لكنى صدمت بما رأيته فالحى بالكامل تحول إلى أنقاض وركام، فقد اختفت المبانى وتلفت الطرق وامتلأت الممرات بالركام ورائحة الموت فى كل مكان واللون الرمادى والأدخنة تغطى المكان بالكامل تكاد تحجب الرؤية.

ويضيف أبوشادى: هنا فقدت الأسرة وتلاشت الذكريات فأسفل تلك البناية المحطمة يوجد الأحباء الذين حاولت انتشالهم ودفنهم وإكرامهم ولكنى فشلت، الأمر شديد الصعوبة، خاصة مع انتشار رائحة السموم التى تزكم الأنوف وتكتم الأنفاس مع توالى التحذيرات من وجود مواد مسرطنة وضارة يحتوى عليها هذا الركام.

بحثا عن الأحبة.. عائلة «البستانى».. هكذا كانت تعرف وتعيش بين جيرانها هانئة مستقرة كغيرها من العائلات ولكن حياتها انقلبت رأسا على عقب فالحرب التى شنتها قوات الاحتلال الصهيونى على سكان قطاع غزة فقدت خلالها عائلة البستانى العديد من الشهداء أغلبها من الأطفال والمؤسف أنها لم تستطع دفنهم بسبب تواجدهم أسفل الركام بحسب ما يؤكد أحد أفرادها «على البستانى».

ويقول البستانى: «هرعت إلى الحى الذى أقطن به فى غزة كان شاغلى الأول هو محاولة انتزاع جثث الأحبة أو ما تبقى منهم بمعنى أدق لدفنهم ولكن حالت أطنان الركام والهدم دون ذلك ولم يكن ذلك حالنا نحن فقط فهناك عشرات العائلات لم تستطع إخراج ذويهم من أسفل الركام أو مجرد العودة لديارهم بسبب الركام الذى تخرج منه روائح كريهة سامة قاتلة علمنا من المصادر بأن تلك الحطام تحتوى على مواد كيمائية سامة وقاتلة لمن يستنشقها.

العودة مرة أخرى

وتقول إحدى الأمهات التى فقدت ثلاثة من أبنائها خلال الحرب على غزة خلال الساعات الماضية: كانت الفرحة غامرة مع إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار وإن كانت سعادة مشوبة ببعض القلق حيث اعتاد العدو الصهيونى النكوص ومخالفة تعهداته ولكن ذلك لم يمنعنا من العودة مسرعين إلى أحيائنا على أمل استئناف حياتنا التى تاهت منا.

2

وتضيف: خلال عامين تشردنا وتفرقنا وكان همى الأول هو البحث عن جثث أولادى وكان الأمل يعزينى فى فقدهم أنى أستطيع إخراجهم من أسفل الركام ودفنهم ولكنى صدمت بأننى حتى لم أستطع الوصول للمنزل الذى كنت أقيم به نتيجة الركام الذى يغطى أغلب مساحة غزة حتى وإن نجحت بالوصول إلى منزلى لن أستطيع إخراجهم لأن الركام والحطام بأحجام كبيرة كما أن الروائح المنبعثة منه لا يمكن مقاومتها نتيجة اختلاط الجثث والدماء بالأتربة المحملة بالعديد من السموم المسرطنة لذلك اتخذت القرار الأصعب هو العودة مرة أخرى إلى مكان الإيواء.

رفض العودة
 

يقول على إسماعيل أحد النازحين: «سعدت بوقف القتال فى غزة ولكننى لم ألحق بركب مئات العائلات التى كانت تستعد للعودة إلى أماكنها بسبب معرفتى الأكيدة باستحالة العودة للمنزل بعد أن تهدم وتحول إلى حطام بجانب فقد أسرتى بالكامل واستشهادهم بالكامل فى إحدى هجمات العدو الصهيونى بجانب الركام الذى يغطى كامل غزة ويعمل على إقامة حواجز تمنع التنقل.

خوفا من الغازات والقنابل

بينما يؤكد أحد سكان الذى نجح فى الفرار بأسرته المكونة من الزوجة وأربعة من الأبناء من هجمات الكيان الصهيونى وبقائهم أحياء على الرغم من سعادتى الكبرى بوقف القتال ولكنى رفضت المغامرة مجددا بأسرتى من خلال العودة لمنزلنا القديم الذى بالطبع لم يعد موجودا وتحول إلى إطلال نتيجة استهدافه ضمن آلاف المبانى ضمن الغارات الصهيونية وتحوله إلى أنقاض تحتوى على العديد من السموم والقنابل غير المنفجرة.

ويضيف: لذلك أخذت القرار الصعب هو البقاء وعدم المغادرة حرصا على حياة أسرتى فالموت يأتى نتيجة استنشاق الغازات السامة وبرغم هذا العائق الذى يعد تحديا كبيرا أمام أهل غزة لاستئناف الحياة مجددا لكننا على الأقل نشعر بالأمن والسعادة من خلال الشعور بأننا نستطيع البقاء أحياء وقضاء أجلنا بشكل طبيعى والاستيقاظ بكامل جسدنا معافى دون نزيف أو أعضاء مبتورة وهذا ما نأمله وإن كنا ننشد إزالة ذلك الركام السام واستئناف حياتنا مجددا.

خطر تدوير الركام

لا يمثل خطر الركام تحديا اجتماعيا وبيئيا وصحيا على سكان قطاع غزة بما يحتويه من مواد خطرة مسرطنة بجانب القنابل غير المتفجرة والتى تعنى أن مجرد الاقتراب من حطام المبانى يعد بمثابة موت محقق سواء من خلال استنشاق ذرات الغبار المشبع بالمواد السامة أو انفجار القنابل المخزنة بداخله وإنما هناك خطورة حقيقية من محاولة الاسترزاق من هذا الركام وإعادة استخدامه سواء فى عمليات وترميم منازل العائدين من النزوح بعد قرار وقف إطلاق النار أو من جانب بعض العمال الذين وجدوا فى ذلك الركام فرصة للعمل والاسترزاق من خلال تدوير الركام فى كسارات الركام، وهو ما يعتبر فرصة لجنى الأموال خاصة مع العجز الكبير فى مواد البناء بسبب الحرب والحصار الذى عانت منه غزة.

ومع البدء بوقف إطلاق النار وسريان الهدنة سارع العشرات من العمال بعربات الكارو نحو المبانى المحطمة والركام لتحميلها وبيعها للراغبين سواء من الأهالى أو لأصحاب الكسارات الذين ينشطون فى إعادة تدويرها وتصنيعها مرة أخرى ومنهم فهد الغازى الذى انطلق حاملا أدواته البدائية مطرقة وقطعة قماش وزجاجة مياه نحو أماكن الركام لتقطيعه وبيعه للراغبين بحثا عن فرصة للاسترزاق ولتكون مصدرا للدخل، وإنهاء معاناته طوال فترة الحرب من البطالة اعتمد خلالها فى توفير طعامه له ولأسرته على المساعدات التى يتم توزيعها من فترة لأخرى على سكان غزة إن توافرت.

1

ويقول فهد الغازى: «بعد نجاح جهود التهدئة انطلقت مسرعا إلى أماكن الركام وحطام المبانى والتى يمكن العثور عليها بسهولة بدون مجهود كبير فهى تغطى معظم غزة بسبب تحطم أغلب مبانيها كما تمتلئ بها الطرقات لذلك انطلقت مسرعا إلى إحدى البنايات المهدمة من خلال أدواتى البسيطة الممثلة فى مطرقة حديدية محاولا تكسير قطع الركام الكبيرة وتجزئتها وتحميلها على العربة الكارو الخاصة بى لبيعها محاولا الحصول على بعض النقود حتى ولو كانت قليلة ولكنها فرصة للهروب من البطالة وتوفير مصدر للدخل.

وأضاف الغازى: «وعلى الرغم من معرفتى بخطورة ذلك العمل نظرا لاحتواء ذلك الركام على مواد مسرطنة خطرة بجانب القنابل غير المتفجرة المختفية به فيمكن أن أفقد حياتى فى لحظة ولكننى مضطر لفعل ذلك لتوفير مصدر للدخل ولو بشكل مؤقت لحين استقرار الأوضاع.

تقارير أممية
 

وعن خطورة مادة الأسبستوس فى ركام غزة شددت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة على احتواء ركام غزة على مادة شديدة السمية ووصفتها التقارير بأنها مصائد للموت بسبب احتوائها على مادة «الأسبستوس» والتى تتسبب بالإصابة بالسرطانات المختلفة فضلا عن العديد من الأمراض المزمنة الأخرى ومنها الخاصة بالجهاز التنفسى والجلد وهى المادة التى قد تُعرقل عملية إزالة الأنقاض بعد توقف الحرب.

وأوضحت التقارير أن ذلك الركام يقدر بنحو 60مليون طن بمساحة تصل إلى 90% من مساحة غزة وأن إزالته قد تستغرق 21 عاما، وتكلف 1.2 مليار دولار.

وأوضح خبراء أمميون أن ركام غزة لا يحتوى على مئات الآلاف من مادة الأسبستوس فقط وإنما يضم أيضا العديد من الألغام غير المنفجرة.

3

كما حذرت منظمة الصحة العالمية من خطر الحطام المتراكم بكميات كبيرة، مؤكدة أن الغبار المنبعث من المبانى المدمرة يطلق مواد خطرة تتناقل فى الهواء المستنشق أو تتسرب إلى المياه الجوفية، وهذا يهدد بانتشار الأوبئة الخطيرة بين سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب