منذ أن بدأ الإنسان في طحن الحبوب وصناعة العجين، أصبح الخبز أكثر من مجرد غذاء، إنه شاهد على تطور الحضارات، ومرآة تعكس تحولات المجتمعات عبر العصور.
وقد كشفت الاكتشافات الأثرية في مواقع متعددة حول العالم عن أرغفة خبز تعود إلى أكثر من 14 ألف عام، مما يجعل الخبز أحد أقدم المنتجات الغذائية التي عرفها الإنسان.
من أفران الطين في وادي النيل، إلى أرغفة الشعير في بلاد الرافدين، وصولًا إلى الخبز المخمر في أوروبا القديمة، تتنوع أشكال وتقنيات صناعة الخبز، لكنها تتوحد في رمزيتها كقوت يومي، وركيزة ثقافية واجتماعية.
إن دراسة هذه الاكتشافات تكشف عن أبعاد دينية، اقتصادية، وحتى سياسية، حيث ارتبط الخبز بالقرابين، وبالثورات، وبالهوية الجماعية للشعوب، وإليك أبرز الاكتشافات.
قطع خبز عثر عليها بمقابر العمال
يضم المتحف القومى للحضارة المصرية، قطع الخبز القديمة المصنوعة من دقيق القمح والتي وجدت في مقابر العمال بقرية دير المدينة والتي تمثل أنواع من الخبز التي كانت موجودة بمصر القديمة، ويوجد منه قطع مختلفة الأحجام معروضة داخل المتحف.

إعداد الخبز
وقطع الخبز التي وجدت بمقابر العمال، تعود للدولة الحديثة وتحديداً بعصر الأسرة التاسعة عشر، "1259- 1186" قبل الميلاد، بدير المدينة بمحافظة الأقصر، مثلما أشارت اللافتة المجاورة للخبز بالمتحف القومى للحضارة المصرية .
كما يضم المتحف، مجموعة من التماثيل الفرعونية لعمال خلال تحضيرهم للخبز في هذه الفترة، بداية من تحضير الدقيق وطحنه وتحويله لقطع من الخبز مثل المعروضة بجوار التماثيل، حيث يوجد تمثال لأحد العمال العاملين بتحضير الخبز بطحن الدقيق على لوح لتحضيره لخبزه بعد ذلك، وجذبت هذه التماثيل وقطع الخبز أنظار من السياح الذين حرصوا على التقاط صور تذكارية بجوارها وأخرى لمراحل تحضير الخبز وقطع الخبز القديمة المعروضة.
خبز عمره 14 ألف سنة فى الأردن

صناعة الخبز
كما اكتشف علماء آثار من جامعة كوبنهاجن، أدلة على أقدم دليل على صنع الخبز، والذى حدث قبل 14400 سنة فى الأردن، قبل أن يبدأ الإنسان فى النمو والوصول إلى زراعة القمح.
وكشفت التحاليل العلمية عن اكتشاف بقايا متفحمة مجهرية فى حفرة نار باستخدام مزيج من الحبوب التى تم حصادها ومعالجتها وطهيها بنفس طريقة الخبز الحديث، جاء ذلك بحسب ما ذكر موقع "ديلى ميل" البريطانى.
ويعتقد الباحثون أن إنتاج هذه الأرغفة الأولى المستهلكة للوقت ربما كان واحدا من القوى الدافعة الرئيسية وراء الثورة الزراعية فى وقت لاحق.
اكتشاف أرغفة خبز بيزنطي عمره 1300 عام

رغيف خبز عمره 1300 عام
بينما اكتشف علماء الآثار في جنوب تركيا، خمسة أرغفة خبز محفوظة بشكل رائع يعود تاريخها إلى العصر البيزنطي، بما في ذلك أرغفة تحمل نقشًا يونانيًا وصورة المسيح، يقدم هذا الاكتشاف، الذي تم في مدينة إيرينوبوليس اليونانية القديمة توبراكتيبي الحالية في منطقة إرمينيك بكارامان ،رؤية جديدة للحياة الروحية والثقافية في الأناضول المسيحية المبكرة، وفقا لما نشره موقع" greekreporter".
حفظ استثنائي لأكثر من 1300 عام
يعود تاريخ أرغفة الخبز، التي عُثر عليها متفحمة، إلى القرن السابع أو الثامن الميلادي، وقال الخبراء إنها صمدت لأكثر من ألف عام بفضل ظروف حفظ نادرة حافظت على شكلها وتفاصيل سطحها سليمة.
وتُعتبر الآن من بين أفضل عينات الخبز المحفوظة التي عُثر عليها في الأناضول على الإطلاق، كاشفةً عن آثار من الحياة اليومية تمزج بين الإيمان والفن والطقوس.
رسالة شكر باللغة اليونانية
يتميّز أحد أرغفة الخبز بزخارفه الدقيقة، يحمل نقشًا يونانيًا، تُرجم إلى الإنجليزية، يقول: "مع امتناننا للمسيح المبارك"، إلى جانب صورة للمسيح، أكّد خبراء النقوش هذه الترجمة، وقالوا إن العبارة تُمثل على الأرجح فعل شكر أو صلاة.
ويؤكد استخدام اللغة اليونانية - اللغة الطقسية والإدارية للإمبراطورية البيزنطية - على الارتباط القوي بين المنطقة والتقاليد اليونانية المسيحية التي شكلت المجتمع البيزنطي المبكر.
خبز الطقوس المرتبط بالعبادة المسيحية المبكرة
وقد تم اكتشاف أرغفة أخرى في الموقع تحمل نقوشًا للصليب، مما يشير إلى أنها ربما كانت تستخدم كخبز القربان المقدس في طقوس المناولة المسيحية المبكرة.
وقال الخبراء إن مثل هذه العلامات تعكس التقاليد الليتورجية الأرثوذكسية اليونانية حيث يتم خبز الخبز المخمر - المعروف "باسم البروسفيرون " مع نقوش أو رموز مقدسة قبل تقديمه خلال القداس.
أثريون يعيدون مكونات رغيف عمره 5000 عام
فيما عرض متحف الآثار إي تي آي، تركيا، "خبز كولوبا" الذي يبلغ عمره 5000 عام، والذي تم اكتشافه خلال عمليات التنقيب المستمرة منذ عام 1996 في تل كولوبا في منطقة سيتجازي في إسكيشهير، وفقًا لما نشره موقع "turkiyetoday".
ووصفت رئيسة بلدية إسكيشهير الكبرى، آيس أونلوسي، الاكتشاف، بأنه أول مثال محفوظ من الخبز المعالج والمخبوز يتم اكتشافه على الإطلاق في حفريات كولوبا، وقد استلهمنا من التحليلات المعملية للرغيف الأصلي، وقمنا بإعادة إنتاج الخبز باستخدام مكونات".

رغيف خبز عمره 5000 عام
عُثر على الخبز عند عتبة المنزل سُمكه 2.5 سم وقطره 12.5 سم، وهو أنبوبي الشكل، ومحفوظ بشكل ممتاز، ويُعدّ هذا أقدم مثال معروف لرغيف مُخمّر ومُخبوز، ذو شكل مميز، كما قال توركتيكي، وقد كشف التحليل المجهري عن بقايا نباتية بيضاء، تُعرف باسم حصوات نباتية، على ظهر الرغيف.
وأشار "توركتيكي"، إلى أن "هذه على الأرجح بقايا أوراق استُخدمت أثناء التخمير"، ويحتوي الخبز أيضًا على بقايا العدس، مما يدل على أن العجين مكون من مكونات مختلطة.
وكشف التحليل أن الرغيف تم خبزه على درجة حرارة تزيد عن 150 درجة مئوية، ثم احترق جزئيا في وقت لاحق - وهو العامل الذي ساهم بشكل مثير للسخرية في الحفاظ عليه.
وقال "توركتيكي": "لو لم يحترق، لما نجا.. وجدنا رغيفًا ناقصًا، مما يشير إلى أنه كُسِر قبل دفنه عند عتبة المنزل، ربما كجزء من طقوس دينية".