منذ ظهور ChatGPT، أحدثت شركة أوبن إيه آي ضجة كبيرة أجبرت عمالقة مثل جوجل وآبل على الانتباه، والآن، تواجه هذه الشركات الأمريكية تهديدًا كبيرًا من الصين، بفضل نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر طورته شركة ناشئة تُدعى ديب سيك.
تدعي الشركة أنها بنت نموذجها باستخدام تقنية مختلفة عن منافسيها الأمريكيين، مما سمح لها بإنفاق أموال أقل لتحقيق نتائج مشابهة لتلك التي يحققها ChatGPT.
فما الذي يميز نموذج ديب سيك للذكاء الاصطناعي؟ ولماذا أصبح حديث الساعة في وقت قصير؟ ولماذا يتصدر التطبيق المجاني للشركة قوائم متجر تطبيقات آبل في الولايات المتحدة؟
ديب سيك: التكنولوجيا الجديدة والتكلفة المنخفضة
ديب سيك قامت بخطوة ذكية بتوقع المستقبل وشراء حوالي 10,000 وحدة معالجة رسومية (GPUs) من إنفيديا قبل أن يبدأ الحظر الأمريكي على التصدير، وإجمالاً، طورت الشركة نموذجها باستخدام 50,000 وحدة معالجة رسومية فقط، وهو عدد ضئيل مقارنة بـ500,000 وحدة معالجة رسومية التي تستخدمها شركات مثل أوبن إيه آي وجوجل، وفقًا للتقارير.
ولكن امتلاك كل هذه القدرة الحوسبية كان سيصبح بلا جدوى إذا لم تكن النتائج إيجابية، وهو ما حدث بالفعل.
وتلقى فريق العمل في ديب سيك، الذي يتكون من نخبة من حاملي الدكتوراه من الجامعات الصينية، أجورًا مجزية تتناسب مع مواهبهم وقدراتهم العالية.
ديب سيك تُعيد الصين إلى دائرة الضوء
تم إطلاق ديب سيك في عام 2023 على يد ليانج وينفنج، الذي كان يدير صندوق تحوط عندما كان يبلغ من العمر 30 عامًا في عام 2015، بعد ثماني سنوات، نجح وينفنج في تكوين فريق من الخبراء الذين طوروا نموذج ذكاء اصطناعي يعتمد على تقنية مختلفة تمامًا عن تلك التي تعتمد عليها أوبن إيه آي، مما مكنهم من تقديم أداء مماثل باستخدام موارد أقل.
التطبيق المجاني للشركة، الذي يعتمد على هذا النموذج، جذب اهتمامًا واسعًا وأصبح حديث المستخدمين في الولايات المتحدة، متصدرًا قائمة التطبيقات الأكثر تحميلًا على متجر آبل.
كيف تعمل ديب سيك؟
لم تكشف ديب سيك عن جميع تفاصيل تقنيتها، لكنها أكدت أنها تعتمد على طريقة تدريب جديدة تسمح باستخدام عدد أقل من الوحدات الحوسبية دون التضحية بجودة النتائج. كما أظهرت الشركة قدرة على تقديم نماذج مفتوحة المصدر، مما يجعلها متاحة للجميع لتطويرها أو تعديلها، على عكس النماذج المغلقة التي تقدمها شركات مثل أوبن إيه آي.
هذه الخطوة لم تجذب فقط المستخدمين، ولكنها أثارت أيضًا مخاوف بين الشركات الأمريكية الكبرى، التي ترى أن هذه النماذج قد تعيد تشكيل السوق وتقلل من سيطرة الشركات الكبرى على صناعة الذكاء الاصطناعي.
ما يميز ديب سيك هو استراتيجيتها في تقديم نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر، مما يسمح للشركات الأخرى والمطورين المستقلين باستخدام النموذج وتعديله بحرية.
هذه الخطوة أثارت إعجاب العديد من الخبراء في المجال، وعلى سبيل المثال، قال المستثمر المعروف مارك أندريسن في منشور على منصة إكس: "ديب سيك R1 هو واحد من أكثر الإنجازات المذهلة التي رأيتها على الإطلاق – وكونه مفتوح المصدر، فهو هدية عميقة للعالم."
بينما أنفقت ديب سيك حوالي 6 ملايين دولار فقط لتدريب نموذجها النهائي باستخدام 2.048 وحدة معالجة رسومية من نوع H800 التي تنتجها إنفيديا، فإن شركات أمريكية مثل أوبن إيه آي وجوجل تنفق مئات الملايين من الدولارات على عمليات التدريب الخاصة بها.
ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن هذا الرقم لا يمثل التكلفة الإجمالية لتطوير نموذج ديب سيك، حيث إن المراحل الأولى من التطوير قد تطلبت استثمارات أكبر بكثير.
وتشير التقديرات إلى أن ديب سيك استخدمت حوالي 50.000 وحدة معالجة رسومية خلال مراحل التطوير الأولى، وهو ما قد يكلف أكثر من مليار دولار، وفقًا لمصادر مطلعة. ومع ذلك، تبقى هذه التكلفة أقل بكثير مقارنة بما تنفقه الشركات الأمريكية الكبرى.
وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته ديب سيك، تواجه الشركة تحديات عديدة، أولها هو نقص الشرائح الحوسبية التي قد تعيق قدرتها على تلبية الطلب المتزايد على خدماتها، ثانيا، تواجه الشركة تدقيقا مكثفا من الولايات المتحدة والدول الغربية بسبب المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن القومي، خاصة وأن تقنيتها تأتي من الصين.
نموذج ديب سيك للذكاء الاصطناعي لا يهدد فقط الشركات الأمريكية الكبرى مثل أوبن إيه آي وجوجل، بل قد يعيد تشكيل السوق بالكامل، حيث اعتمدت الشركات الأمريكية لسنوات على ميزانيات ضخمة وتكنولوجيا مغلقة المصدر للسيطرة على السوق، لكن ديب سيك أظهرت أن التكنولوجيا المفتوحة المصدر قد تكون بديلا قويا وأقل تكلفة.
هذا التطور دفع العديد من الشركات الأمريكية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها، على سبيل المثال، قررت شركة Snowflake إضافة نماذج ديب سيك إلى منصتها بعد تلقيها طلبات كثيرة من العملاء.
ومع استمرار ديب سيك في جذب الانتباه، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الشركة من مواصلة الابتكار والتوسع في ظل التحديات التقنية والسياسية؟ في الوقت نفسه، من المتوقع أن تدفع هذه المنافسة الشركات الأمريكية إلى خفض التكاليف وتحسين تقنياتها لمواكبة التطورات الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة