تحوّل "السيلفي" خلال العقد الماضى إلى جزء لا يتجزأ من ثقافة العصر الرقمى، لكنه بات فى المقابل يحمل مخاطر مميتة كلما ارتبط بمغامرات غير محسوبة أو مواقع عالية الخطورة، وعلى الرغم من أن الهدف فى البداية لا يتجاوز الحصول على صورة ملفتة للأنظار ونيل إعجابات المتابعين، إلا أن الثمن أحيانًا يكون الحياة نفسها.
وكانت آخر هذه الحوادث فى الصين، حيث تحولت محاولة شاب يبلغ من العمر 31 عامًا لتوثيق لحظة وصوله إلى قمة جبل "ناما" إلى كارثة، وفك الشاب حبل الأمان لالتقاط صورة سيلفى مع الخلفية الجليدية الشاهقة، لكنه فقد توازنه وسقط لمسافة تقارب 200 متر أمام أعين رفاقه، وعُثر على جثمانه لاحقًا على ارتفاع 5.300 متر، وأكدت السلطات أن الفريق لم يسجل رحلته رسميًا، وهو إجراء إلزامى فى المنطقة يهدف لمتابعة المتسلقين وحمايتهم فى حالات الطوارئ.
شهدت تايوان واقعة مأساوية بعدما حاولت سائحة فى الخمسينات من عمرها التقاط صورة قرب قطار متحرك على خط "غابة أليشان" الشهير، لكنها انزلقت إلى المسار وأصيبت بجروح خطيرة فى قدمها، الحادث أدى إلى تعطيل حركة القطارات وتأجيل خمس رحلات، فيما أصدرت السلطات عقوبات بحق وكالة السفر المنظمة للرحلة بسبب دخول السائحة إلى منطقة محظورة.
فى الهند، كادت شابة تفقد حياتها أثناء محاولتها التقاط صورة على حافة منحدر بالقرب من شلال "ثوسيجار" فى ولاية ماهاراشترا، الفتاة فقدت توازنها وسقطت إلى أسفل، لكنها نجت بأعجوبة بعدما ارتطمت بشجرة أنقذت حياتها، غير أنها أصيبت بجروح خطيرة استدعت نقلها إلى المستشفى، أثار جدلًا واسعًا حول غياب الرقابة فى المواقع السياحية التى تشهد توافد الشباب لالتقاط صور مثيرة.
ولم الحوادث لم تتوقف عند آسيا، ففى سريلانكا، لقيت سائحة روسية حتفها بعدما حاولت التقاط صورة من نافذة قطار متحرك، فاصطدمت بصخرة وسقطت أرضًا، فى مشهد أثار موجة صدمة واسعة. وفى روسيا، توفيت سيدة بعد سقوطها من برج مهجور بارتفاع يقارب 90 مترًا أثناء محاولتها تصوير سيلفى احتفالى بعيد ميلادها، رغم تحذيرات مرافقيها.
تشير الدراسات إلى أن ظاهرة "السيلفى القاتلة" ليست أحداثًا فردية معزولة، بل باتت أزمة عالمية، فقد رصدت أبحاث أُجريت فى الهند أن ما بين عامى 2011 و2017 قُتل 259 شخصًا على الأقل أثناء محاولات التقاط صور سيلفى فى مواقع خطرة، معظم الضحايا كانوا من الفئة العمرية بين 10 و30 عامًا، وغالبية الحوادث وقعت فى الهند وروسيا والولايات المتحدة، أكثر الأسباب شيوعًا كانت الغرق، السقوط من المرتفعات، وحوادث النقل خاصة قرب القطارات.
وأكد الخبراء، أن هناك دوافع نفسية واجتماعية وراء هذه الممارسات، أبرزها الرغبة فى لفت الانتباه على وسائل التواصل الاجتماعى وتحقيق "اللقطة المثالية" التى قد تحصد آلاف الإعجابات، ومع تصاعد المنافسة على المنصات الرقمية، يلجأ البعض إلى تحدى المخاطر، معتبرين أن التميز يستحق المجازفة، وهو ما يجعلهم يتجاهلون أبسط قواعد السلامة.
فى مواجهة هذه الظاهرة، تبنت عدة دول ما يُعرف بمفهوم "مناطق حظر السيلفي"، حيث يُمنع الزوار من استخدام هواتفهم فى أماكن محددة مثل حواف المنحدرات أو السدود أو الجسور الخطيرة، كما أوصت منظمات السلامة بتكثيف حملات التوعية بين الشباب، وتشديد العقوبات على من يخالفون القوانين فى المواقع السياحية الحساسة، فضلًا عن تعزيز البنية التحتية بمزيد من الحواجز والعلامات التحذيرية.
وتذهب بعض المقترحات إلى أبعد من ذلك، حيث تدعو إلى تطوير تطبيقات مرتبطة بالهاتف الذكى تنبه المستخدم تلقائيًا عند دخوله منطقة عالية الخطورة، أو تمنع الكاميرا من العمل إذا تم رصد الموقع الجغرافى ضمن قائمة "النقاط السوداء" للحوادث.
ومع أن التكنولوجيا كانت السبب غير المباشر فى تفاقم هذه الظاهرة، إلا أن الحل قد يأتى أيضًا من التكنولوجيا نفسها، إذا ما استُخدمت بطرق مبتكرة لحماية الأرواح.
فى النهاية، تكشف هذه الحوادث أن السعى وراء صورة عابرة قد ينتهى بمأساة، وأن البحث عن لحظة إعجاب على منصة اجتماعية لا يساوى حياة إنسان، ومع استمرار تسجيل وفيات مرتبطة بالسيلفى فى مناطق متفرقة من العالم، يبدو أن التحدى الأكبر أمام المجتمعات هو الموازنة بين حرية التعبير الرقمى وضرورة احترام قواعد السلامة.