• رانيا هلال: أجازف بسمعتي عند تطوير شخصيات روايتى
• أريج جمال: "الشلة" تتحكم في مصير الكاتبات
• تيسير النجار: تحاصرنى أصابع الاتهام "أنت كاتبة عن نفسك" عند استخدام أسلوب الراوى في العمل الأدبي.
• سارة درويش: "يسلط الضوء على إنجازات الكاتبة كأنها استثناء والإبداع شأن رجولى"
• هند عزت: "أشعر أن مطلوبا مني طيلة الوقت بذل جهد أكبر حتى أخرج من عباءة الأدب النسائي"
• نور عبد الله: الوسط يمتلئ بالنزاعات واللغط الذى قد يعوق الإبداع والتفرغ وهناك أزمة قيم
• هبة الله أحمد: النقاد حصروا كتابات المرأة في الحب والحمل والأمومة
• نهى محمود: الكتابة في حد ذاتها فعل مؤلم والميراث المجتمعى الذكورى ثقيل
مر أكثر من 100 عام على جيل الكاتبات الرائدات ملك حفنى ناصف ونبوية موسى ومى زيادة، ومع ذلك لا تزال المرأة الكاتبة تعانى، تعبر عن نفسها والعالم من حولها من خلال الأدب، تحاول مرة تلو الأخرى أن تصل بصوتها ورؤيتها ومشاعرها إلى الجميع، تصدر صرخات مكتومة داخل كتاباتها تحاول أن تغير بها الواقع أو تؤثر فيه، تعبر وتشجب وتنفعل وتقاوم، تاركة بصمة فريدة في تاريخ الأدب العربى، لكن محاولاتها لم تنجح دائمًا.
في هذا السياق، تتحدث 10 كاتبات من مختلف الأجيال، بينهن روائيات وشاعرات ومبدعات في فن القصة القصيرة، عن رحلة الكتابة بالنسبة للمرأة العربية، وتصفها بأنها مليئة بالتحديات التي تجعل من تحقيق النجاح مسارًا شائكًا ومُضنيًا، بينما شارك بعضهن تجاربهن الشخصية التي تعرضن فيها للحرمان من حقوقهن ولإعاقة تأدية دورهن الأدبي والثقافي في المجتمع وسوء التقدير لأعمالهن.
أرقام صادمة
بالنظر إلى قوائم الجوائز الأدبية، تبين أن المرأة الكاتبة لم تحظ بما تستحق، حيث رصدنا من خلال قوائم الفائزين المعلن عنها على موقع جائزة الشيخ زايد الثقافية كنموذج، أن 16 كاتبة فقط حصلت على الجائزة منذ بدايتها في عام 2007 إلى عام 2024 مقارنة بعدد 91 رجلا من الكتاب الرجال.
كما أنه بالبحث في القوائم القصيرة للفائزين بجائزة البوكر "الجائزة العالمية للرواية العربية"، وجدنا أن عدد 28 كاتبة فقط وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة مقابل 74 من نظائرها من الرجال، فيما حصلت روائية واحدة على الجائزة متفردة وأخرى مناصفة طوال 17 سنة تجري فيها المسابقة العربية فيما حصل الرجال 15 مرة على الجائزة لا يوجد بها إلا مرة واحدة مناصفة، وذلك منذ عام 2008 إلى عام 2024.
تحديات الكاتبة العربية تبدأ من ازدواجية المعايير
الكاتبة الكبيرة سلوى بكر، صاحبة رواية "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء"، والمعروفة بكتاباتها المناصرة للمرأة، أشارت إلى أن المرأة عموما لا تشكل إلا نسبة قليلة في موقع القرار والسلطة وليس فقط في الثقافة، ولكن في المجال الأدبى الموضوع ملتبس وأكثر تعقيدًا، لأن المرأة الكاتبة ظلت فترة طويلة لا تؤخذ كتاباتها بجدية ودائما يتم تجاهلها بدرجة أو بأخرى.
وأرجعت سلوى بكر ذلك، إلى أن الوسط الثقافي لديه ازدواجية في المعايير ما بين القديم حيث القيم المتأصلة في المجتمع التي تشير إلى أن دورها الأساسى يتمثل في البيت والزواج والإنجاب لكن الأدوار الأخرى ثانوية، وبين الوضع الفعلى للمرأة الكاتبة وما تقدمه من منتج إبداعى حقيقي، مؤكدة أن القيم القديمة ظلت الأساس لأفكار المجتمع لفترة طويلة حتى بين الموجودين في الوسط الثقافي أنفسهم، وأعطت سلوى بكر مثالا على ذلك بزوجات الكتاب والمثقفين اللاتي لم يكن لهن دور حقيقي خارج إطار كونهن زوجات وأمهات، ففي النهاية الكاتب أيضا يريد من زوجته الدور الذى طالما لعبته والدته.
وأوضحت الروائية، أن هذا التنازع بين القيم التقليدية القديمة لدور المرأة في المجتمع والوضع الفعلى للكتابة الجادة هو الحال الذي تعيشه الكاتبة، مؤكدة أن هذا الأمر قد يتغير شيئا فشيئا مع الأجيال الجديدة التي لا تحمل مثل هذه الازدواجية، وربما حينها تضيق دوائر التهميش واللامبالاة لإنتاج المرأة.
سلوى بكر
تهميش الكاتبات.. ليس تجاهلا فقط لكنه تقييد أيضًا
لا تقتصر ظاهرة تهميش الكاتبات على مجرد تجاهل إبداعاتهن أو التقليل من شأنها، بل تتعدى ذلك لتشمل ممارسات تقييدية تُعيق مسيرتهن الأدبية وتُحد من قدرتهن على التعبير بحرية، وهذا تحديدا ما طرحته الكاتبة رانيا هلال، وهى قاصة، إضافة إلى كونها محاضرة في قضايا النوع الاجتماعي، حيث أشارت إلى أن الكاتبات يواجهن تقييدا في اختيار مواضيع قصصهن، فيتم تصنيفهن بناء على ما يكتبن عنه، فإن كتابة امرأة عن مواضيع "جريئة" مثل فتيات الليل، يُسقط تلقائيًا على الكاتبة نفسها، وكأنها عاشت التجربة بنفسها، وكذلك وصف الشخصيات والحبكة وغيره يجب أن تكون شيئا في حياة الكاتبة، ويظل الكتاب من الرجال والنقاد يبحثون خلف تجارب الكاتبة من كتاباتها.
وأكدت رانيا، أن الكاتبة هنا تصبح أمام معادلة صعبة، وفى مواجهة تحدٍ قد يجعلها تجازف بصورتها وسمعتها الشخصية في المجتمع، لذلك لا تستطيع أن تتوسع في اختياراتها، وتبقى الكتابة الجريئة صعبة المنال ولها ضريبة باهظة على صاحبتها، وتتساءل: "هل يرجع ذلك لكون مجتمعنا محافظًا؟ أم لأن أي امرأة متفتحة يجب أن تُوضع في عباءة الانحلال؟"
رانيا هلال
وهنا تحديدًا يمكن الإشارة إلى أن عنوان العمل نفسه قد يكون أيضًا سلاحًا ضد الكاتبات في بعض الحالات من جانب زملائهم من الكتاب الرجال، وهو ما طرحه كتاب "لماذا تموت الكاتبات كمدًا" لشعبان يوسف، الذى ذكر موقفا تعرضت له الكاتبة سلوى بكر رغم كل ما قدمته للأدب من أعمال إبداعية وفكرية عميقة، تم ترجمتها إلى عدة لغات، لا يتورع أحد المرشحين معها لعضوية اتحاد الكتاب المصري في اجتماع الجمعية العمومية من مهاجمتها قائلا: "أنت لا تفهمين في النقد والإبداع ولكنك تفهمين فقط في وصف البلبل" مشيرًا إلى اسم روايتها الشهيرة "وصف البلبل" مستخدما إياها بشكل سلبي ذات أغراض ذكورية تحاول الانتقاص من الكاتبة.
وتظل القيود التي تكبل الكاتبة مع كل عمل تقدمه، طالما يتم تصنيفها بناء على محتوى كتاباتها، وتُؤكد الكاتبة الشابة نورا ناجي، القادمة من مدينة طنطا بعيدًا عن صخب القاهرة، على استمرار معاناة الكاتبات مع هذا التنميط، فلا يزال سؤال "هل أنتِ بطلة الرواية؟" يُلاحقها، وكأن القارئ والناقد يفترضان أنّها عاشت تجارب شخصياتها.
وتُواجه نورا أيضا صعوبة في التمييز بينها وبين شخصيات قصصها خلال النقاشات، ممّا يُضاعف من شعورها بالتقييد والتضييق، فيتم توجيه بعض الأسئلة لها بشكل شخصي عن شيء يخص بطلة الرواية وكأنها هي بالفعل.
هذه الصورة تمتد من العاصمة إلى الأقاليم ومن الوجه البحرى إلى صعيد مصر، تظل كل كاتبة تعانى من هذه المشكلة التي تواجهها كلما كتبت وتجعلها تعيد التفكير في النشر، حيث تُؤكّد الروائية "تيسير النجار" من أسوان، عمق معاناة الكاتبات، وتلقى الضوء على مدى انتشار هذه الظاهرة وتأثيرها على مختلف الأصوات النسائية، قائلة "كامرأة من الصعيد ومن قرية، كنت أنسب المشكلات التي تواجهنى للوعى والتعليم، لكن تبين أن الوضع نفسه به مشكلة مجتمعية.. ودائما ما يحاسب ويدقق مع الحلقات الأضعف".
نورا ناجي
وأضافت، أنها دائما ما توجه لها أصابع الاتهام في كتاباتها، مرددين "أنت كاتبة عن نفسك"، يقال ذلك خاصة لو اتخذت جانب الراوى في روايتها، لذلك عليها دائما أن تكون مستعدة لمثل هذه الادعاءات والأحكام المسبقة لعملها الأدبي.
استبعاد الكاتبات من المشهد الثقافي: أشكال مُتعددة وأوجهٌ مُظلمة
التجاهل والتقييد كلها أساليب أعاقت تواجد المرأة الكاتبة ومشاركتها الكاملة في الأدب، لكن الاستبعاد يُعد أداة خفيةً أكثر قسوة تُستخدم لقمع صوتها وإخفاء إبداعها، وهو الأمر الذى عايشته عدد من الكاتبات واشتكوا منه، والذى تنوعت أشكاله وطرقه، ما بين حرمانها من رؤية نقدية حقيقية لعملها للحد من تواجدها في المعارض العربية والندوات الثقافية وكذلك إعاقة وصولها إلى قوائم الجوائز النهائية، هذا هو المشهد الذى شاركته الكاتبات وعلى رأسهن الكاتبة نورا ناجى، التي أنتجت العديد من الأعمال الأدبية الجيدة من بينها رواية بنات الباشا التي تتحول إلى عمل درامى في الوقت الحالي، وروايتها "أطياف كاميليا" الحاصلة على جائزة يحيى حقى.
تقول نورا ناجى: "إن الاستبعاد من قوائم الجوائز لا يكون بشكل مباشر، بل نجد بعض النساء الفائزات الآن عن ذي قبل وإن كانت النسب قليلة جدا وغير عادلة مقارنة بالكتاب الرجال، ولكن الاستبعاد يكون في عدم الحصول على الجائزة الأولى، فدائما ما تكون الجوائز الممنوحة للنساء إما مركز ثانى أو مناصفة ونادرا ما تحصل على المركز الأول متفردة"، مضيفة " كل الجوائز التي حصلت عليها كانت كذلك إما مركز ثانى أو مناصفة أو لم أصل لقوائم الفائزين، وذلك يتدخل فيه كونى كاتبة امرأة".
ولفتت نورا إلى أمر آخر في هذا الشأن أيضا، وهو أن الكتابة من جانب النساء لا يتم تقديرها بشكل جيد حتى على المستوى النقدى، حيث إن النقاد يفضلون الكاتب الرجل ويصيغون الرؤية النقدية عن كتابات الكتاب الرجال أكثر من النساء، وكأن المراجعات النقدية من حق الرجال فقط.
وأشارت أيضا إلى ضعف مشاركة الكاتبات في مصر بالمعارض العربية، حيث تقدم الدعوة للرجال أكثر من النساء، مؤكدة، "لم يكن خطأ المعارض في حد ذاتها ولكن المشكلة عندنا في مصر أن المعارض تطلب ترشيحات للضيوف ويكون الاختيار قائم على النوع للأسف".
هبة الله أحمد
اتفقت الكاتبة هبة الله أحمد، بنت محافظة الإسكندرية، مع نورا ناجى فيما يخص استبعاد النساء من المشاركات في الندوات الثقافية والمعارض العربية، معلقة "حصلت على عدد من الجوائز منها جائزة ساويرس لكبار كتاب القصة القصيرة، ومع ذلك من يعرفنى أو أين أنا من دعوات الندوات الأدبية والأحداث الثقافية".
فيما وصفت الكاتبة رانيا هلال، الوضع بأنه أكثر من الاستبعاد، فهو تجاهل بالكامل لترشيحات الكاتبات، مؤكدة أن النساء القليلات المشاركات تكون أسماء مكررة في كل الأحداث الثقافية، وغيرها من الكاتبات لا تذكر من الأساس، لم يتم طرحها او ترشيحها ورفضها، فإن الاستبعاد يبدأ من الاختيار في حال كان هناك نصيب لتواجد كاتبات من الأساس.
ضغوط يفرضها الوسط الثقافي على الكاتبة
مرة أخرى نعود للكاتبة الكبيرة سلوى بكر، التي كشفت أنه بخلاف التجاهل الذى تواجهه الكاتبة، نجد أحيانا مبالغات في الاهتمام بأعمال المرأة استنادا إلى القيم القديمة أيضا، من منطلق أن هذه السيدة تربي أطفالها وتمسح وتطبخ لكنها تكتب أيضا، أو من منطلقات ذكورية مثل الاهتمام بكاتبة شابة لأسباب تتعلق بإعجاب بها وهذا نوع من التشوه فى حقيقة المنتج الإبداعي الذى تقدمه المرأة.
وهذا ما أكدته الكاتبة الشابة سارة درويش، التي تتصدر الكثير من أعمالها قضايا المرأة، قائلة: "تترك الكثير من النساء الآن بصمة واضحة ولافتة للنظر في عالم الأدب، ولكن حين يتم تسليط الضوء عليهن يحدث بطريقة تبدو وكأنهن الاستثناء الذي يؤكد قاعدة أن الإبداع شأن رجولي".
سارة درويش
وعبرت عن إحباطها من الوسط الثقافي، حيث أوضحت: "لست متفائلة كثيرًا بشأن تغير الصورة قريبا فهي راسخة في مجالات عدة والمعركة طويلة، وكثيرًا ما تدار بالطريقة الخاطئة، أتمنى أن يتم تقييم تجارب الكاتبات بعيدًا عن هويتهن الجنسية، تمامًا كما يحدث مع الرجل".
فيما بدأت الروائية أريج جمال، حديثها عن كواليس الوسط الثقافي، مستشهدة بما قالته الراحلة فيرجينيا والف، "إذا أرادت المرأة أن تكتب الأدب عليها أن يكون لديها دخل ثابت وغرفة" مضيفة "أنا أحب أضيف عليها أن يكون لديها استقلال نفسي، لأن المرأة عندما تدخل الوسط الثقافي، تجد أشخاص يعرضون صداقتهم ودعمهم وأحيانا مشاعرهم للدخول في علاقة حب من أجل ضمها إلى ما يسمى بالـ"شلة"، وهى تكون علاقات منفعية، ووسط هذا المشهد يغيب الأدب نفسه ويتهمش.
وقالت أريج بأسى: "أنا كان لى أصدقاء كتابتهم جيدة جدا ورضخوا لضغوط الوسط الثقافي، التي جعلتهم تركوا الكتابة نهائيا، فالمرأة الكاتبة تحتاج لقوة وثبات نفسي تجعلها تستمر.
وسلطت أريج الضوء على السوشيال ميديا التى ساعدت بعض الكاتبات للتسويق عن أنفسهن والتواجد وهذا أمر يبدو جيد، ولكن السىء أن هذا انشأ نوع من التكتلات أو الحماية حتى من النقد أو أبداء الآراء في النصوص، وهنا أصبح المنتج الأدبي ليس الأساس ولكن "الشو" وأعداد المتابعين، وهذا أيضا خلق معه نوع جديد من الجمهور أيضا، وأصبحت منصات السوشيال ميديا وكأنها المتحكم، مؤكدة، "فى النهاية انتصرت بعض الكاتبات لتواجدهن لكن دون منتج أدبي حقيقي يستحق التواجد، فيما زاد تهميش الكاتبات ذات العمل الجيد، ومن هنا أصبحت أشكال التهميش مختلفة عن الشكل الذى كان يبدو عليه في الماضى".
وتابعت الكاتبة رؤيتها للمشهد: "أصبحت هناك محاباة في عملية النشر عن الأعمال الأدبية، وليس هناك نقد حقيقي قادر يسأل النص واللغة، حتى النقد نفسه أصبح مهمش ليس معمق، أرى أن النقد جزء منه أنه يبقى في رؤية للحياة وللفن وهذا لم يوجد بشكل واضح".
أريج جمال
أما عن تجربتها الشخصية، امتنت أريج لحقيقة أنها استطاعت أن تخرج من نفق الوسط الثقافي في مصر كما وصفته، وقالت: "ربما طبيعتى غير الاجتماعية كانت طوق النجاة، وحصلت على الدعم دون أن يلتصق بي أحد أو التصق بأحد، كما أنى عملت بالترجمة أيضا، وأتيحت لى فرص السفر إلى لبنان في ورش كتابة وفرنسا، وهذا جعلنى أرى الوسط المشوه بشكل أوضح وأصبح لدى وعى بعد أن أطلعت على الصورة الأعم".
وهنا اتفقت كاتبات أخريات مع ما سردته أريج، حيث أكدت هبة الله أحمد، أن الكاتبة أصبحت مرهونة بانتشار صفحتها على فيس بوك ومن يدعمها، وعندما تظهر شخصية دون انتساب لـ"شلة"، يتم إقصاءها من المشهد، فإن لم تكن مع مجموعة معينة فهى ضدهم بالضرورة، مضيفة "اخترت أكون بعيد عن الوسط الثقافي بسبب المشاكل والصراعات التي تحدث، وتحول الكاتبة عن دورها الأساسي كمفكرة ومبدعة".
خيار الابتعاد عن الوسط الثقافي كان بمثابة طوق نجاه للعديد من الكاتبات وسبب في التركيز على إنتاجهم الأدبي، وهذا ما اتضح أيضا عندما تحدثت الشاعرة نور عبدالله، عن تجربتها، فعلى الرغم من شهرتها ووصول أعمالها لمكانة جيدة، حيث كتبت من قبل العديد من الأعمال الناجحة منها أغنية " مشربتش من نيلها " لشيرين عبدالوهاب وكلمات تتر مسلسل "ماريونت" الذى قام بغنائه وائل جسار، إلا أنها كشفت "أنا لا اتبع أي مسارات خاصة بالوسط الثقافي بل أركز فقط على القيمة الأدبية والفنية لأعمالى، لأن هذا الوسط قد يشمل الكثير من النزاعات واللغط الذى قد يعوق الإبداع والتفرغ، هناك أزمة قيم واحتساب للأشخاص من مبدأ القرب والمحاباة".
نور عبد الله
وتابعت: "لم أقدم على أي جوائز ولا اهتم كثيرا بهذا الأمر من عدمه، وأرى أن الشاعرات أولى بالشعر لأن المرأة حساسة بطبعها ويمكنها التعبير، ولكن الشعر بصمة، ويجب أن يشمل على محتوى مؤثر أيضا."
فيما أضافت نورا ناجى بعدًا جديدًا للمشهد، حيث أشارت إلى ظاهرة تصنيف الكاتبات بناءً على درجاتهن العلمية بدلاً من قيمة أعمالهن الأدبية، فيجب أن تكون المرأة كاتبة وأكاديمية لكى يتم الاعتراف بها، أما الكاتبة التي لم تحصل على درجة أكاديمية، فهى لم تحظو على نفس المكانة بسبب الدونية التي تنظر للنساء بشكل عام ويتم تجاهلهن.
إشكالية الأدب النسائى والكتابة الذاتية
ومن هنا ننتقل لإشكالية الأدب النسائى، وكيف يتم اختزال الكاتبات في هذا الإطار، بدلا من ذكر أسمائهم كأعلام في الأدب العربي، حيث يتم تصنيفهن وقصر مجهوداتهن على هذا النوع فقط من الأدب المعنى بقضايا المرأة، وهنا تحديدا تقول نهى محمود، التي تمثل جيل الوسط، أن الرجال كانوا متصدرين المشهد الأدبي في السابق، وحصلت المرأة على حصة من هذا التواجد متأخرا، لذلك عانت مع البوح، هل تكتب عن ذاتها أم على لسان العالم، وهى تكتب أزمات واجهت المرأة نفسها وانعكست على الواقع الأدبي.
وأضافت، لم تقتصر كتابات المرأة على مشكلاتها أو قضايا تخص جنسها بل نجد إنعام كجه جى تتكلم عن تاريخ الظلم في العراق ورضوى عاشور منارة يهتدى بها كل الكتاب في الرواية التاريخية.
أما هبة الله احمد، فقد أشارت إلى الصورة النمطية التي حصر فيها النقاد الكاتبات، حيث قال أحد النقاد لها من قبل أنه أول ما يقرأ كتاب من سيدة، بالضرورة يكون عن الأمومة أو الحمل أو الحب، فهو صنف نتاجها الادبي بأنه نسوى فقط، لكن الكتابة عمل إنساني ممكن المرأة تعبر عن مشاكلها الشخصية أكثر لكن هذا لا يمنع أنها تكتب عن أمور أخرى.
واستشهدت الكاتبة بتجربتها الشخصية، قائلة "أنا كتبت قصة كاملة بعنوان "السائر بلا آثام وأحجبة "، كان الرجل هو البطل والمتحدث من البداية للنهاية، وتتناول حياته وجوانبها المختلفة، وحصلت على جائزة نادى القصة المصري تقديرا لجودة العمل الأدبي وهو ما يؤكد قدرة المرأة على الكتابة في أي شيء، فإنه من الظلم والإجحاف حصرها في جزء معين".
في ذات السياق، استنكرت رانيا هلال من إطلاق مصطلح الأدب النسائى من الأساس، وتساءلت "لماذا لا يوجد تصنيف عند الرجال بـ"الكتابة الذكورية"، فإن هذا التصنيف للكتابة عن المرأة ما هو إلا جزء من التصنيف المجتمعى للسيدات، مثلما نجد تصنيفات الحالة الاجتماعية "مدام او أنسة"، ولا نجد مثلها عند الرجال.
وتابعت الكاتبة، "النسوية ليس سبة لكن هناك فرق بين الكتابة الجندرية والنسوية، يستخدمون لفظ نسوى فقط للتقليل من العمل الأدب، فلم أنسى مداخلة لأحد النقاد الكبار ذكر فيها أن جودة المنتج الأدبي النسائى لا يقترب من الذكوري."
فيما شاركت هند عزت ما تشعر به طوال الوقت حين تكتب بسبب هذا التصنيف تحديدا، حيث عبرت، "أشعر أن مطلوبا مني طيلة الوقت بذل جهد أكبر لإثبات نفسي حتى أخرج من عباءة الأدب النسائي، ففي الحقيقة لا أفهم ما داع أن يكون هناك فئة أو فرع في الأدب مندرج تحت مسمى نوع لمجرد أن الكاتب أنثى!".
وأضافت: "يتم ذكر البعض من الكاتبات على استحياء بأن هذه كاتبة متخصصة في أدب الجريمة وتلك كاتبة الرعب المخضرمة وهكذا لكن لم أر تقديرا واضحا للكاتبات بما يستحقون".
على النقيض، كان موقف بنت الصعيد تيسير النجار، التي قالت بمنتهى الثقة، "أنا محتاجة أكتب عن نفسى مثل أي إنسان، تماما مثلما يكتب الرجل عن أبطال ذكور ويعبر عن ما بداخله، إن لم أكتب عن قضايا تشغلنى وتجارب أمر بها، من سيكتب عنها"، مؤكدة "يجب أن يتم النظر للقيمة الأدبية بغض النظر عن النوع وأى شيء آخر".
تيسير النجار
سجن الوحدة: مصير الكاتبات المهمشات؟
يلقي التهميش بظلاله القاتمة على حياة الكاتبات، ويحول رحلة إبداعهن إلى سجنٍ من الوحدة والعزلة. ففي ظل بيئة ثقافية تمارس فيها ازدواجية المعايير، وتحرم الكاتبات من فرص التقدير والاعتراف، وتقيد حريتهن في التعبير، تصبح الكتابة ملاذًا وحيدًا قد يتحول إلى سجن يعمق شعورهن بالوحدة.
فتحت الكاتبة تيسير النجار قلبها وشاركت مشاعرها، مؤكدة أن الوحدة والاكتئاب نتيجة طبيعية عند الشعور بالنبذ والاستبعاد، ولكن الكاتبة تتحرر من إحساس الوحدة بالكتابة، مؤكدة أنها لا تستعجب ظاهرة انتحار الكاتبات وارتباطهن بالوحدة، حيث إن الإنسان بشكل عام عندما لا يلق القبول الاجتماعى أو الأدبي لأعماله قد تكون هذه نهايته، ليس المرأة فقط بل أيضا الرجل إذا تعرض لنفس الضغوط مثلما حدث مع رجاء عليش من قبل، الذى انتحر بعد أن تعرض للنفور لسبب خارج إرادته يتمثل في النظرة المجتمعية السلبية لمظهره، وكذلك يتكرر الوضع مع بعض الكاتبات بسبب نوعهن.
نهى محمود
فيما قالت نهى محمود إن الكتابة في حد ذاتها فعل موجع ومؤلم والإنسان هش وجهاز استقبال للعالم، فالمشاكل مثل عدم التقدير أو الأزمات الأخرى عندما تواجهها الكاتبة لا تتمكن من الإفلات خاصة مع تطلعها للحرية والتعبير، مضيفة "ونحن لدينا ميراث ذكورى مجتمعى ثقيل جدا يزيد من وطأة الأمر".
ورأت رانيا هلال أن الكاتبة تتأثر بشكل مضاعف أكثر من أي شخص آخر، فقد تفضل الوحدة عن الاختلاط بمجموعة لم تتعامل معها بنوع من الحساسية أو لتتجنب التورط عاطفيا مع القضايا العامة والخاصة، مضيفة، "اتفهم أن الوحدة كانت تأكل حرفيا الكاتبات من قبل خاصة مع عدم قدرتهم على النشر في كثير من الأحيان، لكن الآن أرى أن الوحدة قد تكون فرصة للتعافى من الواقع حولنا".
وتتشارك سارة درويش نفس وجهة النظر بشأن أن شعور الاغتراب والوحدة يتضاعف لدى الكاتبات، حيث تصبح امرأة ترى العالم بطريقة غير تقليدية، ولا تكتفي بذلك وإنما تحكي عن ذلك العالم الذي تراه، فيتضاعف اغترابها عمن حولها.
ووصفت سارة علاقتها بالوحدة بالـ “مركبة وشديدة التعقيد"، مضيفة "آمنت لسنوات أنني أحبها لدرجة الخوف من الحرمان منها، ثم اكتشفت فجأة أنها أكثر ما يفزع قلبي. أعيد تعريف الوحدة مرات ومرات، والتفكير في معناها، وأكتب بينما أحاول أن أتعرفها أملاً في أن يفهم أحد ما أشعر به. حتى قرأت ذلك الاقتباس لكارل يونج عن أنه "ليس للوحدة علاقة بعدم وجود أي شخص من حولك، بل هي عدم القدرة على التعبير على الأشياء التي تبدو مهمة بالنسبة لك، أو تبني أفكار معينة لا يستطيعون من هم حولك استيعابها وهضمها".
وتختتم نورا ناجى هذه المشاركات الوجدانية عن الوحدة، وهى التي كتبت كتاب كامل بعنوان "الكاتبات والوحدة" تناقش فيه مدى ارتباط العديد من أعلام الأدب عالميا وليس فقط محليا بالوحدة وانتحار بعضا منهن بعد أن تقطعت بهن السبل، حيث ترى أن الوحدة للمرأة رفاهية لأنها ليس لديها مثل الرجل مكان للعزلة، فتكون إشكالية ما بين رفاهية ومطلب وبين أنها عبء وتسبب الألم، ودائما الكاتبة تحاول أن تفسرها فبتضح في كتاباتها.
متى تحصل الكاتبة المصرية على حقوقها؟
تتطلع الكثير من الكاتبات إلى الحصول على حقوقهن في الوسط الثقافي والحياة الأدبية، بينما تمتلك القليلات نظرة متفائلة بشأن وضعهن، مثل الكاتبة نهى محمود التي ترى في إمكانية الكتابة والنشر قيمة أساسية قد تخفف من أي أمر آخر، ولعل الأمر الوحيد الذى قد يجعل الوضع أفضل من وجهة نظرها هو أن تقرأ المجتمعات أكثر وتكون أكثر وعيا وتعلما، وأن ينظر للشعر مثل بقية الفنون الأدبية على أنه جدير بالنشر وليس سماعي يقتصر على الأحداث والفعاليات، مؤكدة أن هناك دور نشر ترفض نشر الشعر بسبب أمور تتعلق بالربح.
هند عزت
وسلطت نورا ناجى الضوء على نظرة النقاد للمرأة، مؤكدة أنهم عندما يتوقفون عن نظرتهم الهامشية على أن تجربة الكاتبة غير مكتملة، سيكون هناك أمل في غد أفضل، إنما الإجحاف بالحق والجهد كما يحدث مع الكاتبات الآن فهو أمر غير مقبول، حتى مع الكاتبة آنى إرنو نفسها التي حصلت على نوبل، مازالوا يتحدثون عن كتابتها على أنها كتابة ذاتية، والحقيقة أنها كتابة ذاتية ولكنها ترى العالم كله.
وتابعت، "لا يوجد وعى بأهمية كتابات المرأة وهى في الأساس مرآة المجتمع تتحدث عن كل شيء بقدرتها على التركيز في التفاصيل".
كاتبات يشاركن تجاربهن مع الوحدة
أما هبة الله أحمد، فقد رأت في العدل المجتمعى الحل، ألا يصنف الناس حسب النوع وغيره، إنما يتم القضاء على العنصرية المجتمعية الموجودة بمقياس الإنتاج الأدبي."
بهذه الأصوات المهمة في الساحة الأدبية كشفنا نقطة جوهرية، كنا نظن أنها انتهت بعد أكثر من 100 عام على إثبات المرأة قدراتها الإبداعية في الكتابة، لكن يبدو أن الأمر لم ينته وأن النساء في حاجة إلى حلقات أخرى من الصراع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة